اختلاف الأولويات

حامد إبراهيم حامد :

رغم ضغوط الزمن باقتراب الموعد الذي حدده مجلس الأمن للسودانيين شمالا وجنوبا بالتوصل لاتفاق ينهي الخلافات إلا أن تباعد المواقف لايزال هو السيد المسيطر على الأزمة وأن ذلك مرده إلى اختلاف الأولويات لدى الطرفين، فالخرطوم التي دخلت المفاوضات بثقل وبوفدين منفصلين أحدهما مع الجنوب كدولة الآخر مع الحركة الشعبية قطاع الشمال رغم عدم الاعتراف الرسمي بها تريد مناقشة قضايا الوضع الأمني في منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودعم الجنوب لحركات دارفور المتمردة إضافة إلى البحث عن حقوقه النفطية أما الجنوب يريد ترسيم الحدود والاتفاق على تصدير النفط وترى فيما أثاره الشمال أمورا داخلية خاصة وأن على الشمال حلها بمعزل عن المفاوضات التي تجرى بين دولة ودولة ومن هنا فشل الطرفان في التوصل لاختراق قد يقود إلى قمة بين الرئيسين عمر البشير وسلفاكير لتوقيع اتفاق إطاري يجنبهما مؤقتا عواقب تحذيرات مجلس الأمن الذي يبدو أنه منشغل بقضايا أخرى أهم من قضايا السودان الشائكة.

فمن الواضح أن الطرفين فشلا حتى الآن في إحراز أي تقدم في جميع الملفات خاصة ملفات الحدود والترتيبات الأمنية ومنطقة أبيي وهي ملفات مهمة وأن حلها تقود للانفراج في الأزمة ومن ثم تطبيع العلاقات. فالخرطوم لاتزال ترفض خريطة الطريق الأفريقية التي وضعها الوسيط الدولي والأفريقي تامبو إمبيكي بخصوص الحدود وإقامة منطقة عازلة تفصل البلدين ورفضها مرده أن الوساطة اقحمت الميل 14 الحدودي في القضية رغم أنها منطقة سودانية أصلا وتتبع الذي لدارفور ولكن الخرطوم بدلا من مواجهة الحجة بالحجة أقحمت الجنوب في القضية وحولت أزمتها بدلا من مواجهة الوساطة إلى مواجهة الجنوب وهذا الموقف أضر بقضتها.

فكان الأجدر مواجهة الوساطة لأنها هي التي أعدت الخريطة وليس الجنوب الذي قبل الخريطة وورط الخرطوم، فتمسك الشمال برفض الخريطة مبرر ومقبول ويجب أن يقوم على خطة واضحة وقناعة راسخة ولكن أن يقول إن الخريطة خرق لقرار مجلس الأمن وخارطة الاتحاد الأفريقي فهو غير منطقي لأن من أعد الخريطة هم خبراء من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن بتكليف من الوساطة وليس من حكومة الجنوب التي قبلت الخريطة لأنها جاءت في مصلحتها وأدخلت الخرطوم في أزمة مع الوساطة، ولكنها بدلا من مواجهة الحقيقة الممثلة في الوساطة صوبت سهامها نحو الجنوب وحملتها المسؤولية رغم أن المسؤولية تتحملها الوساطة التي كان يجب على الخرطوم مواجهتها بتقديم حجج وثائق مقنعة تؤكد أن المنطقة سودانية ولا علاقة لها بالجنوب.

فالسؤال الذي يطرح نفسه أين خبراء السودان ولماذا تم تغييبهم ولمصلحة من؟ وأين الوثائق الحدودية وهي معروفة للقبائل وماهو دور أبناء المناطق الحدودية في هذه الأزمة ولماذا عدم الاستعانة بهم مسبقا قبل إعداد خبراء الوساطة هذه الخريطة؟ من الواضح أن الوفد السوداني المفاوض لم يتعلم من التجارب السابقة التي دخل فيها من خلال التفاوض بقضية الجنوب منذ عهد ناكيرو ونيفاشا وتوابعهما، فنيفاشا التي منحت الجنوب الاستقلال خلقت للشمال جنوبا جديدا في كردفان والنيل الأزرق والنيل الأبيض ودارفور إضافة إلى خلق أبيي، والآن أديس أبابا تسير على نفس النهج وستخلق الميل 14 وغيرها من المناطق التي تطمع الجنوب كدولة لضمها إليها والغريب في الأمر أن كل هذه الأمور تتم بواسطة ورقابة دولية تقبل بها حكومة المؤتمر الوطني إنابة عن جميع أهل السودان عن طيب خاطر خوفا من عواقب الفشل بحجج غير مقبولة حتى لعضويتها.

من المهم أن يدرك الوفد السوداني الذي يمثل الشمال أن قضيته ليست فقط مع الجنوب كدولة وإنما مع المجتمع الدولي، فالجنوب كدولة ومن خلال وفدها المفاوض وضحت أنها قرأت الأحوال الإقليمية والدولية جيدا ورتبت أمورها بقبولها جميع ما طرحته الوساطة وورطت الخرطوم التي تحاول جرها لأزمة ثنائية بدلا من مواجهة الوساطة التي تتولى الملفات.

إن الأمور تتجه إلى الجمود وليس إلى التصعيد، فرغم اقتراب المهلة المحددة للطرفين دوليا للتوصل لاتفاق قبل الثاني والعشرين من الشهر الحالي، إلا أن مجلس الأمن لن يصعد الأمور وربما يلجأ إلى خيارات أخرى ليس من بينها العقوبات أو التلويح بسياسة العصا، لأن هناك أزمات دولية أخرى تشغل المجتمع الدولي ليس من بينها أزمات السودان التي تجئ في سلم الاهتمامات الدولية والإقليمية حاليا والطرفان يدركان ذلك جيدا ولكن على الخرطوم ألا تركن لهذا الواقع لأنها مطالبة باستحقاقات أخرى كثيرة وعليها حل أزمتها الحالية أولا مع الوساطة الأفريقية والدولية ومن ثم مع الجنوب وأن الأمر يتطلب إعادة ثقة للجنوبيين أولا فهم أكثر حاجة للشمال، فالقضية بالنسبة لهم ليست في تصدير النفط فقط وإنما في التجارة والروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كانت موجودة قبل الانفصال.

فقضية الحدود بين شمال وجنوب السودان رغم أنها شائكة إلا أن حلها سهل إذا ما تصافت النفوس ورجع الطرفان للقبائل الحدودية التي تسكن على الطرفين فهي أدرى بمناطقها شجرة شجرة وحجرا وحجرا ولكن من الواضح أن الخرطوم لم تعيرهم الاهتمام ولم تستفد من درس أبيي التي أدخلتها في أزمة وعندما ضاقت بها الحال بعد التحكيم الدولي بلاهاي استعانت بقبائل المسيرية صاحبة الأرض والتي كانت غائبة في مفاوضات نيفاشا، والآن بدأت الأصوات المحلية تعلو أيضا في جنوب وشرق دارفور ولكن الحكومة السودانية لن تسمع لها إلا في حالة فشلها لأنها ترى المسألة من زاوية أخرى لم يحن الأوان لإشراك القبائل المحلية في أمرها.

محنة الخرطوم معقدة ومركبة وأنها تكمن في أن ظهرها مكشوف محليا وأنها لم تشرك الآخرين في الأمر وتعتبر أمور التفاوض مع الجنوب أو مع حركات التمرد شأنا ثنائيا خاصا بالحزب الحاكم فقط وحتى الشركاء من الأحزاب الصغيرة أو الكبيرة لم يستشاروا في الأمر فجميع أعضاء الوفد الحكومي هم أعضاء في الحزب الحاكم ومن كبار مسؤوليه، فيما أن الجنوب الدولة الحديثة ظلت تجد الدعم الإقليمي والدولي كما أنها رتبت أمورها جيدا وتجاوبت مع الوساطة على عكس الخرطوم التي ظلت تتحفز علي أطروحات الوساطة ولكنها بدلا من مواجهتها تلقي اللوم على الجنوب كأن في الأمر تصفية حسابات بينهما فقط. فالقضية ليست قضية مفاوضات فقط حول القضايا الخلافية التي ظلت محل مساومات وإنما هي قضية أولويات، فكل طرف حدد أولوياته ولكن الخرطوم فشلت في تسويق هذه الأولويات فيما نجحت جوبا بتوقيع اتفاقية تصدير النفط التي لم تجد الخرطوم وسيلة لعرقلتها إلا بربطها بالملفات الأمنية ولكن هل تصمد الخرطوم على موقفها أم أن الأمر مجرد مناورة مثلما حدث في المواقف السابقة ومن بينها القوات الدولية بدارفور؟ التي جابهتها في حينها بمقولة “باطن الأرض خير من خارجها”.

الراية

تعليق واحد

  1. I do not see any problem between north sudan and south sudan…the only problem is NCP government in north sudan .who created all the problems and took advantage of islam and race ..we have been saying that long enough..but some people are benfit from the status quo..and some out of hatred to African they prefered to live in poverty… and false sense of security …

  2. ALwaz you Must know how to hunt even in the deep water ..!!!!!!!!!!!!!!!!!….
    Just Like This Hero … He know better where to Hunt , When ,,, and How ….

    Long Life our Herooooooooooooo 4 ever

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..