التصوف في نيجيريا وفي تركيا جذوره، ونشأته، وآثاره ..

ورقة مقدمة فى المؤتمر الدولى عن العلاقات التركية الإفريقية، الذى تنظمّه جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية(تركيا) بالتعاون مع جامعة إفريقيا العالمية (السودان(
المنعقد في الفترة (27-29 أكتوبر، 2015م(
المكان :- جامعة إفريقيا العالمية ? الخرطوم
المقدم :- د. أمين إسماعيل ساغاغي
قسم الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة بايروا ? كنو، نيجيريا.
)Sufism between Nigeria and Turkey:
The origin, development and impacts
Being a paper presented at an
International Conference on
The Turkish ? African Relations
Organized jointly by
Sultan Mehmet AlfatihWaqf University, Turkey
And
International University of Africa (IUA) Sudan
Venue:- International University of Africa (IUA), Khartoum.
Date:- 27 ? 29 October, 2015.
Presenter: Dr. Aminu Ismail Sagagi
Department of Islamic Studies and Shari?ah
Bayero University, Kano, Nigeria(
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
مقدّمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد.
يقول الله تعالى:-“ونفس وما سوّاها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكّاها. وقد خاب من دسّاها” .
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلّم:- “إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق” .
انطلاقًا من النصوص الإسلامية الكثيرة التي تشيد بأهمية نفس الإنسان وخطورتها، ووجوب تخصيص العناية والرعاية لها، تفرغ جزء كبير من علماء المسلمين لتفقه مداخل الشيطان إلى نفس الإنسان. لمعالجتها بما يناسبها من وسائل التربية الروحية، والتزكية النفسية، وبرز في هذا المجال رجالٌ أصبحوا من المتخصصين في الزهد حتى أطلقت عليهم ألقابٌ مختلفةٌ على مر تاريخ الإسلام، كالزهاد، والنساك، والفقراء، والصوفية وغير ذلك.
من أشهر الأعلام في هذا الصدد جنيد البغدادي، وبشر الحافي، وغيرهم الكثيرون. ولهم قدوة فيمن سبقهم من الصحابة والتابعين كأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وأبي ذرّ الغفاري، والحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، وسفيان الثوري، وغيرهم أيضًا.
ولما توسعت رقعة البلاد الإسلامية وتنوعت الشعوب الداخلة فيه تنوّعت إثر ذلك صيغ وأساليب، ومناهج وطرق التصوّف الإسلامي، الأمر الذي أدّى إلى تنوّع نظرة الناس إلى التصوّف والصوفية، فمن الناس من يراهم أهل الله الصالحين الأتقياء البررة، ومنهم من يأخذ عليهم بمآخذ كثيرة تصل إلى حدّ الاتهام بالشرك والابتداع، ومنهم من يميّز بينهم فيرى أنهم -كغيرهم من المجتهدين -منهم المصيب ومنهم المخطئ.
فمهما يكن من أمر، فإن للطرق الصوفية آثارًا تاريخية لا يجحدها أحد في كثير من الدول الإسلامية، فقد قاموا بإدخال الإسلام في بعض البلاد ونشروه، وأقاموا أوتاده وشيّدوا له الدّول وفتحوا البلاد, ومن هذه البلاد التي تأثرت بمجهودات الصوفية دولتا نيجيريا وتركيا. فللوقوف على التصوّف والأثر الصوفي في نيجيريا وفي تركيا تمت كتابة هذا البحث بعنوان:-
“التصوّف في نيجيريا وفي تركيا”
جذوره، ونشأته وآثاره
? أهمية البحث:
لهذا البحث أهمية من وجوه منها:
-إنه دراسة منهجية لتجربة دينية ذات بُعدٍ تاريخيٍّ واجتماعيٍّ هامٍ.
-إنه محاولة للوقوف على آثار أعلام من علماء نيجيريا وتركيا.
-إن البحث يساهم في موضوع يشغل بالَ كثيرٍ من الناس في العالم المعاصر.
* أهداف البحث:
-دراسة واقع الإسلام من ناحية التربية الروحية في كل من دولتي نيجيريا وتركيا.
-عقد مقارنة بين التجربة الصوفية النيجيرية، والتجربة الصوفية التركية.
-إبراز ما قد يكون مطويًّا في صفحات التاريخ من العلاقة النيجيرية التركية الشعبية.
-تقديم ما يمكن الاستفادة منه من مجهود الصوفية في نيجيريا وفي تركيا.
-دعم مساعي الدّولتين نحو توطيد علاقات دبلوماسية، واقتصادية، وثقافية، يكون عائدها المعنوي والمادي لصالح الشعوب عامة، ولشعب البلدين خاصة.
-أسئلة البحث:
-ما هي جذور التصوّف وأصوله؟
-هل التصوّف نتيجة لتجربة إسلامية خالصة أم نتيجة لتجارب الثقافات الأخرى؟
-هل ساهمت الصوفية في دخول الإسلام وانتشاره في دولتي نيجيريا وتركيا؟
-ما هي نماذج الشخصيات الصوفية في كل من نيجيريا وتركيا؟
-وهل ترك التصوّف آثارًا إيجابية في البلدين؟
إذا كان الجواب بالإيجاب، فهل لا تزال هذه الآثار باقية أم عفى عليها الزمن؟
-كيف نقارن بين التصوّف النيجيري والتصوف التركي في العصر الحديث؟
-هل للتصوّف دور مرتقب في معالجة تحدّيات العالم الإسلامي المعاصر؟
خطة البحث:
-مقدّمة
(وثلاث مباحث), وخاتمة.
-المبحث الأول: التصوف في الميزان
*تعريف التصوّف
*جذور التصوّف
*التصوف السنِّي
-المبحث الثاني: التصوّف في نيجيريا
*الطريقة القادرية
(نماذج من أبرز شيوخ القادرية)
*الشيخ آدم نَمَأَجي
*الشيخ محمد الناصر كَبَرا
*الشيخ آدم عبد الله الإلُّوري
-الطريقة التيجانية
*الشيخ (الأمير) محمد السنوسي الأول (أمير كنو) الأسبق
*الشيخ إبراهيم صالح الحسيني
*الشيخ إسحاق رابع
-المبحث الثالث:
“التصوّف في تركيا”
*المدخل
*الطريقة النقشبندية
*شيوخ الطريقة النقشبندية المتأخرين
*الشيخ محمد القبرصي (الحقّاني)
*الشيخ عثمان سراج الدين
*الشيخ محمود أسعد جوشان
*الشيخ بديع الزمان النورسي
*الخاتمة
*نتائج البحث
*توصيات
المبحث الأول: التصوف في الميزان:
? تعريف التصوف:
يقول الشيخ أحمد بن عجيبة نقلاً عن الشيخ زروق أنه عرِّف التصوف بتعريفات تبلغ نحو ألفين…
ومن هذه التعريفات: “الدخول في كلِّ خُلُقٍ سَنٍّي والخروج من كلّ خُلُقٍ دَنِيٍّ، وقيل : هو أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم مع قوم كرام . والصوفي هو الذي يطهّر القلب من شوائب النفس على الدوام، ولا يكون ذلك إلاّ بدوام افتقاره إلى مولاه .
تعددت تعاريف التصوف إذًا، وتراكمت إلى حد التضارب والتناقض أحيانًا؛ وخاصة إذا اعتبرنا تعريف التصوّف الصادر من منتقدي الصوفية ومعارضيهم.
أمّا تعدّد التعريفات الصادرة من الصوفية فلا يمنع من ردّها إلى معنى واحدٍ: وهو-التصوف صدق التوجه إلى الله تعالى، فيقتضي ذلك أن: “كل من له نصيب من صدق التوجه له نصيب من التصوّف، وأن تصوف كل أحدٍ صدق توجهه .
فموضوع التصوف هو الإنسان من حيث تحقيقه العبودية لله تعالى، ولكي يتم ذلك، فلا بد من الاجتهاد في مقاومة هوى النفس، والصمود أمام غرور الدنيا، والحصانة ضد غارات الشيطان ومراوغاته، أمّا الوسائل الناجعة في نجاح هذه الاجتهادات فتكمن في العلم والعمل، ويتفرع منهما جميع القيم والمبادئ الصوفية.
ولا شك أن الإنسان مخلوق مكوّن من خمس عناصر: الروح، والجسد، والعقل، و القلب، والوجدان، فلكي يستقيم الإنسان على الصراط المستقيم لا بد من تغذية كل عنصر من هذه العناصر الخمسة بما يلائمه من المواد الغذائية الخاصة به، فالروح غذاؤه السمو إلى مدارج النفحة الرحمانية، وغذاء الجسد الطعام، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الإيمان، وغذاء الوجدان الرفق والعطف والرحمة، فالتصوف إطعام الروح بالأغذية المناسبة له من خلال تزكية النفس وتربيتها بوسائل ذكر الله، والتوبة،والإنابة، والاجتهاد، والتوكّل، والتواضع، والكرم، والمحبة، والعفو، والسماحة، والعدل، والإنصاف، وغير ذلك كثيرًا، وأثناء السعي إلى تحقيق التربية الروحية يستلزم التلاقي والتساند بين عنصر الروح وبقية العناصر الأربعة؛ (كما هو بديهي).
جذور التصوف:
لقد امتدّ الاختلاف حول التصوف إلى أصل نشأته وجذوره الأوّلية. فمعظم الباحثين في التصوّف يرون أنه تطورٌ طبيعي وصِحِّي، من قراءة للمنهج القرآني في ترتيب سلوك البشر على ما يؤول عليهم بالفائدة والخير، ومن ذلك قول الشيخ محمد بن الصِّدِّيق : “إن أول من أسس التصوّف هو الوحي السماوي إذ هو بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدّين الثلاثة…”
وهناك من يرجع نشأة التصوف إلى القرن الثاني للهجرة، منهم ابن خلدون الذي نقل عن علماء نفوا وجود التصوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، إلاّ أن هذا الفريق لا ينفي اتصال التصوف بسلف الأمة.
ومن المفكرين من يرجع نشأة التصوف إلى محاولة الهروب من فتن الحياة بسبب جنوح الناس إلى المادة، وتفكك الحياة الروحية، فوجود التصوف عند هؤلاء نتيجة للصدمة الحضارية، وردود فعل لانغماس الخاصة والعامة في حطام الدنيا، فلجأ بعض الناس إلى الزهد والخلوة فرارً من الفتن والقلاقل.
ويقول البعض إن أصل الصوفية يرجع إلى رجل زاهد متعبد في الجاهلية يقال له صوفة، واسمه غوث بن مرّ بن أدِّ. ويرى بعض المستشرقين أن أصل الصوفية يرجع إلى صوفيا اليونانية وهي كلمة تعني الحكمة .
وقد اختلفوا كذلك في اشتقاق كلمة الصوفية، هل هي من الصوف، أم من الصفا، أو من (أهل) الصُّفَّة، أو من الصِّفة بمعنى (محاسن الأخلاق)؟
يقول الشاعر أبو الفتح البستي:
تنازع الناس في الصُّوفي واختلفوا
وظنه البعض مشتقًّا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى
صفا فصوفي حتى سمّي الصُّوفي
ويقول الصوفي القديم: الهجويري :
” إن اشتقاق هذا الاسم لا يصح من مقتضى اللغة في أي معنى لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه” ، .
ويقول القشيري:”ليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق”.
إلا أن عددا من المحققين الصوفيين وغيرهم رجحوا أن يكون أصل اشتقاق الصوفية من الصوف؛ ذهب إلى ذلك أبونصر السراج الطُّوسي، وأبو طالب المكّيّ، وشهاب الدين السُّهرَوَردِيّ، وابن خلدون، وابن تيمية.
فمهما تباينت الآراء حول أصل نشأة التصوّف، فإن ما قاله الباحث إبراهيم الورّاق يظل جديرًا بالعناية والاعتبار، وفيما يلي خلاصة ما قاله بهذا الشأن:-
-إن التصوّف ظهر في تاريخ الإسلام منذ العهود المبكّرة، بلا عنوان، ولا شعار، ولا طائفة أو طريقة رسمية، بل كان منهجًا فكريّا وسلوكيا في الحياة، اهتم به جميع الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والعهود التي تلته، ومن أبرزهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأبو ذرّ، وجميع أهل الصّفّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ثم جاءت مرحلة تدوين التصوف علمًا آليّا معياريّا.
ثم وصل التصوّف إلى مرحلة الطرق والجماعات ذات مناهجَ وأدبياتٍ خاصّةٍ .
ومن أوائل من مؤسسي الطرق الصوفية:
-أحمد علي الرّفاعي
-عبد القادر الجيلاني
-أحمد البدوي
-إبراهيم الدسوقي
يظهر مما سبق عرضه أن التصوف كغيره من العلوم الإسلامية بدأ كمنهج حياة لتطبيق آداب الإسلام ووصاياه، منذ عهد النبوة، ثم تدرّج في مراحل التطوّر، حتى وصل إلى مرحلة المذاهب ذات كتب ومناهج وأتباع.
. التصوف السني:
يكاد الصوفيون يتفقون على أن هناك تصوفَا حقيقيًا منشأه التعاليم الإسلامية الأصيلة الواردة في القرآن والسنة، فمن الآيات القرآنية التي تعد مرجعًا للصوفية قوله تعالى “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها” (سورة الشمس :9) وجميع الآيات التي تتحدث عن مراقبة النفس، وكذلك أحاديث الذكر، والتوبة، والاستغفار، والزهد، والإحسان .
واعترف معظم الصوفية بأن بعض الأدعياء أقحموا في التصوّف ما ليس منه، من ادّعاءات واعتقادات غير مقبولة عقلاً ولا شرعًا، واستدلّوا في ذلك بإنكار الغزالي قولة المنصور الحلاّج المشهورة، فقال الغزالي إنّ قتل مثله أفضل من إحياء عشرة .
فمثل هذا النوع من التصوّف لا يعتبر سنّيّا حتى عند أئمة الصوفية أنفسهم، يقول إمام الطائفة أبو القاسم الجنيد البغدادي: “عِلمُنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة، فمَن لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه عن المتأدبين أفسد من اتبعه” . ويدعم هذا الكلام ما قاله أحمد زروق: “وقد عرف أن التصوف لا يعرف إلا مع العمل به. والاستظهار به دون عمل تدليس” .
ومن ذلك أيضًا قول أبي الحسن الشاذلي:-
“خذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله واقتد به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده، وهداية الأئمة المربّين تسلم من الشكوك والظنون والأوهام، والدعاوي الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه” .
ويقول الشيخ إبراهيم صالح الحسيني النيجيري “إن السادة الصوفية في ماضي تاريخهم لم يخرجوا من خط أهل السنة…” .
ومن ذلك مقالة المرحوم الشيخ محمد الناصر كبرا القادري النيجيري:-
ليس الطريق بأن تقول تشدّقًا
أنا قادريّ أو أنا تجَّانِيٌّ
إنّ الطريق تخلّق وتحقُّقُ
بحقائق الإيمان والإحسان .
ولقد أثبت الشيخ إبراهيم صالح عقيدة الصوفية في قوله: “أجمع الصوفية من أهل السنة على أن الله تعالى واحد فرد صمد قديم أزلي باق أبدي، وأن ما سواه كله صنعُه وخَلْقُه، لا شريك له ولا ضد له ولا نِدَّ له ولا شبيه له، موصوف بكل ما وصف به نفسه من الحياة والعلم والقدرة والإرادة، والسمع والبصر والكلام…” .
هذا من ناحية تأكيدات الصوفية على انتمائهم لطائفة أهل السنة والجماعة، ومن ناحية أخرى أكّدوا نفس الأمر بسرد قائمة لعشرات السادة الصوفية ممن عاشوا وماتوا في القرون الإسلامية الأولى وما تلاها، والغالبية الساحقة منهم ممن أجمعت الأمة على صلاحهم وورعهم وتقواهم، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر:-
1- بشر الحافيّ:
هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي، كان مولده ببغداد سنة (150هـ)، وسمع بها شيئًا كثيرًا من حمّاد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وابن مهدي، ومالك، وأبي بكر بن عيّاش، وغيرهم.
وسمع منه جماعة، منهم أبو خيثمة، وزهير بن حرب، وسريُّ السَّقَطى، والعبّاس بن عبد العظيم، ومحمد بن حاتم، اشتغل بالعلم برهة من الزمن، ثم اشتغل بالعبادة، واعتزل الناس ولم يحدّث.
وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه.
قال الإمام أحمد يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن قيس…وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده مثله.
وقال إبراهيم الحربي : “ما أخرجت بغداد أتمّ عقْلاً منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة لمسلم، وكان في كل شعرة منه عقل، ولو قسّم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء، وما نقص من عقله شيء.
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم، فأُخْرِجَ بعد صلاة الفجر فلم يستقرّ في قبره إلا بعد صلاة العتمة. وكان عليّ المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلى صوته في الجنازة: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة . توفي عليه رحمة الله ببغداد سنة 227هـ
2- معروف الكرخي:
يقول الإمام الذهبي: “معروف الكرخي عالم الزهد بركة العصر، أبو محفوظ البغدادي…” .
ولد في الكرخ ببغداد ونشأ فيها، كان أبواه نصرانيين فقدّماه إلى مؤدّبهم، فكان يقول له: قل ثالث ثلاثة، فيقول بل هو الواحد، فيضربه معلّمه ضربًا مبرّحا، فيهرب، فكان أبواه يقولان ليته رجع، ثم إن أبواه أسلما.
ذكر معروف عند الإمام أحمد، فقيل قصير العلم، فقال: أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟! قيل مات معروف سنة 200 (مائتين) من الهجرة. رحمه الله تعالى .
3- جنيد البغدادي:
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي ثم البغدادي، ولد سنة نيّفٍ وعشرين ومائتين، وتفقه على أبي ثور صاحب الإمام الشافعي، وسمع من السّريّ السّقطي وصحبه (وهو خال جنيد).
وصف الجنيد بالمكانة العليا والمرتبة العظمى، ويلقّب بإمام الطائفة، توفّي رضي الله عنه سنة 297هجرية ببغداد .
وجملة الكلام في إثبات صحّة معتقد الصوفية الحقيقية، وصحّة نسبتهم إلى أهل السنة والجماعة ما شهد به صدر الشريعة وشيخ أهل السنة أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الإسفراييني الأصولي المعروف، وذلك في كتابه أصول الدّين، وفي الباب الذي عقده بعنوان: “المسألة الثالثة عشر في ترتيب أئمة التصوّف” فقال:-
هؤلاء منهم: إبراهيم بن أدهم، وإبراهيم بن سعيد العلوي صاحب الكرامات، وإبراهيم الخوّاص، وإبراهيم بن شيبان، وأبو سليمان الداراني… .
ورغم وجود هذه الكوكبة المشرقة في أجواء التصوف، يوجد من العلماء من يأخذ على الصوفية ?عمومًا مآخذ كثيرة، وبعضهم يخص فردًا أو طريقة معيّنة بالنقد والإنكار.
ومن أبرز نقّاد الصوفية-رغم اعترافه بفضل بعضهم-الإمام ابن الجوزي ، لقد انتقد بعض الصوفية لاشتغالهم بالسماع والرقص، واتهم بعضهم بالميل إلى الراحة واللعب… ، .
ومن أساطين التصوف-كأبي حامد الغزالي-من أنكر على الصوفية دعوى الحلول والاتحاد، والتشدق بشطحات فيها تزكية النفس، يقول: “فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره، وعظم في العوام ضرره، حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل من إحياء عشرة” .
ولقد جاء في الموسوعة الميسّرة انتقادات بعض الطرق الصوفية بما يلي: “مبتدعون في عباداتهم لأنهم ذهبوا إلى تخصيص أدعية بذاتها غير واردة في الشرع، وألزموا الناس بعبادات معيّنة في أوقات مخصوصة لا تستند إلى أساس فضلاً عن أن لهم معتقدات تخرج من يعتنقها عن الملّة كالقول بالحلول والاتحاد…” .
ومن الأساليب المتأخرة في نقد الصوفية ذكر مآخذهم في جمل موجزة تلخيصًا لمجمل مآخذ الأئمة السّلفيّين على الصوفية، وقد أحصى عثمان الطّيّب أكثر من ثلاثين مأخذا على الصوفية، منها ما يأتي:-
1-دعاء غير الله والاستغاثة بالصالحين.
2-الذبح لغير الله.
3-الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم.
4-إقامة حفل المولد.
5-تركهم دعاء الله استنادًا إلى مقولة: علمه بحالي يغنيني عن سؤالي..” .
وجاء في مقال بعنوان: “مجمل مآخذ الأئمة السّلفيين على الصوفية ما يلي:-
1-إقامة المساجد على قبور الصالحين.
2-قبولهم كل ما يرد على القلب مما يسمّى كشْفًا أو مكاشفة.
3-شيوع البدع في محيط الصوفية ورواجها بينهم.
4-الشطح والرعونة مما يقع عند غلبة الوجد .
لقد رأينا كيف اجتهد بعض الصوفية في تأصيل التصوف ورده إلى القرون الإسلامية الأولى، ثم استطاعوا سرد نماذج فريدة من خيار الصالحين ممن تم الإجماع على صلاحهم وعلى انتسابهم إلى الطائفة الصوفية لدرجة أن بعض البارزين في مقاومة التصوف اعترفوا بفضلهم، وشهدوا على استقامتهم، كالشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الذي اعترف بفضل كل من الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، وفضل بن عياض،، وجنيد البغدادي، واعتذر لبعض الصوفية الذين يعرض لهم من الفناء والسّكر ما يضعف معه تمييزهم حتى يقولوا في تلك الحالة من الأقوال ما إذا صحوا عرفوا أنهم غالطون فيه، كما يحكى عن أبي يزيد البسطامي، وأبي الحسن النوري، وأبي بكر الشبلي…” .
بل وفوق ذلك، نجد ابن تيمية يصف بعض الصوفية بأنهم: “الكمّل تكون عقولهم ليس فيها سوى محبة الله وإرادته وعبادته…” .
فالصوفية إذًا أفرادٌ، وطوائف، وطرائق، وجماعات، منهم من شهد له العلماء بالعلم والزهد والصلاح، ومنهم من أنكره الصوفية أنفسهم قبل غيرهم وتبرؤا منه، ومنهم من أخذ عليه مآخذ اتفق على بعضها العلماء، وتنادوا إلى تغييرها وتصحيحها، ومنها ما لم يعدّها الصوفية مأخذا إذ وجدوا لها تأويلاً ومخرجًا ، فإننا إذًا نعتمد في التصوف على الصنف الذي زكاه العلماء وشهدوا له بالاستقامة والخيرية، كما نضيف صوتنا إلى أصوات العلماء الكبار الذين ينادون بإدخال التجديد في التصوف لتأصيله وإزاحة ما علق به من زيادات غير مبرّرة شرعًا.
التصوف في نيجيريا
تقع جمهورية نيجيريا الاتحادية على ساحل خليج غينيا بغرب أفريقيا، ممتدة على رقعة أرضية مساحتها 923,768 كم، وتحدّها شمالا جمهورية النيجر، وفي الجنوب خليج غينيا، وجمهورية بنين غربًا، وكل من تشاد والكاميرون شرقًا، وتقول إحدى الدراسات عن النمو السكاني في نيجيريا إن عدد سكانها يبلغ نحو 184,332,676 نسمة في هذا العام (2015)م.
وتطبق نيجيريا نظامًا اتحاديّا يحتوي على 36 ولاية بالإضافة إلى العاصمة القومية “أَبُوجَا”، وتتكوّن جمهورية نيجيريا من حوالي 250 قبائل رئيسة أبرزها: الهوسا فلاتة، واليوربا، والإيبو، والكانوري، ونوفي وغيرها.
دخل التصوف إلى نيجيريا على يد من أدخل الإسلام فيها، وهم الطائفة الصوفية الذين بشّروا بالإسلام ونشروه في أفريقيا الغربية.
فأتباع الطريقة القادرية مثلاً، وصفوا بأنهم “أحسن مبشّري الدّين الإسلامي في غرب أفريقيا من السنغال إلى بنين التي بقرب مصبّ النيجر، وهم ينشرون الإسلام بطريقة سلمية بعيدة عن الضرب والقتل” .
لاشك أن الباحثين اتفقوا على أن الصوفية بالإضافة إلى التجّار هم أول من أدخل الإسلام في المنطقة المسماة اليوم بنيجيريا، ثم كرّست وجود الإسلام فيها-هجرات العلماء وجولات السُّيَّاح أمثال عبد الكريم المغيلي(ت959هـ)، وعبد الرحمن السيوطي (849-911هـ) ، ثم تَلتها مرحلة تاريخية أخرى تمَكَّن فيها الإسلام وغطّى معظم أطراف البلاد، وتلك هي تأسيس الدولة الإسلامية على يد المجاهد الشيخ عثمان بن فوديو.
ولكي نقف على حقيقة ارتباط دخول الإسلام بالتصوف في نيجيريا، نلاحظ أن جميع المراحل المذكورة لها علاقة وطيدة بالتصوف، فإنه غير مستبعد أن يكون بعض أتباع الطرق الصوفية ضمن التجار الذين أدخلوا الإسلام إلى نيجيريا، كما أنه من المؤكد أن كلا من المغيلي والسيوطي إمامان من أئمة التصوف ، ودولة الشيخ عثمان بن فودي التي مكنت الإسلام وجددته في ربوع البلاد دولة قائمة على أسس التصوف، فهذا يكفي دليلا على عمق التصوف وبُعده في مسألة انتشار الإسلام في نيجيريا.
-الطرق الصوفية في نيجيريا:
يوجد في نيجيريا اليوم طريقتان صوفيتان رئيستان هما: الطريقة القادرية، والطريقة التيجانية، وغيرهما من الطرق متفرعة عنهما ومنتمية في الغالب الأعم إليهما.
الطريقة القادرية:
أسسها الشيخ عبد القادر بن موسى بن عبد الله الجيلاني(471-561هـ1078-1166م)، وهو شيخ جليل، وعالم فاضل، ومتصوّف ورع، وصفه ابن قيّم الجوزية بقوله: “الشيخ الإمام العارف، قدوة العارفين، الشيخ عبد القادر الجيلاني قدّس الله روحه…” .
وله كتب كثيرة منها: “الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم”، “والمناظر الإلهية”، و”السفر القريب”، و”حقيقة اليقين”، و”مراتب الوجود”، و”الكمالات الإلهية في الصفات المحمّدية” ، و”الغنية”.
و”أما طريقته القادرية فإنها طريقة الذل والانكسار (أي التواضع لله) ، والأسس التي وضعت عليها موجودة في كتاب الغنية للشيخ الجيلاني فليراجعها من عناها” .
انتشرت الطريقة القادرية أولاً في شمال أفريقيا على يد الشيخ شعيب أبو مدين الأندلسي، دفين تلمسان في الجزائر، ولقد تلقّى الطريقة القادرية من الشيخ الجيلاني مباشرة لمّا لقيه في موسم الحج.
ثم امتدّت الطريقة إلى غرب أفريقيا بواسطة الشيخ محمد عبد الكريم المغيلي الجزائري، ثم الشيخ أحمد البكائي في تمْبُكْت ، وانتشرت إلى جميع أنحاء شمال نيجيريا بعد قيام دولة الشيخ عثمان بن فودي، ففي ذلك الوقت أصبح الناس ينادون بالقادريين، كما يطلق عليهم اسم “جماعة المسلمين”.
وهكذا أخذت الطريقة القادرية تزداد وتنتشر في نيجيريا الحديثة، من خلال المساجد، والزوايا، والمدارس، وغيرها من الوسائل والأسباب، حتىى أصبح للطريقة القادرية اليوم مريدين وأتباعًا في معظم أصقاع البلاد وفي الدول المجاورة أيضًا كجمهورية النّيْجر، وغانَا.
نماذج من أعلام القادرية في نيجيريا:
1-الشيخ آدَمُ نَمَأَجِ (1903-1944م):
هو من كبار مشايخ الطريقة القادرية في كنو ، كان رحمه الله تعالى متبحّرًا في فنون العلم من فقه ولغة وعلوم الفلك والحساب والتوحيد والتصوّف، أسس معهدًا أهليّا، صار محطّا رحال طلبة العلم، وتخرج على يديه معظم كبار علماء مدينة كنو، ومدن نيجيريا الأخرى، من أشهر تلاميذه العلاّمة آدم بن عبد الله الإلوري، الباحث العالمي المعروف.
توفّي الشيخ آدم نَمَأَج سنة 1944م في طريقه (البرّي) إلى الأراضي السعودية ناويًا أداء حج ذلك العام، فوافته المنية في منطقة بَرْنُو، ودفن هناك (عليه رحمة الله).
2- الشيخ محمد النّاصر كَبَرَا (1912-1996م):
ولد الشيخ محمد النّاصر كَبَرَا سنة 1912م، وكَبَرَا اسم منطقة في تمبكتو بجمهورية مالي، جاء منها الجد الأعلى للشيخ محمد النّاصر المسمى مالم كَبَرَا، وكان رجلا تقيّا وعالمًا بارعًا،أسس إحدى أهم المعاهد العلمية في مدينة كنو، سنة 1781م، فلأجل مكانته الرفيعة عند الناس سمّوا الحيّ الذي يسكنه باسم كَبَرَا، بالإضافة إلى اسم الحيّ الأصلي “جّرْقَسَا” “Jarkasa”.
نشأ الشيخ محمد النّاصر كَبَرَ في بيئة محفوفة بالعلم، ومشتغلة بالذكر والتزكية، فنهل من ذلك المعين، بفضل ما تلقّاه من شيوخه من العناية الفائقة تعليمًا وتربية، وأشهر علمائه الشيخ مَالَمْ نَظُغُنِي ، منه أخذ معظم المعارف في الفقه واللغة والتصوف وتفسير القرآن الكريم.
ولقد عرِف الشيخ محمد النَّاصر كَبَرَا منذ شبابه بالهمّة العالية والحزم والعزم .
وكان طموحًا في العلم لا يملّ من طلبه لذلك كان يطوف بخمس مدارس في اليوم، وهو في ذلك يأخذ أكثر من عشر حصص ويستغرق حوالي تسع ساعات يوميّا-ما عدا يومي الإجازة الأسبوعية الخميس والجمعة، وهكذا ظلّ يتحلّق في أجواء المعارف ويرتقي في مدارج التصوّف حتى ذاع أمره وانتشر بداية من العام 1937م تحديدًا ، ومن حرصه على العلم محبته الجمّة للعلماء و أهل الفضل، فكان على صلة حميمة بكبار المشايخ المصريين والسودانيين من أعضاء البعثات الأزهرية والسودانية إلى مدرسة العلوم العربية بكنو، وبدأت مرحلة اتصاله بالعالَم الخارجي في وقت مبكر من حياته، ففي أوائل الأربعينات كاتب الشيخ محمد الناصر كبرا الشيخ أبا الحسن السماني حفيد مؤسس الطريقة القادرية السمانية، واستأذنه في أن يكون مقدّمًا في الطريقة السمّانية، ولقد سُرّ الشيخ السّمَاني بوجود شاب مجتهد من دول أفريقيا على هذا المستوى من الجد والهمة العالية، فبعث إلى الشيخ كبرا بجبة وطاقية وعينه “مقدّما” للطريقة السمّانية.
وفي سنة 1949م حج الشيخ كبرا حجته الأولى، وانتهز هذه الفرصة المقدّسة في التعرف على كبار مشايخ التصوف من موريتانيا وغيرها من دول العالم، وفي طريق العودة إلى نيجيريا مرّ الشيخ محمد الناصر كبرا بالسودان، وزار الشيخ محمد الفاتح ابن الشيخ قريب الله, (خليفة الطريقة السمانية في السودان) وأخذ منه العهد في الطريقة السمانية، ولعله من مظاهر هذه العلاقة الوطيدة بين الشيخ كبرا وأسرة الشيخ قريب الله أنّ الشيخ سمّى أحد أوائل أبنائه عبد القادر “قريب الله” وهو الآن خليفة الشيخ الناصر وزعيم مشايخ الطريقة القادرية بغرب أفريقيا.
والشيخ محمد الناصر كبرا رجل محب للأسفار وكان يعتبر ذلك من قبيل السياحة التي يقوم بها كثير من الصوفية, فلقد طاف بمعظم أرجاء العالم شرقًا وغربا منذ الخمسينات من القرن الماضي إلى أن توفّاه الله تعالى سنة 1996م، ومن الدول التي زارها: المملكة العربية السعودية، والسودان، ومصر، والشام، والعراق، وإيران، وتركيا، والأردن وغيرها من الدول الآسيوية والأفريقية والغربية.
وقد كان الشيخ محمد الناصر كبرا مقرّبا إلى إمارة كنو، وخاصة في عهد الأمير محمد السنوسي الأوّل، وكان يقدّم تفسير القرآن الكريم (في ليالي رمضان) في قصر الأمير، ولا تزال أسرته حتى الآن تقوم بتلك المهمة بقيادة خليفته الشيخ قريب الله بن الشيخ محمد الناصر كبرا. ويعتبر ذلك المجلس لتفسير القرآن الكريم من أكبر مجالس التفسير الرمضانية التي يحتشد فيها الخاصة والعامة على مستوى أفريقيا عمومًا.
وبالجملة فإن الشيخ قام بأعمال إسلامية عدة، وخلّف آثارًا وإنجازات كثيرة، منها على سبيل المثال:
1-تأسيس مدرسة إسلامية ابتدائية “معهد الدين للشيخ محمد الناصر كبرا” سنة 1961م، وقد خرّجت هذه المدرسة عشرات المئات من الطلاّب والطالبات المنتشرين في جميع جوانب الحياة في نيجيريا وخارجها.
2-تأسيس مدرسة ثانوية “كلية التراث الإسلامي”.
3-أسس مشروع الجامعة الإسلامية، ولا تزال أسرته تسعى لتحقيق هذا الحلم النبيل.
4-كان عضوًا في جميع المجامع الإسلامية الحكومية في نيجيريا.
5-ألف ما يزيد على 150 كتابًا شعرًا ونثرًا.
6-كرّمته جامعة أم درمان الإسلامية في السودان بالدكتوراه الفخرية سنة 1994م، ومدحه العالم السوداني الشيخ فرّاج الطيب في قصيدة عصماء.
7- ويعد من أبرز مآثر الشيخ الناصر كبرا، سعيه الحثيث في إزاحة الخلافات الشديدة بين مسلمي نيجيريا وخاصة بين الصوفية، والحركات السلفية، ففي سنة 1990م سافر الشيخ الناصر كبرا إلى مدينة كدونا لزيارة الشيخ محمود أبو بكر جومي قاضي قضاة حكومة شمال نيجيريا السابق، وأكبر علماء الحركة السلفية، والأب الروحي لجماعة إزالة البدعة وإقامة السنة، زاره الشيخ محمد الناصر كبرا في موكب من أقرب مريديه، وصلى معه صلاة الجمعة، ثم ألقى عقب الصلاة خطابًا وجيزًا صرّح فيه الهدف من الزيارة قال: “لم آت إليه (الشيخ جومي) لأناقشه في شيء، إنما جئت لزيارة أخوية وُدِّيَّة بحته!”.
رحمهما الله تعالى وأسكنهما فسيح جناته.
3-الشيخ آدم بن عبد الله الإلوري (1917-1992م).
ولد الشيخ آدم بن عبد الله الإلوري سنة 1917م، ووالده الشيخ عبد الله معروف بالورع والتنسك، وهو إمام وعالم في منطقته بإِلُورِنْ.
يقول الشيخ آدم الإلوري عن نفسه:
“كان والدي عالم دين وإمام ومتصوّف من أتباع الطريقة القادرية، تعلّمت منه القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وتلاوة الأذكار على منهج الطريقة القادرية. ودرست على علماء مدن أخرى مثل مدينة كنو.
من علمائي الأوائل:
-أَلْفَا (أي العالم) إِيسِنْ (Esin)، وهو صوفي من أتباع الطريقة التيجانية.
-ألفا عمر، إمام منطقة أَغْبَاجِى (Agbaji) وهو تيجاني أيضًا.
-الشيخ آدم نمأجي، ختمت مرحلة الطلب والتعلم بالدراسة على يد الشيخ آدم نمأج .
أخذ الشيخ آدم الإلوري الطريقة لأول مرة من عالم يسمى الشيخ ألفا سلمان أَكِي (Ake)، وأخذ الطريقة القادرية أيضًا من الشيخ آدم نمأجي، والشيخ الناصر كبرا.
إن التصوف عند الشيخ الإلوري، مؤسَّس على الأدلة العلمية، استمدّها من كنوز معارفه الزاخرة، وثقافته المتنوعة.
يقول الشيخ الإلوري مجيبًا على تساؤل؛ هل التصوّف بدعةٌ أم ليس ببدعة؟ فأجاب: “قال أنصار التصوف إنه شرح مقام الإحسان، كما أن التوحيد شرح مقام الإيمان، وأن الفقه شرح مقام الإسلام، وإذا لم يكن الاجتهاد في ذلك كله بدعة فليس التصوف بدعة…” .
ويقول عن الطريقة أو الطرق الصوفية، والأوراد والأذكار: “الطريقة عبارة عن رابطة روحية تضم أفرادًا وجماعات من الناس تحت قيادة واحدة، يسمعون لهذه القيادة ويطيعون لها في المنشط والمكرَه.
والأوراد هي الأذكار والأدعية التي اختارها قائد الطريقة لأتباعه، وتكون غالبا من المأثورات والإلهامات، وأنواعها: التهليل والتسبيح والتحميد والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم…” .
وتحدَّث الشيخ الإلوري عن آراء العلماء حول التصوف قديمًا وحديثا، فاستشهد بموقف الشيخ أحمد بن تيمية حيث أنه لم يذم الصوفية جميعًا، ولم يمدحهم جميعًا، بل فصّل فيهم القول قائلاً: الصواب أنهم (الصوفية) مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرّب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو أهل اليمين، وفي كلّ من الصنفين من يجتهد ويخطئ، ومنهم من يذنب ويتوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من (هو) ظالم لنفسه عاص لربه…” .
واستشهد الشيخ أيضا برأي الأستاذ عبّاس محمود العقاد عن التصوف: “التصوف الذي جاوز الحدّ حتى أنتج وحدة الوجود واتحاد الخالق مع المخلوق وحلول الله في جسم الإنسان، فكل ذلك إلحاد وزندقة، وخروج عن الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله…” .
لقد طاف الإلوري سائحًا في رياض الصالحين قاطفا كل ما طاب من ثمار وأزهار وريحان، فبعد استيعابها وهضمها خلُص إلى رأيه الشخصي وموقفه الخاص من التصوف الذي يعنيه ويشتغل به البال” أما نحن إذا ذكرنا التصوف والصوفية بخير، فلا نقصد الزندقة والزنادقة الذين تستروا بالتصوّف للكيد للإسلام…” .
هذا هو الشيخ آدم الإلوري المتصوف المثقف، والباحث المدقّق، الذي لا يصدر في مواقفه وآرائه من الفراغ، بل من الأدلة والحجج والبراهين.
لقد خلّف الشيخ الإلوري آثارًا تليدة، لا تزال إلى اليوم تؤدي دورها في خدمة الإسلام ونجدة المسلمين، حتى اعترف العالَم بعطائه الثرّ فجازاه بالتكريم، فقد نال الشيخ الإلوري وسام الجمهورية فى العلوم و الفنون، جمهورية مصر العربية سنة 1989م.
ونال جائزة مشابهة من دولة موريتانيا الإسلامية، وجوائز أخرى محلّيّة وخارجية. أمّا آثاره وإنجازاته فتتلخّص فيما يلي:
1-أن الشيخ درّس وعلّم ما لا يحصى من المسلمين والمسلمات، وخاصة في جنوب نيجيريا.
2- ألّف الشيخ كمِّيَّة كبيرة من الكتب والرسائل نثرًا وشعْرًا، (وخاصة باللغة العربية)، فهو كاتب عالميّ تنتشر كتبه شرقًا وغربا، ويستفيد منه ويرجع إليه كبار المشايخ والأئمة.
ومن أشهر كتبه:
-الإسلام في نيجيريا
-الإسلام اليوم وغدًا في نيجيريا
-توجيه الدعوة والدعاة في نيجيريا وغرب إفريقيا
3- أسس مركز التعليم العربي الإسلامي بأَجِيجِي-نيجيريا
4-أسهم في إرسال أعداد من طلاب نيجيريا إلى جامعات الدول العربية كمصر والسعودية وغيرهما.
5-أثرت تعاليمه ونشاطاته فيما نجده اليوم من وجود مئات الحاملين للدكتوراه في مجالي اللغة العربية والدراسات الإسلامية في بلاد اليوربا بصفة خاصة.
لقد انتقل الشيخ إلى رحمة الله تعالى سنة 1992، بعد حياة حافلة بالجهد والإنجازات.
الطريقة التجانية:
التجانية: طريقة صوفية أسسها الشيخ أبو العبّاس أحمد بن المختار بن أحمد بن محمد السالم التيجاني، وقد عاش ما بين (1150-1230هـ1737-1815م) .حفظ القرآن الكريم ودرس علوم الشرع. وتعلّم أورادًا وأذكارًا على يد مشايخ صوفية، ثم أسس طريقته الخاصة التي تنسب إليه (التيجانية) عام 1196هـ وتوفي في مدينة فاس بالمغرب سنة 1230ه 1815م.
ومن أبرز رجال التيجانية التي انتشرت بتآليفهم وتعاليمهم:
1-الشيخ علي حرازم، تلميذ الشيخ أحمد التيجاني, ومؤلف أشهر المراجع في الطريقة التيجانية (جواهر المعاني).
2-الشيخ محمد بن المشري السباعي صاحب كتاب: “الجامع لما افترق من العلوم”
3-الشيخ أحمد سكيرج العياشي الفاسي، صاحب كتاب “الكوكب الوهّاج”، و”كشف الحجاب عمّن تلاقى مع سيدي أحمد التيجاني من الأصحاب”.
4-الشيخ عمر بن سعيد الفوتي السنغالي.
5-الشيخ محمد عبد الحافظ المصري.
لقد انتشرت الطريقة التيجانية في دول غرب إفريقيا عمومًا، ودخلت إلى نيجيريا على يد الشيخ أحمد باه أحد مريدي الشيخ عمر الفوتي، وكان أحمد باه ساكنا في دولة النيجر المجاورة لنيجيريا, فاشتهر أمره في مدينة دَمَغْرَام النيجرية، فلمّا سمع به الأمير عباس أمير بلدة كنو, بعث إليه يستقدمه إلى مدينته، وقد استجاب الشيخ أحمد باه دعوة الأمير عباس، ووجد من حفاوة الأمير وكرمه وحسن ضيافته، مالا يحيط به وصف، فاستقرّ في مدينة كنو، وأدخل الملك وحاشيته في الطريقة التيجانية ، فكان ذلك مبدأ انتشار الطريقة التيجانية في نيجيريا بصفة عامة.
فالحق أن الطريقة التيجانية أكثر الطرق الصوفية تعرضًا لانتقادات النقاد وطعن المعارضين، لأسباب أهمها:-
1-اعتقاد أتباعها بأن الشيخ أحمد التيجاني تلقّى صلاة الفاتح من النبي صلى الله عليه وسلم.
2-قولهم بأن قراءة صلاة الفاتح مرّة واحدة تعدل قراءة القرءان ست مرّات .
3-ما يتكرّر على بعض مريدي الطريقة من التصريح بألفاظ مناقضة لأحكام الشريعة باسم الشطحات والفناء، والوصول إلى درجة علم الحقيقة.
ومن نماذج الانتقادات الموجّهة إلى التيجانية قول صاحب: “الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة” “إنّ التيجانيين مبتدعون في عباداتهم (…) لأنهم ذهبوا إلى تخصيص أدعية بذاتها غير واردة في الشرع وألزموا الناس بعبادات معيّنة في أوقات مخصوصة لا تستند إلى أساس فضْلاً عن أن لهم معتقدات تخرج بمن يعتقدها عن الملّة كالقول بالحلول والاتّحاد” .
هذا، إن مشايخ التيجانية قاموا بالردّ على مثل هذه الانتقادات في مجالس دروسهم، مثل مجلس الشيخ الطاهر بوتشي في كدونا نيجيريا، وهو مجلس يحضره عشرات الآلاف، ويتابعه عبر وسائل الإعلام ملايين، وهناك من تولّى الردّ دفاعًا عن معتقدات التيجانية، في بحوث علمية مكتوبة، مثل الشيخ الحافظ التيجاني المصري، فالشيخ المصريّ يرفض رفضًا شديدًا إلصاق البدعة للطريقة التيجانية. فالطريقة-حسب رأيه-مؤسسة على قواعد القرآن كقوله تعالى:” فاذكروني أذكركم” ، وقوله “فاعلم أنه لا إله إلا الله…” ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:
“أفضل الذكر لا إله إلا الله” . أمّا عن تخصيص أوقات وأعداد معيّنة للذكر فيقول الشيخ المصري منشأ ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” .
وفي الرد على اتهام التيجانيين بالاعتقاد في الاتحاد والحلول يجيب الشيخ إبراهيم صالح الحسيني بقوله: “من شروط الطريقة التيجانية جواز الخروج على طاعة الإمام لموجب، كأن يصدر من المقدّم ما لا تقبله الشريعة من الأقوال المنافية لحرمة الدين وأساسه، فلا يجوز له البقاء في عهد من نقض الشرع وخالفه، ولو ادّعى لنفسه الولاية أو القطبانية، فإنه كذّاب دجّال لا يجوز إقراره على باطله، وإلا كنت شريكه في الإثم وقسيمه في الضلال…” .
ومجمل القول في تبرير أفعال أهل الطريقة التيجانية هو ما يردده الشيخ طاهر بوتشي النيجيري، من أن أوراد الطريقة كلّها لا تخرج من الاستغفار، والهيللة، والتحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن الطريقة التيجانية واسعة الانتشار في نيجيريا، وهي أكثر الطوائف والجماعات الدينية أتباعًا وأنصارًا.
نماذج من أئمة التيجانية في نيجيريا:
1-الأمير محمد السنوسي (الأوّل)، أمير كنو الأسبق:
هو الأمير محمد السنوسي بن أمير كنو عبد الله بايروا، تولّى إمارة كنو في الفترة (1953-1963م)،ولقد شهدت فترة إمارته الاهتمام بالعلم،والإشراف على الآداب والقيم الاجتماعية. ومن مميزاته أنه من الأمراء الأفذاذ الذين برعوا في العلم، وتعمّقوا في فنونه المختلفة، لذلك يلقّب بأمير العلماء وعالم الأمراء.
وكان متصوّفًا على الطريقة التيجانية، بل تقلّد منصب خليفة الشيخ أحمد التيجاني في نيجيريا، فجمع بذلك الإمارة والإمامة في الدّين، والمشيخة في التصوّف، لقد اعتزل الإمارة سنة 1963م في ظروف سياسية ساخنة، فتفرّغ للعلم والخلوة والذكر حتى اعتقد الناس فيه الولاية.
وتوفي إلى رحمة الله سنة 1991م .
2-الشيخ إبراهيم صالح الحسيني:
ولد الشيخ إبراهيم صالح الحسيني ليلة 13�51938م في قرية إِرِيدِيبِي بولاية برنو النيجيرية . نشأ في كنف والده الصالح الحسيني، الذي تعلّم منه القرآن الكريم.
وبعد وفاة والده، أتمّ قراءة القرآن على يد المقرئ (القوني) (أي الماهر) بن حامد الحامدي. لزمه حتى أتقن تلاوة القرآن الكريم قراءة وتجويدًا. ثم التحق بزوايا قرآنية أخرى، مثل زاوية المقرئ جِدَّه، والشيخ المقرئ عبد الله الفضالي، في ميدُغُرِي بنيجيريا.
وبعد حفظه للقرآن الكريم، التحق بمعهد العلاّمة الفقيه المحدّث محمد بن المصطفى العلوي الشنقيطي بِبَرْنُو، فدرس عنده فنون العلم واللغة، مثل الفقه، والأدب العربي، والنحو والحديث، وانتقل إلى معاهد أخرى ببَرْنُو ليتقن علوم القرآن والتفسير، والحديث وعلومه، والنحو وعلوم اللغة، وأصول الفقه، والسيرة، والمنطق والفلسفة .
ثم بدأ الاتصال بالعالم خارج ولاية برنو وحواليها، فلقي علماء ومشايخ أجلاء داخل نيجيريا وخارجها، وأجازوه على فنون العلم والمعرفة، منهم:-
-الشيخ أبو بكر عتيق الكنوي.
-الشيخ إبراهيم الكولخي
-الشيخ الحافظ العلوي المالكي، السعودي
-الشيخ محمد الحافظ المصريّ
-الشيخ محمد زكريّا الكاندهلوي
-الشيخ محمود خليل الحصري
-الشيخ مجذوب مدثر السوداني
لقد قدّم الشيخ إبراهيم صالح-ولا يزال يقدّم-أعمالاً جليلة في مجالات العلم والتصوّف، نذكر منها على سبيل المثال ما يأتي:
-أسس منظمة النهضة الإسلامية منذ سنة 1957م.
ألف ما لا يقل عن مئتي (200) كتاب ما بين مطبوع ومخطوط في مجالات علوم السنة، والدعوة، والتصوف.
-عُيِّن رئيس هيئة الإفتاء بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا سنة 1992م إلى اليوم.
-اختير لعضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (تحت رئاسة العلاّمة يوسف القرضاوي)
-حصل على وسام الجمهورية في العلوم والفنون بجمهورية مصر العربية سنة 1993م.
شارك -ولا يزال- في مئات المؤتمرات والندوات المحلّيّة والعالمية.
-قدّم لقاءات تلفزيونية في قضايا عالمية في السودان، وليبيا، ومصر، والمغرب، وفي قناة الجزيرة الفضائية (برنامج الشريعة والحياة).
3-الشيخ إسحاق محمد الرابع:
ولد الشيخ إسحاق رابع بمدينة كنو سنة 1930م، وكان والده الشيخ محمد الرابع من أعلام علماء الإسلام بغرب أفريقيا، وكان ماهرًا في علم القراءات والتجويد، وضع فيه عشرات الكتب والرسائل شعرًا ونثرًا، منها كتابه (جامع المنافع على قراءة الإمام نافع) .
ومن كتبه أيضًا:
-عطية الباري في آداب القاري (شعر).
-هداية الرحمن في تجويد القرآن
-فتح الباري في شرح مقدمة ابن الجزري
-فتح العالي في أحكام سجود التالي (سجود التلاوة).
ولا تزال مؤلفاته الكثيرة مخطوطة.
تولّى الشيخ محمد رابع تربية ابنه إسحاق رابع إلى أن حفظ على يده القرآن الكريم، وشرع في دراسة العلوم اللغوية والشرعية إلى أن وافته المنيّة سنة 1959م، وإسحاق رابع حينئذ يبلغ من العمر تسعة وعشرين سنة (29)، فأخذ إسحاق رابع يكافح وينافح في مجالي التجارة والدّراسة إلى أن أصبح – فيما بعد- من كبار رجال أعمال غرب أفريقيا بالإضافة إلى مداومته لتلاوة القرآن الكريم، وقد أكّد أبناؤه وتلاميذه أن الشيخ إسحاق رابع يعد من أوثق القرّاء حفظًا للقرآن الكريم في نيجيريا، ولم تشغله شواغله التجارية عن ملازمة تلاوة القرآن في حلّه وترحاله.
والشيخ رابع صوفي من أتباع الطريقة التيجانية، وشيخه فيها شيخ موريتاني يسمّى الشيخ محمد الهادي .
أخذ الشيخ إسحاق علوم الفقه وعلوم القرآن والتفسير على يد الشيخ عبد الله سَلْغَ (وهو يعدّ أتقن عالم لعلوم الفقه في مدينة كنو حتى اليوم، توفي سنة 1962م). ودرس الشيخ علوم اللغة العربية أيضًا على يد أحد علماء كنو (مَالَمْ خَامِسُ بَقِنْ رُوَا) (Bakin Ruwa).
إشتغل الشيخ إسحاق رابع بالتجارة، وأسس شركات كبيرة في مجالات: الأقمشة، والمنتجات الزراعية، والطيران، والمقاولات، والترحيل.
فسخر ثروته الهائلة في خدمة القرآن وحفظته. وفي خدمة الطريقة التيجانية أيضا، فمن أعماله في هذين المجالين ما يأتي:
-بنى عدّة جوامع، منها ثلاثة من كبار جوامع مدينة كنو.
-بنى حيّا سكنيًّا كاملا فيه ما يزيد على ستين مسكنًا وأوقفه على حفظة القرآن الكريم.
-بنى مستشفيات ومكاتب الشرطة وأهداها للحكومة إسهامًا منه في خدمة المجتمع.
-أنشأ حلقة لتلاوة القرآن يقرأ فيها حزبا من القرآن الكريم يوميّا بعد صلاة العشاء، ويشارك في الحلقة هو وأبناؤه.
-أسس مدارس إسلامية ابتدائية وثانوية كثيرة.
-أسس كلية جامعية للقرآن الكريم، ولا تزال تحت المشروع.
-شيّد مبنى شاهقًا داخل جامعة بايرو ليصبح مركزًا للبحوث والدراسات القرآنية، وقد افتتح المبنى قبل شهور، وأطلق عليه اسم (مبنى الشيخ إسحاق رابع-خادم القرآن).
-لا يزال هو الراعي والمشرف على نشاطات الطريقة التيجانية في نيجيريا، وقد عيّن خليفة لها بعد وفاة الأمير محمد السنوسي (الأول).
-لا يزال يخصص منحًا دراسية في المدارس والمعاهد والجامعات داخل وخارج نيجيريا.
-عضو مجلس أمناء جامعة أفريقيا العالمية.
-عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية-ساي-بجمهورية النيجر.
-عضو مجلس أمناء جامعة الملك فيصل-تشاد
-عضو رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بمكة المكرمة-المملكة العربية السعودية.
آثار الطرق الصوفية في نيجيريا:
بعد استعراض نموذجي للطرق الصوفية ورجالها نستطيع أن نخلص إلى القول بأن التصوف أدخل الإسلام في البلد، ونشره أتباعه، وأقاموا فيه دولة إسلامية، ووجد من بين قادته وشيوخه أميرٌ، وبليونيرٌ، وعالمٌ عالميٌّ.
ليس من بينهم من طرح الحياة وآثر الغابة، أو تقوقع في صومعة معزولة، بل كافحوا ونافحوا وانغمسوا في معترك الحياة هادين ومرشدين، يشيّدون الجوامع والجامعات، والشركات والأحياء السكنية، يؤسسون خلاوى القرآن والمدارس والمعاهد العلمية، يكتبون ويؤلفون، ويدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
المبحث الثالث:
الطرق الصوفية في تركيا
إنه لمن نافلة الكلام الحديث عن تاريخ دخول الإسلام في تركيا وانتشاره، وقيام الدولة العثمانية التركية. فهذه الأمور كلها أشهر من أن يشار إليها في هذا المقام.
أمّا الحديث عن التصوف ودور الطرق الصوفية في نهضة تركيا قديما وحديثا فلا أجد مفرًّا من نقل كلام مسحبٍ في هذا الموضوع، ذكره الباحث المعاصر د. راغب السرجاني: حين قال: “…في حقيقة الأمر أن الخلافة العثمانية منذ أيامها الأولى وهي تتبنى الطرق الصوفية المختلفة، وليس عجيبًا أن تعرف أن كبار سلاطين الخلافة العثمانية، مثل محمد الفاتح?