أحقاً..ما زال في الإسلاميين من يقود الدولة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بالطبع نقصد بقيادة الدولة ..تلك القيادة المبرأة مما أظهروا من عيوب ورزايا..عبر الانفراد بقيادة الدولة لأطول فترة أتيحت لنظام سياسي ..وتيار فكري منذ الاستقلال.. ودواعي طرح السؤال كثيرة ..ليس أهمها ما يقول به الكثيرون منهم بوجود من هم أهل لتقديم نموذج بديل بينهم ..كما ظل يردد حسين خوجلي مثلاً بأن الإسلاميين لم يحكموا بعد..وما صرح به غازي صلاح الدين مؤخراً..حيث أن مثل هذه الأقوال ..لا تعدو أن تكون مكابرة وإنكاراً لجنين خرج من بين أصلاب وترائب الفكرة والتيار والأيديولوجيا..لكن أهم الدواعي على الإطلاق مرتبط بما صار معروفاً بالضرورة..ومتوقعاً في أي لحظة ..من حدوث تغيير جذري يطيح بالنظام ..دون أن يدعي أكثر المتشددين ..بزوال التيار ..ما يبدو جلياً في تصريحات المعارضين ..بتقبل وجودهم حال نقد الذات وتقديم بديل يمسح الصورة الشائهة التي رسخوها في ذهن الشعب السوداني.. وامتدادا لهذا ..المخاوف من تحويل هذا الجرح الذي استطال دون علاج لسرطان تصعب مداواته..خاصة أن البديل لدى من يرفعون الإسلام شعاراً للحل وفقاً للأطروحات البينة في الساحة ..ينزع إلى التشدد باعتبار أن النظام قد انحرف عن تطبيق شرع الله كما يبدو في خطب إما مسجد الخرطوم الكبير وأمثاله كثر..ثم تصاعد التيار السلفي استناداً إلى هذا المفهوم..ما يشير بوضوح أن تغيير النظام في الواقع ..قد يزيد من تشدد إسلاموي بدرجات متفاوتة ..لن يكون فكر القاعدة وداعش بعيداً عنه كناتج طبيعي ..ووجود مؤسسات حارسة لهذا النمط من التفكير..وللتدليل على ذلكم ..دونكم ما ثار من هيئة علماء السودان..عقب تعديل في قانون العقوبات بشأن الزاني المحصن..من الرجم إلى الجلد.. وفق خلاف فقهي في نفس التيار..فكيف إن كان في مواجهة من يختلفون بالكلية معه؟
في تقديري أن مثل هذه الأقوال غارق حتى أذنيه في التعويل على ما هو ذاتي من جهة ..وعدم الاعتبار بما قدمته التجربة من جهة أخرى..عليه ففي ظني ..أنه حتى الخطوة العملاقة التي أخذها حزب النهضة في تونس ..بفصل الدعوي عن السياسي..لا تخلو من مخاوف ..حيث أن المهم ..ليس ترك أمور الخدمات إلى مجال السياسة ..وتفرغ الآخر إلى ما هو دعوي..لكن المهم ..إلام سيدعو من تفرغوا للدعوة ؟ وكيف يرون بناء المجتمع ؟..وللوصول إلى أي هدف مرسوم يعملون؟
في هذا السياق ..لست ممن يبنون على كيل النعوت والصفات السالبة على كل المنتمين للتيار الحاكم أو معارضيه من حملة نفس الشعار باعتبارهم لصوصاً ومولعين بالمثنى والثلاث والرباع وسفاحين بطبعهم وإن صح في بعض الحالات..لكنني أبني على خروج هذه الصفات من أناس دخلوا المجتمع من باب المواظبة على عمارة المساجد وحضور حلقات التلاوة والذكر والمساهمة في الأعمال الطوعية بل والبحث الدؤوب في كيفية تنزيل الإسلام وقيمه في المجتمع ضمن انتمائهم للتيار. ..فعبر هذا المنهج الذي لا يعول على ما هو ذاتي فقط ..يمكننا الدخول في طريق الإجابة على السؤال الذي عنونا به المقال..أياً كانت درجة توفيقنا في تلك.فلنبدأ بما نراه من معضلات أراها تحدد اتجاه الأشخاص وتجرفهم جرفاً عكس ما يحبون .
تظل المعضلة الكبرى في كل ما هو طاغ وسائد في التيارات الرافعة لهذا الشعار ..الموقف من الآخر..فهو مثقل في البداية بتاريخ الصراعات الدينية والسياسية التي تأثر بها الفكر نفسه كثيراً..فالآخر حتى من المسلمين..هو مصنف مذهبياً ..لا يسهل معه التعامل ..فساد وصم المفكرين به..لذا لا ينظر لأي مجدد إلا من خلال مذهبه أولاً..فيكفي أن يقال أن هذا شيعي ..أو وهابي ..أو سلفي بأي صيغة ليقفل طريق التعامل معه..ويوصد باب السياسة التي عبره تتم قيادة الدولة..ودونكم مدى ارتباط النظام بإيران ليس في سني حكمه فقط ..بل منذ اندلاع الثورة الإيرانية من قبل تياره..ومع ذلك ..كان قفل الخطوط السياسية مرتبطاً باتهامات نشر التشيع..وما يعتور الشرق الأوسط من صراعات يبين ذلك..والاتهامات المتبادلة بين الدول حسب مذهبها مبذولة في الإعلام ..فتركيا سنية تحلم بإحياء الدولة العثمانية وتصريحات أردوغان تغذي ذلك ..وإيران تحلم بالدولة الصفوية ..والسعودية تود نشر الوهابية والتكفيريون نتاج فكرها..فإذا كان ذلك بين المذاهب..وفيها اتهام التكفير جاهز ..فمن باب أولى أن يكون المغايرين فكراً ودينا هم كفار يجب جهادهم وإن كانوا مواطنين في الدولة .. وما يسعون لبنائها لا تعدو أن تكون دولة كفر.. فيكون تصرف الجميع صوب المعارضين متكئاً على هذا الإرث ..فكيف يصلح فرد منهم لقيادة دولة حديثة تعتد بمواثيق دولية يحرص كل نظام جديد على إعلان احترامها ؟
المعضلة الأخرى هي ربط هذا التيار نفسه بجانب استعلائي في الثقافة العربية.. فاقرأ كل ما يستشهد به من شعر وحتى حكم وأقوال ..وإذا قرن هذا مع الاستعلاء الديني تصبح النتائج كارثية..وإلا كيف تفسر حركات الاحتجاج في الهامش ؟ ..فقد أصبحوا من قوم لا تنسب الفطن إليهم ..وما عمارة الأرض إلا حيث قطن القادمون .فكيف لمن ينتمي لذلك أن يقود دولة في تعدد السودان..دون الحديث عن عدم الدغمسة ؟
أما ثالثة الأثافي ..ففي المنهج الاقتصادي ..فقد اتضح أن الإسلام السياسي لا يستند على منهج إقتصادي يخصه ..بل مجرد أقوال عن عدم الربا تسقط عند الحاجة إلى قروض أجنبية لا تكلف سوى اجتماع للبرلمان لإجازته وتحليل من هيئة العلماء..أما دون ذلك ..فنظام رأسمالي في أكثر صوره توحشاً..فأصبح عمل الحاكمين بداية من رئيسها هو السعي المحموم لجمع المال..ويصبح كل شئ حلالاً ما دامت تدفع الزكاة والصدقات..لتحال إليه الغالبية الساحقة من الفقراء..فعندما تتحدث عن محاربة الفقر ..تنهض أمامك إحصاءات ديون الزكاة وما قدمه في كل المجالات ..في التعليم والصحة ودعم الفقراء ..بشتى الصور من هذه النسبة الضئيلة من المال .. فهل يمكنك أن تعجب من انسحاب الدولة وتنصلها المرة تلو الأخرى بالتدريج من هذه الحقوق..وترك الفقراء نهباً لآليات السوق..فهل كان ذلك من فعل شخص أو أشخاص منتمين إلى التيار ليكون غيرهم من نفس التيار صالحاً لإدارة الدولة ؟ مالكم كيف تحكمون.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. معظم من يتحدثون بإسم الإسلام لا يعلمون مقاصده و معظم من يتسنمون مفاصل السلطة لا يعلمون الهدف من الحكم.

    الاسلام عقيدة روحية في المقام الاول مبنية علي حرية الاختيار و عقيدة إجتماعية تسعي لتحقيق مقاصد الشرع في إطار معين و هو الحفاظ علي الدين(أي تمكين الانسان من عبادة الله بحسب إختياره), و النفس و المال و العرض في إطار ثوابت محددة منها العدل و عدم الاضرار بالنفس أو الآخرين و عدم الافساد في الارض و لم يأت الاسلام بتفاصيل محددة في كيفية الحكم أو تفاصيل حياتنا فمثلا في قصة النبي شعيب كانت الثوابت عدم الغش في التجارة و المكاييل و لم تأت رسالة من السماء تخبرنا بأن ستخدم الرطل أو الكيلوجرام ,لسبب واضح: الانسان زود بالعقل و المعرفة التراكمية التي تتماشي مع حاجات الانسان و تطور المجتمعات.

    الهدف من الحكم نستنتجه من قول عمر بن الخطاب ملخصاً وظيفة الحاكم “ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم”

    الامام علي
    « وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن . ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الاجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتؤمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر».

  2. معظم من يتحدثون بإسم الإسلام لا يعلمون مقاصده و معظم من يتسنمون مفاصل السلطة لا يعلمون الهدف من الحكم.

    الاسلام عقيدة روحية في المقام الاول مبنية علي حرية الاختيار و عقيدة إجتماعية تسعي لتحقيق مقاصد الشرع في إطار معين و هو الحفاظ علي الدين(أي تمكين الانسان من عبادة الله بحسب إختياره), و النفس و المال و العرض في إطار ثوابت محددة منها العدل و عدم الاضرار بالنفس أو الآخرين و عدم الافساد في الارض و لم يأت الاسلام بتفاصيل محددة في كيفية الحكم أو تفاصيل حياتنا فمثلا في قصة النبي شعيب كانت الثوابت عدم الغش في التجارة و المكاييل و لم تأت رسالة من السماء تخبرنا بأن ستخدم الرطل أو الكيلوجرام ,لسبب واضح: الانسان زود بالعقل و المعرفة التراكمية التي تتماشي مع حاجات الانسان و تطور المجتمعات.

    الهدف من الحكم نستنتجه من قول عمر بن الخطاب ملخصاً وظيفة الحاكم “ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم”

    الامام علي
    « وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن . ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الاجل. ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو. وتؤمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر».

  3. الشعب السوداني مسلم بالفطرة . كان المجتمع مضرب الأمثال
    في الامانه والخلق والتكافل . كان الناس يرفضون كل ما هو
    دخيل علي القيم السودانيه الموروثه .هذا قيض من فيض ..

  4. الشعب السوداني مسلم بالفطرة . كان المجتمع مضرب الأمثال
    في الامانه والخلق والتكافل . كان الناس يرفضون كل ما هو
    دخيل علي القيم السودانيه الموروثه .هذا قيض من فيض ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..