أصحاب سوابق ..!

«الحقيقة النقية البسيطة، نادراً ما تكون نقية، ويستحيل أن تكون بسيطة» .. أوسكار وايلد ..!
عجوز إنجليزي – كان في شبابه يتقلد منصباً رفيعاً في السودان، أيام الاستعمار – قابل في أواخر أيامه، طبيباً سودانياً مبتعثاً، فاستبد به الحنين إلى مقرن النيلين، وخاطب المبتعث الشاب، قائلاً في حزم ونزاهة واحترام: «أنتم يا بُنَي شعب فريد، وسأخبرك حالاً لماذا» ..!
ذهبت ? أيام شبابي – إلى السودان مزهواً بالمنصب الرفيع، وفي أول يوم عمل طلبت من النادل الأسمر كوباً من شراب الليمون، ووقفت أرقب جريان النيل خلف نافذة المكتب وأنا أفكر بأن بلادي تستعمر كل هذه المساحات وأنني الحاكم بأمره فيها .. لكن شعوري بالعظمة سرعان ما بددته نظرة صارمة، حينما وضع النادل كوب الليمون أمامي، كان الرجل صامتاً وكانت عيناه الصارمتان تقولان لي: «أنت لست حاكماً بأمره علينا بل محكوماً عليك بالنفي في أوطاننا، فتذكر هذا!» .. وقد فعلت، لذلك أقول إنكم يا بٌنَي شعب فريد» ..!
أما جيمس روبرتسون الذي كان سكرتيراً إدارياً أيام حكم الإنجليز، فيقولون بأنه عندما غادر السودان صاح قائلاً: «أشفق على من سيحكم هذا البلد، هذا الشعب لا يستطيع أن يحكمه إلا نبي أو غبي»! .. والآن أنت بالخيار ? يا صديقي ? .. إما أن تفرح بأنك مواطن ينتمي إلى شعب فريد يحكمه نبي .. أو أن تتكئ «مكوِّعاً» وأنت تفكر في غباء ذلك «الخواجة» المتعجرف روبرتسون ..!
الذي أكاد أجزم به هو أنك تنتمي إلى شعب صاحب «سوابق» سياسية فريدة! .. هل تذكر مثلاً خريف إحدى السنوات الماضية؟! .. حينما خرج السيد وزير البنى التحتية بالولاية العائمة على مواطنيها الخائضين، ليقول إنه يحمّل الدولة مسئولية كوارث الخريف، ويتهم الحكومة بالإهمال لأنها لم تتعامل بمسؤولية مع السيول والأمطار التي اجتاحت الولاية؟! .. في ذلك اليوم أرسى سعادته أول سابقة «وزارية»، فريدة: أن تجتمع براءة الوزارة وإدانة الحكومة في قلب رجل واحد ..!
هل تذكر أيضاً إحدى مراتب استحكام الغلاء، حينما أصيبت أسعار اللحوم بالجنون، وكثرت المطالبات بالمقاطعة، ونجحت جمعية حماية المستهلك ? حينها – في تنظيم حملة لمقاطعة اللحوم .. وقاطع من قاطع .. وصمد من صمد .. وشخصت الأبصار بانتظار خطط وتدابير الحكومة لمحاربة الغلاء .. حينها لم تحرك الحكومة ساكناً بالطبيعة «كما يقول التوانسة»! .. لكن رئاسة الجمهورية خرجت ? يومها – على الشعب الغاضب معلنة انضمامها لمعسكره، ومناصرتها إياه في حملات مقاطعة السلع التي طارت أسعارها وحلَّقت فوق الرؤوس بسبب سياسات الحكومة التي ترأسها، فكانت تلك البادرة سابقة «رئاسية» فريدة حقاً ..!
أما من حيث الشعب، فأنت – بحمد الله – مواطن محظوظ ينتمي إلى شعب سبّاق يؤسس لفعل ثوري جديد، فلا يتظاهر ضد حكومته فقط، كما يفعل «ناس الربيع العربي» – أصحاب المدرسة التقليدية – بل يتظاهر ضد نفسه ويثور على جبنها، ثم يخرج إلى الشارع مندداً بسياسات حكومته ومطالباً نفسه بأن تتغير، لعل الله يغير ما بها، كما فعل بعض المواطنين السودانيين ? قبل سنوات ? ذات «زَهْجَة» ألمَّت بهم .. وتلك لعمري سابقة شعبية، ثورية، فريدة حقاً ..!
ستقول لي أين البرلمان؟! .. لا تقلق بشأن خروجه من زمرة السوابق الفريدة، فقد تكفلت السيدة، د. سعاد الفاتح عضو مجلس الولايات بأن تتصدر القائمة حينما دعت ? قبل أيام – إلى إعدام من يتعاطون (الخرشة والأفيون والقاعدين نايمين)! .. أليست نكتة سياسية أن يصدر ذلك الحديث عن قيادية ترتدي عباءة الهيئة التشريعية (التي تمثل الإرادة الشعبية وترسخ الوحدة الوطنية، وتقوم بمهام التشريع على المستوى القومي، وتراقب السلطة التنفيذية القومية، وتعمل على ترقية الحكم اللا مركزي) كما ينص الدستور؟! .. إنها سابقة برلمانية فريدة حقاً ..!
ألم أقل لك ? منذ بداية المقال ? بأنك قارئ صاحب سوابق..؟!
اخر لحظة