تاريخ غرب السودان القديم

تاريخ غرب السودان القديم 1
مقدمــة
تشكلت صورة تاريخ السودان القديم في أذهاننا بصورة عامة في شكل فترات زمنية ووحدات منفصلة غير متصلة ببعضها البعض مثل ثقافات المجموعات A، C، X وحضارة كرمة ومملكة نبتة ومروي. ومن جانب آخر ساد مفهوم أن هذه الثقافات والحضارات مرتبطة بمناطق وسكان النيل فقط ولم يساهم فيها بقية سكان وأنحاء السودان الأخرى.
ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك عدم الاهتمام بالتراث والتاريخ القديم وضعفهما في مخططاتنا السياسية والإعلامية إلى ضعف اهتمامنا بالتاريخ القديم، وأوضح مثال لذلك يظهر في مناهجنا الدراسية في مرحلة التعليم العام. فقد قمت بمراجعة ما يقدم من مادة التاريخ في كتب التاريخ المقررة في مرحلتي الأساس والثانوي فوجدت الآتي: 1/ في مرحلة الأساس: نسبة ما يدرس من تاريخ السودان القديم 1% ونسبة نسبة ما يدرس من باقي تاريخ السودان 35% ونسبة ما يدرس من باقي فروع التاريخ الأخرى 64% 2/ في المرحلة الثانوية: نسبة ما يدرس من تاريخ السودان القديم والوسيط 3%، ونسبة ما يدرس من تاريخ الإسلام والعرب 60% ونسبة ما يدرس من تاريخ أوربا 21% ونسبة ما يدرس من تاريخ افريقيا 16%.
فكل ما يدرسه الطالب من تاريخ السودان القديم قبل القرن 15 م بعد أحد عشرة سنة من الدراسة في مرحلتي الأساس والثانوي يساوي 4% من جملة ما يدرسه في مادة التاريخ. ولنا أن نتصور كيفية عرض هذه المادة الـ 4%، وتقسيمها على مراحل الدراسة وفي الفصول النهائية وطرق تدريسها، ويعني كل ذلك أن الطالب يتخرج من مرحلة التعليم العام ويكاد بكون خالي الذهن من تاريخ السودان القديم.
وحتى ما يتم عرضه من تاريخ السودان القديم يبدو مبهما نشير إليه بحروف تطمس هويته مثل ثقافات المجموعات A، C ، X. كما تتم دراسة ما يقدم من التاريخ القديم في وحدات منفصلة ومحلية تبدو وكأن لا رابطة بينها، ولا تتضح أي صلة أو تواصل بين تلك الوحدات وأنحاء السودان الأخرى البعيدة عن النيل شرقاً وغرباً، وكأن ذلك التاريخ مرتبطاً فقط بمنطقة النيل شمال الخرطوم ولا دخل لباقي مناطق وسكان السودان الآخرين به. وقد أدى كل ذلك إلى غياب الوعي العام بالتاريخ والتراث، وغلبة الشعور العام بين السكان بضعف الانتماء وهشاشة الهوية. فالإنسان لا ينتمي إلى ما يجهله.
ورغم بدايات التوجه الآن نحو العناية بالتراث واللغات والتاريخ القديم إلا أن الأمر لا يزال بصورة عامة في مرحلة التنظير في انتظار وضع السياسات لمرحلة التنفيذ. ولعل من أهم متطلبات هذه المرحلة لمعالجة ذلك القصور الاهتمام بالمجلس القومي للمناهج ودعمه بالكفاءات من مختلف التخصصات لكي يقوم بالمراجعة العامة لمناهج التعليم بما يحقق إحياء روح المواطنة وبث التربية الوطنية وغرس حب الوطن والانتماء إليه بين المواطنين.
وأود هنا الشروع في تناول جزء مهم من تاريخ السودان وهو تاريخ غرب السودان القديم للتعرف على تفاعل غرب السودان ودوره الأساس في تراث وتاريخ السودان القديم. وأرى أن دراسة تاريخ غرب السودان القديم تتطلب دراسة كل المناطق الواقعة غرب النيل من حدود السودان الشمالية وإلى حدوده الجنوبية. ويتضمن ذلك الأنهار القديمة التي أصبحت الآن أودية جافة مثل وادي هور ووادي الملك ووادي المقدم والواحات مثل سليمة والنخيلة ولقية والمرتفعات مثل مرتفعات العوينات وإنيدي وجبل تقرو وجبل الميدوب وجبل مرة وجبال شمال وجنوب كردفان. فقد مثلت هذه المناطق – التي تبدو أغلبها الآن صحارى جافة – المجال الحيوي للسكان والثقافات والحضارات السودانية المبكرة.
ولذلك فدراسة تاريخ غرب السودان القديم تتطلب: 1/ ضرورة التعرف على تاريخ هذه المناطق التي تمثل الجزء الشرقي من الصحراء الكبرى، وتمثل في نفس الوقت الامتداد والامتداد الطبيعي لولايات كردفان ودارفور والشمالية. 2/ التعرف على التغيرات المناخية في المنطقة وما نتج عنها من تحركات سكانية الخريطة السكانية للسودان منذ فجر تاريخه. 3/ الاستعانة بنتائج أبحاث علم اللغة التاريخي Historical Linguistic للتعرف على أصول وتفرعات اللغات التي يتخاطب بها الآن سكان السودان، ومناطق تحركاتهم واستقرارهم القديمة والصلة بين متحدثي تلك اللغات ومتى انفصلوا عن بعضهم البعض. 4/ الاستعانة بنتائج أبحاث الحامض النووي DNA للتعرف على أصول سكان غرب السودان وعلاقتهم بسكان مناطق السودان الأخرى، وعلاقاتهم سكان دول الجوار. فدراسة تاريخ غرب السودان القديم دراسة واسعة ومتشعبة ومتعددة الجوانب multidisciplinary وتتطلب تضافر جهود المتخصصين في علوم المناخ والآثار والتاريخ والأنثروبولوجية والجينات الوراثية وعلم اللغة التاريخي حتى لكي يتم التعرف على معالم تاريخ هذا الجزء المهم من الوطن ونشرع في ربط وتواصل حلقات تاريخنا القديم المبتورة.
وأرى أن تاريخ غرب السودان القديم أو تاريخ مناطق غرب النيل القديم مرتبطا بتاريخ الصحراء الكبرى رباطا قويا ومتصلاً، وقد مرت منطقة الصحراء الكبرى الحالية بفترات مناخية متقلبة. فقد كانت هذه المنطقة قبل آلاف السنين تتمتع بقدر وافر من الأمطار وبعدد كبير من الأنهار والبحيرات والغابات والمراعي مما أدى إلى ظهور الثقافات والحضارات المبكرة في كثير من أنحائها. وتمتع الجزء الشرقي المتصل مباشرة بمناطق دارفور وكردفان بنصيب وافر من ذلك النشاط الثقافي والحضاري.
وسأستهل الحديث عن تاريخ غرب السودان القديم في الحلقات التالية بمقدمة تعريفية بتاريخ مناخ وحضارات الجزء الشرقي من الصحراء الكبرى راجيا مشاركة المتخصصين وبخاصة في علوم المناخ واللغة والآثار والمهتمين بتاريخ المنطقة القديم المساهمة في إلقاء بعض الضوء على ذلك التراث القديم.
د. أحمد الياس حسين
[email][email protected][/email]
هكذا يا دكتور يتبلور دور المثقفين في التنوير الذي يمثل دعامة تربوية لا فكاك للسودانيين منها كي يكونوا أمة واحدة .
التاريخ من أثري وأغني العلوم وذا سلمنا بأن السودان في غالبه مسلم فإن قصص القرآن تمثل أسمي المعلومات التاريخية بما فيها من سير وحقائق وعبر .
أنجب الطلاب في المساق العلمي يسخرون من الآداب والتاريخ وذلك جهل بالعلم واتجاهاته ,,, فمن جهل تاريخه صار منبتاً ,,, وينطبق علي الجاهل بتاريخ بلده وأمته سواءً أكان طبيبا , مهندساً , فيلسوفاً , معلماً أو سياسياً … إلخ
” يموت راعي الضأن في جهله ,,,, كميتة جالينوس في طبه “.
مقدمة رائعة لمقال شيق. غرب السودان يمتد حتي شواطئ المحيط عند مورتانيا والسنغال حيث لا موانع طبيعية من بحار او صحاري تعيق التداخل بين وادي النيل وهذا الجزء من افريقيا. ولهذا كان الدين الاسلامي والمذهب المالكي رابطا بين نسيج بلاد السودان. بعض القبائل في نيجيريا ترجع اصولها لهجرات من وادي النيل هذا قبل الاسلام. فاتمني ان لا يحصر تاريخ غرب السودان في نطاق ضيق.
لله درك يا فطحل ، ونحن في انتظار ماتكتبه بشوق وتلهف ? ولك يستمّر هذا التنظير من قبل أصحاب الشأن في السودان، ويستمر تقصيرهم وعدم الإهتمام بما هو مهم في إبراز التنوع وتعدد ثقافات السودان ومشاركة الكيانات المختلفة فيها ، ويحضرني تماما الإنطباع السائد في دراسة التأريخ القديم علي ضآلته في المناهج وما ذلك الّا لما يغرس فينا من انتماء زائف للعروبة ، المرتبط جهلا بالإسلام ن ومحاولة بتر كل ماهو غير إسلاميّ من المعرفة والثقافة ودمغة بصفات منفّرة ، وما طريقة تناول التأريخ القديم من اولّه علي سبيل المثال ( مقرر أجدادنا القدماء ) الذي كان أوّل مقرر للتأريخ في سنيّ الدراسة الأولي أظن ما يحرج به التلميذ نتيجة لهذا المقرر هو الشعور بالشفقة علي هولاء الأجداد أن لم يكن السخرية والنفور وبالتالي النفور عن التأريخ القديم من اوّل مقرر ? ثم ّتصميم المقرر بطرق معقدة لاحقا في المراحل المختلفة يزيد من نفور الطلاب من مادة التأريخ عامة والتاريخ القديم حاصة ? أخلص إلي ماقلته في بداية حديثي إن تأريخ السودان غير المرتبط بالإسلام والذي دخل متأخرا نسبيّا ليس مكان إهتمام من المسؤولين وخارج نطاق فلسفاتهم التربيوية