الديموقراطية المُعرَّبة

شعوب العالم الثالث هي الأكثر تداولاً لمصطلح الديموقراطية لكنهم الأقل تعاطياً وتحقيقاً للديموقراطية بل الأقل قدرة وتهيئة لإقامة النظام الديموقراطي عليهم بالشكل المطبق في دول الغرب .
وقد استمعت أول أمس تقريباً لفقرة من برنامج حال البلد بفضائية s24 استضاف فيها الحبيب الطاهر التوم الأستاذ الصحفي المحترم فيصل محمد صالح، وسأله عن أسباب تخليه عن التوجه الناصري الذي كان يتبناه فقال إنه احتاج في وقت من الأوقات أن يجدد أفكاره السياسية خاصة مع وجود قصور في التجربة الناصرية في ما يتعلق بالديموقراطية .
وفيصل يعتقد أن الديموقراطية لم تكن فكرة ملحة في ذلك الوقت لكن الآن وبحسب اعتقاده والاعتقاد السائد فينا جميعاً أنه يجب وضع الديموقراطية كأولوية ثم التفكير في الأشياء الأخرى.. هذا هو تلخيص لفكرة فيصل كمثقف سوداني يرى في الديموقراطية شرطاً أساسياً لتطبيق نظام حكم شرعي وسوي في أي مكان ..
ومع قناعتي بأن المبادئ الديموقراطية تحقق الكثير جداً من شروط المواطنة الكريمة والتراضي والاستقرار لكنني صرت أتأمل كثيراً في ارتباطنا وارتباط المثقفين باشتراط تحقيق هذه النماذج الديموقراطية عبر نظم الدموقراطية الحديثة المطبقة في الغرب فقط . مع إهمال كامل للأخذ بعينات هي أقرب إلى بئتنا وثقافتنا من نماذج شرقية أخرى في الحكم.. ناجحة جداً في تحقيق استقرار ورخاء ورضاء شبه كامل من الشعوب على حكامهم وقياداتهم الحاكمة من العوائل والأسر التي تتوارث الحكم بشكل لا يواجه بأي مستوى من الاحتجاج ولا تتوفر في تلك البلدان أية مؤشرات للرفض والمعارضة لأنظمة الحكم وتحديداً في دول خليجية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، والتي من السذاجة التعامل اليوم معها من خلال أحكام مطلقة على شعوب تلك الدول بأنها شعوب متخلفة مثلاً أو غير واعية سياسياً .
هذا غير صحيح.. فالكثير من أبناء هذه الشعوب الخليجية يتمتعون بدرجات عالية جداً من الوعي والثقافة السياسية لكنهم يتصالحون مع أنظمة الحكم في بلادهم لأنها تتناسب مع ثقافة المجتمعات الشرقية القبلية والعشائرية ويمنحون هذه الأنظمة تفويضاً كاملاً بقيادة تلك البلدان التي حققت طفرات هائلة على جميع المستويات .
المقارنة يجب أن تكون حاضرة ويجب التمعن في مثل هذه النماذج لاكتشاف سر التفويض الشعبي الذي يحل محل الديموقراطية بنموذجها الغربي .
وهذه الدعوة للتمعن في هذه النماذج العربية الخليجية، ليست كفراً بالمبادئ الديموقراطية لكنها محاولة لاكتشاف خيارات أخرى ومواعين مجربة تستوعب المبادئ الديموقراطية ذاتها أو تتعاطى مع الذي يناسب منها مرحلتنا الحضارية وثقافتنا الاجتماعية وتركيبة مجتمعاتنا بما فيها من عشائرية وقبلية .
لماذا حققت هذه الأنظمة الشرقية العربية نوعاً من الاستقرار والسلاسة في علاقاتها بشعوبها برغم أنها وبمعايير الغرب أنظمة أبوية وغير ديموقراطية..؟
هذا سؤال مهم لا يجب التعجل في الإجابة عنه قبل أن نعيد النظر في الولادات المتعثرة للتجارب الديموقراطية في دول الربيع العربي ونتمعن في ذلك الإجهاض المتكرر لجنين التجربة الديموقراطية في السودان .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي