مقالات سياسية

فوز دونالد ترامب ومستقبل العلاقات السودانية الأمريكية

كتبنا في تعليق سابق على مقال للسفير جمال محمد إبراهيم حول أفق ومستقبل العلاقات الأمريكية السودانية…[url]http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-63149.htm[/url]

الأستاذ/ جمال محمد إبراهيم، لك التحية والتقدير ونشكرك على طرح موضوع العلاقات السودانية الأمريكية المتأزم للنقاش وسبر غواره وبعد،،،

قد يبدو في كثير من الأحيان أن الأسباب الظاهرية لتأزم العلاقات الأمريكية الأيرانية والأمريكية الكوبية من جهة، والعلاقات الأمريكية السودانية من الجهة الأخرى متشابه، وذلك من خلال ما تثيره الإدارة الأمريكية من وقت لأخر فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والحريات وحقوق الأقليات، بالإضافة إلى الفساد السياسي ودعم الجماعات الأرهابية ..الخ. غير أن الحصيف والمتفحص الجيد وقد يلاحظ أختلافات جوهرية ومحورية كأسباب لتوتر العلاقات بين الدول الثلاث (أيران، كوبا والسودان) من جهة والإدارة الأمريكية من الجهة الأخرى.

صحيح قد تشترك الأنظمة في الدول الثلاث المذكورة في قمع الحريات وممارسة الدكتاتورية والتنكيل بخصومها السياسيين، غير أنه ليس هذه جوهر أسباب التأزم السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الثلاث، وإلا كانت مصر العربية وكثير من الدول العربية قد أندرجت تحت طائلة الخلاف والجفوة مع الإدارة الأمريكية.

الأسباب الجوهرية للعداء بين الولايات المتحدة من جهة وأيران وكوبا بالإضافة لكوريا الشمالية من الجهة الأخرى يتلخص في كون أنظمة هذه الدول تمثل تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة وتحدياً لسياساتها الخارجية كلاً في منطقته وأقليمه. فعلى سبيل المثال أيران تشكل تهديد لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج وزعزة أستقرار تدفق الطاقة النفطية للأسواق الأمريكية، ومهدداً لدولة أسرائيل وتتوعدها بالزوال، بينما الأزمة مع كوبا تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي سابقاً وأزمة نصب الصواريخ السوفيتية في خليج الخنازير المعروفة. وكذا الحال لكوريا الشمالية وتهديدها لأكبر حلفاء الولايات المتحدة التجاريين اليابان وكوريا الجنوبية. وخف التوتر مع كوبا بمجرد أنتفاء التهديد الروسي لولايات المتحدة، وكذا الحال مع أيران التي مارست معها الإدارة الأمريكية الحالية سياسة الأحتواء ووقف الطموحات الأيراينة في أمتلاك السلاح النووي.

أما فيما يتعلق بأزمة العلاقات الأمريكية السودانية، فهي مصنفة في كثير من دوائر القرار الأمريكي على أنها أزمة ضمير أنساني وتحدي أخلاقي غير قابل للمساواة، ترفض المبادئ الأمريكية الراسخة والثقافة الأمريكية المتسامحة التورط فيها أو السكوت عليها. فنظام الأقلية الحاكم في السودان ظل وعلى مدى نصف قرن ونيف (60) عاما وما زال، يمارس إبادة جماعية منظمة ضد المكونات العرقية المختلفة من مواطني هذا البلد، بداً من مذبحة عنبر جودة/كوستي في 20 فبراير 1956م، وأستخدام المبيدات الزراعية ضد العمال الزراعيين المطالبين بمستحقاتهم، كأول بادرة لأستخدام السلاح الكيمائي أداة حرب ضد المدنيين بالقارة الأفريقية، مروراً بالحرب العنصرية القذرة (إبادة الحجر والشجر والبشر) في جنوب السودان والتي أستمرت زهاء النصف قرن، تبعتها حروب التطهير العرقي في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، إلى جانب تورط الأجهزة الأمنية لنظام الأقلية الحاكمة في تجارة الأعضاء/الأسبيرات البشرية في شرق السودان..إلى جانب ممارسة سياسة الأضطهاد والتركيع والأخضاع الجارية لبعض مواطني ولايات وسط السودان عبر سياسة نزع ملكية الأراضي كما الحال في مشروع الجزيرة، وسياسات التهجير القصري وتدمير وطمر الثقافة والثراث بالسدود المشبوهة في أقاصي الشمال.

الإدارة الأمريكية تصنف الأنظمة الحاكمة في السودان منذ 1956، عموما ونظام الأنقاذ على وجه الخصوص على أنها نظام للتمييز العنصري مشابها تماماً لنظام الفصل العنصري (الآبارتييد) الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا قبل التسعينات، وتصنف أقلية الجلابة الحاكمة في السودان، التي لا تتجاوز نسبة تعداد منسوبيها الـ 5% من جملة سكان السودان (13 دائرة جغرافية لولايتي نهر النيل والشمالية من أصل 271 دائرة جغرافية لعموم السودان)، على أنها الصنو لأقلية البوير “البيض” في جنوب أفريقيا العنصرية سابقاً.

فقط عندما يستطيع السودان حكومة وشعبناً تجاوز معضلة أزمته الداخلية المزمنة ويتمكن من إنهاء نظام التمييز العنصري الرسمي بالدولة، عبر خطة واضحة وجادة لإعادة هيكلة جهاز دولته ومؤسساتها الأكثر حيوية (الجيش، الشرطة، الأمن، السلطة القضائية، المنظومة الأقتصادية ووسائل الإعلام المرئية، المسموعة والمقروءة)، ينهي معها كافة أشكال ومظاهر السيطرة المطلقة والحصرية لمنسوبي قبائل أقلية الجلابة الثلاث على مفاصل الدولة ومراكز اتخاذ القرار، وصولا لمؤسسات قومية تمثل كافة ألوان الطيف الأجتماعي في مراكز اتخاذ القرار، عندها فقط يستطيع السودان إعادة علاقاته مع الولايات المتحدة وجميع دول العالم الأول التي تحترم حقوق الشعوب وكرامتها الأنسانية ويتمتع بعلاقات ندية معها.

علينا كمثقفين سودانيين العمل الجاد والدؤوب والمخلص لمواجهة حقيقة نظام التمييز العنصري المجحف القائم في بلادنا منذ 1956 م، والعمل الجاد والصادق لإنهاء سياسات التمييز العنصري في بلادنا لصالح تفوق وديمومة تفرد منسوبي قبائل أقلية الجلابة الثلاث بمفاصل السلطة والثروة في بلادنا، قبل مطالبة الأخرين بإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية معنا … أن الحديث عن رفع العقوبات الأمريكية وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع الشعوب المحترمة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص قبل إنهاء سياسات التمييز العنصري في السودان ووضع حد للحروب الأهلية الطاحنة والمتواصلة على مدار (60) عاما، كأستحقاقات واجبة النفاذ، لا يعدو أكثر من ذر للرماد في العيون وتسكين للأمعاء الخاوية بغلي الحجارة حتى تنام البطون الجائعة.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..