الإضراب السياسي العام: ليس مضغة، ليس “شيخاً بيخن”

طفا شعار الإضراب السياسي العام وأن وقته أزف مع بدء إضراب الأطباء (وتواقت حدوثه في أكتوبر شهر تطبيق تلك الخطة منذ أكثر من نصف قرن) وعند إعلان رفع الدعم اللعين. وتأصل فينا سوء فهم الإضراب السياسي العام حتى بدا ممكناً عند منعطف كل تحرك جماهيري. وسوء فهم بهذا القدر مكلف لأنه يحول تكتيكاً سياسياً ذا قواعد وحسابات إلى أمنية شعواء. ولم يسلم حتى الحزب الشيوعي، الذي الإضراب السياسي بعض إرثه الثوري، من الوقوع في هذا التمني السياسي.
دعا الحزب الشيوعي ببورتسودان، في سياق الاحتجاج على رفع الدعم، للإضراب السياسي العام “بصفته عمل ثوري لإسقاط النظام وانتزاع الحرية والديمقراطية” بعد دعوته الجماهير لتنظيم صفوفها والتظاهر الميدان (الثلاثاء 8 نوفمبر 2016). وهذا سوء فهم للإضراب السياسي في خبرة الحركة الثورية ناهيك أن مركز حزب اليوم الشيوعي نفسه لم يقرر بعد أن سقوط نظام سيكون بطريق الإضراب السياسي العام كما فعل حزبنا القديم في بيانه بتاريخ 2-7-1961. ثم أخذ يدعو له بمثابرة من فوق التحركات الجماهيرية طريقاً للخلاص من النظام الذي أزفت أزمته الثورية. وتعريف هذه الأزمة اللينيني أنها ذلك المنعطف السياسي حين لا يعد النظام قادراً في الاستمرار في الحكم ولا الشعب “طائقاً” أن يحكم بواسطة هذا النظام مصحوباً بصعود قيادة للتغيير صميمة وجذرية.
نقع دعوة حزب الشيوعيين في ثغر السودان، بورتسودان، للإضراب السياسي العام في باب “المعارضة الإثارية”. وهي من علل طغيان اليسارية (النفس القائم) في شغل دعاة التغيير لا الثورية التي هي البال الطويل في حشد الجماهير لتغيير خاتم. وذكرت من قبل كيف انتقد تقرير المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي (الماركسية وقضايا الثورة السودانية في 1967) هذه المعارضة اليسارية وقال إنها طبعت عملنا الثوري خلال حكم الفريق عبود. وعرّف التقرير بأنها الكفاح ضد نظام جنرالات نوفمبر 1958 كنظام ديكتاتوري عسكري لا كنظام كبقي أداته العسكرية. ولذا تم التغيير، حين وقع، في مستوى عودة النظام البرلماني لأنه لم يتحقق به تغيير في بنية المجتمع يؤمن لمثل حكومة أكتوبر الثورية أجلاً أكثر مما سمحت به القوى التقليدية المتربصة.
كانت الدعوات المتعجلة اليسارية للإضراب السياسي مما اهتم بها الحزب الشيوعي بعد تحديده للإضراب السياسي كالتكتيك الثابت لإسقاط النظام. فما وضع الحزب خطة الإضراب السياسي العام حتى راح يكافح الأفكار الخاطئة في صفوفه حولها. فوجد أن مديرية الجزيرة بقيادة يوسف عبد المجيد فارقت الصواب في فهم طبيعة هذا الإضراب وتقدير حقائقه. فقد دعت المنطقة مراراً إلى الدخول في هذا الإضراب العام بغير تقدير لنضج الظرف الثوري له، أي قبل أن تنضج أزمة النظام الثورية فتبلغ نقطة الانفجار. وناقشت اللجنة المركزية الأمر مع قيادة منطقة الجزيرة. فالمنطقة، في رأي اللجنة المركزية، وقعت في أسر تقديرات يسارية تصور الإضراب السياسي وكأنه “موضوع التنفيذ الفوري المباشر وكأن الظروف قد نضجت له تماماً”. ومن شأن مثل هذه التقديرات في رأي الحزب الخلط بين الإضرابات ذات الطبيعة الاقتصادية المطلبية وبين الإضراب السياسي. فالإضرابات ذات الطبيعة الاقتصادية مما نبني عليه لنصل إلى الإضراب السياسي العام. فالتكهن بميقات الإضراب السياسي العام لا يصح لأنه يقع عند ما يتصاعد نهوض الجماهير من فوق التحركات المطلبية، وتشل الأزمة الثورية عزائم النظام القديم. ومن شأن التقديرات اليسارية للإضراب السياسي العام أن تجنح بالحزب نحو وضع شعارات إثارية لا تتفق مع واقع المنطقة المعينة التي يمارس فيها نشاطه (ثورة شعب 414-438).
وهذا اليسارية ما وقعت فيه منطقة الحزب الشيوعي الراهن ببورتسودان هذه الأيام. واحتفى الحزب بها بنشر خبرها في جريدته الناطقة باسمه بدلاً من مراجعتها على ضوء امرين: 1) أن الحزب لم يقرر الإضراب السياسي العام طريقاً للانتفاضة بعد، 2) وأنه، حتى لو قرر ذلك، فدعوة منطقة بورتسودان للدخول في مثل هذا الإضراب تعجيل يساري إثاري سبق للحزب التنبيه لعواقبه في مؤاخذته لمنطقة الجزيرة يوماً ما. لا تجعلوا من الإضراب السياسي مضغة في اللسان السياسي فتمحقون طعمه وتثلمون فعاليته.
[email][email protected][/email]
د/عبدالله
تحياتي
إلى الذين ظلوا يرددون ان ثورة اكتوبر جاءت (صدفة ) وان فكرة الاضراب السياسي كانت وليدة لحظة الانفجار تلك وما دروا ان الحفر ظل متواصلاً منذ اعلانها في 2/7/1961 كوسيلة لاسقاط النظاام .يأتي وقتها حين يصبح النظام غير قادر على الحكم وأن يكون الشعب غير قادر علي الاستمرار لحظة اضافبة تحت ظل ذلك الحكم.
د/عبدالله
اليك مقطع من قصتي القصيرة (..وحتى الصغار) التي اشرفت بنفسك علي نشرها بصحيفة الميدان حين كنت مشرفاً علي صفحتها الثقافية وقد تم النشر في نوفمبر 1965م وإن كانت كتابتها قد تمت في نفس عام الثورة(1964م) وفيها يجدون كيف كان الحفر في تثبيت فكرة الاضراب السياسي العام منذ
سنين عددا , حتي لحظة الانفجار .
المقطع :
((المدينة هادئة وصامته، وشمسها محرقة، جئت ساعتها من الخارج، هممت بخلع ملابسي، وكان أخي، هو وجماعته -كما تسميهم أمي- يجلسون في الغرفة الأمامية، حينما سمعت طرقات، على الباب. رميت، ما بيدي.. وعلى عجل، أسرعت لفتح الباب، وقبل أن أصله.. الباب ينفتح بعنف.. يندفع إلى الداخل أحدهم، يتبعه آخرون، ما حدث بعد ذلك، يصعب تذكره، قبضوا على أخي وجماعته -كما تسميهم أمي- أخذوا يفتشون المنزل: الأرض وحفروها.. كل شيء وبعثروه.. حتى (التُّكُل).لم يستثنوه.. أدخل أحدهم يده في “خمّارة العجين “.. أذكر يومها أن أمي حملتني إياها، لأسكبها في الشارع.. كل ذلك، ولم يجدوا ما جاءوا يبحثون عنه. رغم ذلك.. قذفوا بأخي، وجماعته -كما تسميهم أمي- داخل كومر الحكومة وذهبوا. بكيت يومها كثيراً، ولكن أمي لم تبكِ، بل أسكتتني بنهرة قوية، ومن خلال بقايا دموعي، رأيتها تحفر في جوف جدار مهجور لم تصله أيديهم، رأيتها تخرج عدة رزم من الأوراق المهترئة، صبّت عليها كمية كبيرة من الجاز، ثم أشعلت فيها النار. تركتها مشتعلة، وغادرت المكان.. يومها دفعني حب الاستطلاع، لكشف سر كل هذا الذي يجري أمامي، وأنا لا أفهمه.. فتسللت خلسة إلى حيث النيران المشتعلة، استطعت أن ألتقط إحدى الأوراق، التي أبعدها الهواء، عن السنة النيران، أزلت ما علق عليها من تراب ورماد.. رأيت عليها كتابة باهتة، التقطت عيناي بصعوبة عبارة لم أفهمها في حينها، تتحدث عن الإضراب السياسي، وحتى أمي لم تتركني أفهم أكثر.. كفاية أخوك الكبير.. هكذا تمتمت، وهي تمزق الورقة، التي كانت في يدي.. ولكني الآن بدأت أستوعب معناها. يرفع رأسه ينادي رفيقه الآخر. بعد أن تأكد له أن رفيقه أعطاه انتباهه، يهمس له: الناس كلهم أضربوا عن العمل.. ليه نحن ما نضرب عن العمل مثلهم. رفيقه الآخر لا يجيب. بل تجذب انتباهه، وقع خطوات، والتي دائماً ما تعني له الكثير، الخطوات تتوقف أمامه، صاحبها يسأل.. عندك ورنيش أحمر؟.. كلمات رفيقه ترنّ في أذنه.. لماذا لا نضرب عن العمل مثلهم.. رد سريعاً على صاحب الخطوات.. عندنا، ولكن نحن أضربنا عن العمل، يتبادل ورفيقه، ضحكات انتصار مرحة))
عمر الحويج
دا كلللللللللوو لما كان في حزب ضيعي حقيقي يا استاذنا
د/عبدالله
تحياتي
إلى الذين ظلوا يرددون ان ثورة اكتوبر جاءت (صدفة ) وان فكرة الاضراب السياسي كانت وليدة لحظة الانفجار تلك وما دروا ان الحفر ظل متواصلاً منذ اعلانها في 2/7/1961 كوسيلة لاسقاط النظاام .يأتي وقتها حين يصبح النظام غير قادر على الحكم وأن يكون الشعب غير قادر علي الاستمرار لحظة اضافبة تحت ظل ذلك الحكم.
د/عبدالله
اليك مقطع من قصتي القصيرة (..وحتى الصغار) التي اشرفت بنفسك علي نشرها بصحيفة الميدان حين كنت مشرفاً علي صفحتها الثقافية وقد تم النشر في نوفمبر 1965م وإن كانت كتابتها قد تمت في نفس عام الثورة(1964م) وفيها يجدون كيف كان الحفر في تثبيت فكرة الاضراب السياسي العام منذ
سنين عددا , حتي لحظة الانفجار .
المقطع :
((المدينة هادئة وصامته، وشمسها محرقة، جئت ساعتها من الخارج، هممت بخلع ملابسي، وكان أخي، هو وجماعته -كما تسميهم أمي- يجلسون في الغرفة الأمامية، حينما سمعت طرقات، على الباب. رميت، ما بيدي.. وعلى عجل، أسرعت لفتح الباب، وقبل أن أصله.. الباب ينفتح بعنف.. يندفع إلى الداخل أحدهم، يتبعه آخرون، ما حدث بعد ذلك، يصعب تذكره، قبضوا على أخي وجماعته -كما تسميهم أمي- أخذوا يفتشون المنزل: الأرض وحفروها.. كل شيء وبعثروه.. حتى (التُّكُل).لم يستثنوه.. أدخل أحدهم يده في “خمّارة العجين “.. أذكر يومها أن أمي حملتني إياها، لأسكبها في الشارع.. كل ذلك، ولم يجدوا ما جاءوا يبحثون عنه. رغم ذلك.. قذفوا بأخي، وجماعته -كما تسميهم أمي- داخل كومر الحكومة وذهبوا. بكيت يومها كثيراً، ولكن أمي لم تبكِ، بل أسكتتني بنهرة قوية، ومن خلال بقايا دموعي، رأيتها تحفر في جوف جدار مهجور لم تصله أيديهم، رأيتها تخرج عدة رزم من الأوراق المهترئة، صبّت عليها كمية كبيرة من الجاز، ثم أشعلت فيها النار. تركتها مشتعلة، وغادرت المكان.. يومها دفعني حب الاستطلاع، لكشف سر كل هذا الذي يجري أمامي، وأنا لا أفهمه.. فتسللت خلسة إلى حيث النيران المشتعلة، استطعت أن ألتقط إحدى الأوراق، التي أبعدها الهواء، عن السنة النيران، أزلت ما علق عليها من تراب ورماد.. رأيت عليها كتابة باهتة، التقطت عيناي بصعوبة عبارة لم أفهمها في حينها، تتحدث عن الإضراب السياسي، وحتى أمي لم تتركني أفهم أكثر.. كفاية أخوك الكبير.. هكذا تمتمت، وهي تمزق الورقة، التي كانت في يدي.. ولكني الآن بدأت أستوعب معناها. يرفع رأسه ينادي رفيقه الآخر. بعد أن تأكد له أن رفيقه أعطاه انتباهه، يهمس له: الناس كلهم أضربوا عن العمل.. ليه نحن ما نضرب عن العمل مثلهم. رفيقه الآخر لا يجيب. بل تجذب انتباهه، وقع خطوات، والتي دائماً ما تعني له الكثير، الخطوات تتوقف أمامه، صاحبها يسأل.. عندك ورنيش أحمر؟.. كلمات رفيقه ترنّ في أذنه.. لماذا لا نضرب عن العمل مثلهم.. رد سريعاً على صاحب الخطوات.. عندنا، ولكن نحن أضربنا عن العمل، يتبادل ورفيقه، ضحكات انتصار مرحة))
عمر الحويج
دا كلللللللللوو لما كان في حزب ضيعي حقيقي يا استاذنا