إعلنوا العصيان المدني ، فلم يبق لكم سواه !

عندما قرأت الشكوى موضوع هذا المقال وقد بعث لي بصورة منها صديقي الصحفي مصطفى بيونق من نيروبي، تذكرت عبارة للفيلسوف الإنجليزي جون لوك 1632-1704م: ” الشرطي الذي يجاوز حدود سلطاته، يتحول إلى لص أو قاطع طريق! ”
العريضة- موضوع حديثنا ? تحمل عنوان (شكوى رسمية ومذكرة احتجاجية من مواطني شعب المسيرية). وهي مرفوعة إلى رئيس الجمهورية وبصورة إلى كل من:
قائد الفرقة 22 ومعتمد محلية ابيي الكبرى ومدير جهاز الأمن والمخابرات لمعتمدية ابيي الكبرى ومدير شرطة ابيي ووالي ولاية غرب كردفان.
يقول المواطنون بأنهم يرفعون عريضتهم : ((احتجاجاً على الممارسات السالبة التي ظلت تطالنا باستمرار من قوات الجيش تحت غطاء قانون الطوارئ ، ومصادرة لوسائل كسب العيش الحلال، وإجراء عمليات تفتيش داخل المدن ، واحتجاز المواطنين واعتقالهم لمدة طويلة ، وإذلالهم بصورة بشعة تخالف كل قوانين الدولة السودانية، علاوة على دستورها، وإجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرة كتسوية مقابل إطلاق سراحهم واطلاق سراح وسائل نقلهم .))
قدمت المذكرة باسم مواطني محلية أبيي الكبرى (مجلس ريفي المسيرية سابقاً)، وهي مساحة جغرافية كبيرة وغنية بالموارد. يسكنها العديد من الأعراق السودانية – وإن شهرت بأن أكبر العشائر فيها هما عشيرتا المسيرية ودينكا نقوك. وما يجب أن يعرفه قارئ هذا المقال أن حوالي ثلث نفط السودان يستخرج من هذه المنطقة، وأنّ بها ملايين رؤوس الماشية، إضافة إلى صلاحية تربتها لمختلف أنواع المحاصيل والخضر والفواكه.. هذا إذا أضفنا عاملا آخر وهو قابلية المنطقة لتكون منتجعا سياحياً لما تضمه أرضها من أنهار (بحر العرب وهو رافد من بحر الغزال وبحيرة كيلك مثالاً) ، وما تمتاز به من سهول وأودية وغابات وحيوانات برية وطيور تفد إليها في بعض فصول السنة من أفريقيا جنوب خط الإستواء. يأتي فوق كل ذلك العامل البشري ، لما في المنطقة من تنوع إثني يجعلها صورة مصغرة لوطن يسع الجميع – الوطن الذي ظللنا وسنظل نبشر له ما حيينا: سودان جديد يتساوى فيه الكل تحت راية المواطنة!
ظل كاتب هذا المقال وآخرون يلفتون النظر لما تقوم به حكومات المركز على مختلف أنماطها ، وما قام ويقوم به نظام الإخوان المسلمين الحالي من انتهاك لحقوق الإنسان وتجاهل لتنميته في هذه المنطقة. فقد جعلت منها حكومات الخرطوم حقل تجارب لإدارة حروبها الفاشلة ضد إنسان جنوب السودان باعتبار أنها نقطة ارتكاز لجيشها في حروبه ضد حركات التمرد في شمال بحر الغزال وقطاع غرب النوير. ولأن المنطقة وإنسانها هامش ظل يحلم بالتنمية مجرد حلم فإن قصارى ما يستفاد منها ومن إنسانها أن تجبى منها الضرائب ويوظف شبابها لحروب بالوكالة. فكان خلق المليشيات القبلية وتزويدها بالسلاح لتحارب بالوكالة عن الخرطوم بزعم أنهم يحمون أرضهم من المعتدين!!
قلنا وقتها رأينا بوضوح في هذا العبث. وكنا ولا نزال نرى أن موقع المنطقة وتفردها من
حيث التنوع البشري إضافة إلى ما تحتويه من ثروات طبيعية وحيوانية يؤهلها لتكون
جسراً يصل جنوب البلاد بشمالها حتى في حالة استقلال الجنوب. لكن لعبة حشد وتجييش الإنسان للحرب بالوكالة استمرت دهراً وأغرقت المنطقة بالسلاح، حتى إن الحصول على قطعة سلاح في منطقة المسيرية صار أيسر من الحصول على حقنة بنسلين! بل إن النظام الحالي ولغ في لعبة ضرب الرؤوس بعضها ببعض خاصة في استخدام قضية بروتوكول ابيي! جاهل من يحسب من أبناء المنطقة وبناتها أن عمر البشير وزمرته يهمهم بقاء أبيي في المنطقة أو تبعيتها للدولة الوليدة (جمهورية جنوب السودان). أبيي بالنسبة لنظام الإنقاذ فزاعة لمقايضة حكومة البلد الجديد. إنها صفقة من صفقات إطالة عمر النظام المنهار ليس إلا.
واليوم – في لحظة تعقل وقراءة صحيحة للتاريخ والمصالح المشتركة- استطاعت الدبلوماسية الشعبية في المنطقة أن تفرض واقعاً جديدا وتخلق أجواء السلام بعيدا عن الحكومتين في الشمال و الجنوب. جلس الطرفان: دينكا نقوك بقيادة السلطان نول فقوت وبولبك دينق مجوك وشول شانقات وبكت مكوج ابيم وور اللي والعمدة بلبل وضم جانب المسيرية: حمدين مجوك ودينق تاشي والصادق حيدب ومهدي امبدي كباشي وابراهيم الشمو حمدين ونميري بختان وجامع الصديق والهادي محمد أغبش. جلسوا بفهم التعايش ? مثلما كان عليه حال سلفهم قبل أكثر من مائتي سنة. والنتيجة أن أكثر من سنة كاملة وأسواق السلام تجمع الناس من كل فج عميق. ظل المسيرية والدينكا ومواطنون من اويل ومناطق واو ومن غرب النوير يقبليون إلى سوق النعام وأسواق أخرى. عادت المنطقة في فترة وجيزة إلى سابق عهدها كحاضنة للسلام والتعايش وكمركز اقتصادي جاذب. نجح الطرفان في احترام المواثيق، ولم نسمع حادثة رعناء واحدة وأبقار المسيرية قد وصلت تخوم غرب النوير ثم عادت بمستهل الخريف إلى المجلد. بل إن قوات اليونيسيفا (الأثيوبية) لم تصدق أن الأسواق يؤمها هذا الخليط من البشر ، يتبادلون المنافع دون حراسة من شرطة أو جيش! والمجلد اليوم معبر هام لأبناء وبنات نقوك ممن يفكرون في النزوح شمالا. بعضهم ينزلون ضيوفا على عائلات صديقة من المسيرية.
جلسنا نراقب هذا التداعي الجميل نحو مستقبل اخضر ونتسقط الأخبار من ديار رأينا فيها الشمس والقمر أول مرة ، ونعمنا من خير دافع الضرائب فيها بتعليم مجاني حتى الجامعة ورأينا فيها اختلاط الأرحام بين المسيرية ونقوك وغرس شجر الأخوة والصداقة ليس بين فروع العشائر بل والأسر والأفراد. ظللنا وما نزال نراقب بخوف المحب كيف تكبر شجرة السلام في منطقة هي جسر التواصل بين السودانين حتى بعد وقوع طامة الانفصال.
ولأننا جربنا المجرب نقول نعرف أن هذا النظام لا يعيش إلا على الحروب وخلق القلاقل. نعرف أن آخر المستفيدين من السلام والاستقرار النسبي في المنطقة هو نظام باشبزق الخرطوم. إن حجز سيارات التجار واعتقال اصحابها ودفع مكوس وغرامات عالية تصل إلى عشرين ألف جنيه وإهانة المواطنين وشتمهم بأقذع وأقبح الألفاظ كما فعل الضابط مصعب وهو يسب أمهات الناس في سوق المجلد (مثلما ذكر في الشكوى) كل هذا هو محاولة النظام للعودة للمربع الأول من الفوضى وإلا فكيف تطلق الحكومة يد الجيش يقلع وينهب ويسن القوانين ويذل المواطنين باسم قانون الطوارئ وكأننا في بلاد لا تعرف القانون ولا الأخلاق.
نظام الإنقاذ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يجرب لعبة غاية في الخطورة. فالعريضة التي يقول رافعوها أنها باسم شعب المسيرية والتوقيع باسم شباب المسيرية لابد أن تكون المقدمة لما هو أكبر من مجرد شكوى. وحتى تقوم التنمية وتنتهي سياسة مصادمة العشائر وتحريض المسيرية ضد نقوك والصمت على نصيب المنطقة (2 بالمائة من البترول المستخرج تحت اقدامهم) وحتى تفعل حكومة الخرطوم شيئا تجاه صرخة ابناء المنطقة وهم ينبهونها إلى الكارثة البيئية قبل شهور عدة – حتى يحدث كل ذلك ، فإن على نظام الإخوان المسلمين أن يدفع فاتورة غضب مواطنين سودانيين عانوا من الظلم ما لا يوصف!
نختم مرة أخرى بعبارة للفيلسوف جون لوك ، إذ يقول: ” يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون، وإلحاق الأذى بالآخرين”!
والطغيان يا كل السودانيين ويا أبناء وبنات المسيرية لا يعطي أحدا حقه المغتصب عبر كتابة عريضة أو وقفة احتجاج. إعلنوا سلاح العصيان المدني ، فلم يبق لكم سواه.
[email][email protected][/email]
نعم العصيان المدني سلاح مجرب ولكن كيف, لابد من ادوات جديد لضمان نجاح هذا العصيان اولا لابد من تشكيل قياده في الداخل وقياده تساعدها في الخارج تخطط وتوجه وتقود حركة الجماهير والتواصل معها, كما هو معلوم لعبت النقابات في السابق دور اساسي في نجاح العصيان في اكتوبر ١٩٦٤, هذه المره لابد من اداه جديده وهي تنظيم نقابات ظل في مواقع العمل بالاضافه لتشكيل لجان مقاومه يتولون امر العناصر المواليه للانقاذ عند اعلان ساعة الصفر, كما لابد من ايجاد طريقه للاتصال بضباط القوات المسلحه والشرطه الذين احالتهم الانقاذ للمعاش واخذ رايهم في كيفية المقاومه ودورهم فيها.
سلام يا أستاذ فضيلي
كالعادة؛ كلام ينفذ إلى لب الموضوع بكل موضوعية.
على المجتمع المدني أخذ أمره بيده.
صمت البراكين في العيلفون
ابداعان ومبدعان, عالم عباس , وفضيلي جماع, عالم عباس في ” صمت البراكين” وفضيلي جماع في ” الورد ينبت في العليفون
فضيلي جماع ازاح ستار الصمت عن جريمة العليفون, صور القتلة وهم يمطرون بالرصاص الفارين من جحيم معسكر العذاب في امسية رمادية شهدت اشجارها وطيورها بالضفتين الهاربون من الزبانية تغطس رؤوسهم في الماء وتطفو كقطع الفلين , يستضيفهم النهر فاتحا زراعيه لياخذهم الي الأعماق ضيوفا مقيمين عنده بلا عودة ,وعالم عباس من نهر فضيلي يخرج ملوحا بيده متوعدا الأشرار بالبراكين التي لا يؤمن صمتها حتي وان تطاولت عليها السنون.
كان مصطفي عثمان في الصفوف الأمامية يستمع الي عالم عباس تدور عيناه في محجريهما متيقنا من ان صمت البراكين خادع وإن الإنفجار لاشك واقع, كان الحاضرون من الشعراء العرب في ليلة الطيب صالح تحط علي رؤوسهم طيور الدهشة من هذا الشاعر الذي يخرج كلماته من غمدها وينتاش بها الطغاة في عقر دارهم, فالبلدان التي جاؤوا منها ترسل مثل هذا الشاعر فورا الي ظلام الزنازين إن لم ترسله الي القبر والبلد الذي جاء.
سري فضيلي من مسقط عابرا محلقا فوق جبالها حتي هبط علي شاطيء النيل في العيلفون حاملا روحه الشفيفة منحنيا للذين فروا من الموت الي الموت , نائحا عليهم علي راسه تاج من الرماد , مختلجا صوته في حنجرته حزينا علي اقمار لم يكتمل بدرها اطفاؤها الملتحون بعد ان صلوا العشاء وضاجعوا حريمهم وتجشأوا ثم ناموا.
ما الذي يجعلُ النّيلَ حرباءَ
تخلعُ لوناً وتلبسُ لوْن ؟
وقد شدّ أوصالَه كالمصارعِ
بعثرَ أمواجَه في الضِّفافِ
وأشهَرَ سيفَ المنونْ !
كان يرغِي ويزبدُ
يعلو ويهبُطُ
ثم استدارَ على بعضِهِ
يلفظُ الطمْيَ
يبحثُ عن صيدِه في جنونْ.
تساءل فضيلي مستغربا لماذا يتحول النيل في تلك الأمسية الي شيء اخر,النيل الهاديء المنساب الضارب في جذور التاريخ الصاعد الهابط شاقا طريقه القديم منذ بدء الخليقة.
يمنح الأشجار والعشب الخضرة علي جانبيه تخور فيه ابقار الفلاحين سعيدة بصباحات جديدة, النيل الذي تمخر فيه المراكب حاملة الحطب سابحة من الدندر حتي مرافئها في امدرمان, النيل يستقبل العرسان يحملون جدائل سعف النخيل يتبركون بالطمي نشدانا للفأل والبركة والخير, النيل حيث يلتقي العاشقون, يغضب فجأة يتخلي عن وقاره يبتلع في جوفه.
امالا وطموحات لم تتحقق بعد, النيل الذي اراده الغاصبون مقبرة للشباب الهاربين من حرارة المعسكر الي برود الموت.
يمتلك فضيلي قدرة فائقة ومذهلة علي البوح الخارج من انابيب العاطفة والمار بأنابيب التمثل العقلي والموصل الي الصورة الشعرية الناضجة ,يلمس فضيلي الكائنات فيسحرها يختزنها في باطنه يعيد خلقها من جديد يبث فيها الحياة فتمتلئ حركة تكاد تلمسها ,اشاد فضيلي بناء قصيدته علي اسم العليفون وهنا زاوج بين الموسيقي الكامنة في العليفون وبين المتشابهات من جنسها.
فجاء المقابل
وأشهَرَ سيفَ المنونْ
يبحثُ عن صيدِه في جنونْ
إنّ السكونَ الذي رانَ في الكونِ..
ليس السكونْ !
شيءٌ تراهُ القلوبُ
تعجزُ كيما تراهُ العيونْ.
هذه المزاوجة النونية ترفع مفرادتها حمولة النغمة المخباة في الحروف الي قمة التوترالشعوري, فيصبح الشاعر مطلا علي موضوعه , محيطا بتفاصيله شادا اوتاره
لتصدح وتصدع بالمشهد الدموي الذي امامه, هنا يصارع الشباب الفارون من المعسكر
خصمان عنيدان النهرالذي قطب جبينه بعد حبور طبع امواجه ,ومطلقو الرصاص من الضفةالأخري الذين انتصرواعلي “الكفرة الصغاراعداء الله” .
لاجدوي من المقاومة فالنيل لايقاوم
إنّ الطبيعةَ تكشفُ أسرارَها للطيورِ
وتفتحُ أغوارَها للدوابِّ
وتنبئُهُم أنّ شيئاً يدبُّ على الأرضِ ..
ينفثُ ريحَ الخرابْ !!
… وفي النقطةِ الصِّفرِ
بين انتباهةِ عينٍ وغمضةِ عينْ
تنادوْا إلى لُجّة الماءِ
ألقوا بأجسامِهم في العُباب!
إذْ ربّما يمنح النّهر حرّية
ربما يكسرُ القيدَ والأسْر
كان المعسكرُ ذلاً وقهرْ
وكان المعسكر
وصمةَ عارٍ على العيلفون!
لأنّ المعسكرَ كان المزيجَ من الهَذيانِ
وحبلَ الغسيلِ الذي أرهقته العيوبْ
فقد كان ينسِجُ ثوْبَ المنيةِ
للقادمين إليه..
يجهِّزُ أكفانَهم في الشّمالِ
ليدفنَهم في الجنوبْ.
كأنما الشاعر كان شاهدا علي ماحدث ,وبالفعل كان شاهدا ,ولكن عندما احس بالفجيعة تسري في روحه سري من مسقط الي العيلفون ,انه الشعر يخلق عالما موازيا لكل شيءوفضيلي الذي لم يتخل عن الشعر ,يحارب لايزال بالشعر,انه الشاعر الذي تحركه دائما القضية فهو يقدمها لنا في طبق نشتهي الا يكمل مافيه , لم يتخل عن الشعر كناطق عن دهاليزه , انه عالم مواز اذا تحقق نبتت الحرية في ارضه مثلما ينبت الصبار في الصحراء.
في حضرة ممثل السطة المستبدة كان لنا لقاء أخر مع عالم عباس, كان ذلك في احتفالية جائزة الراحل العظيم الطيب صالح, احتشدت القاعة بالجمهور,كان عالم عباس محاربا متحفزا أنذر المستبدين , رمي قفازه في وجوههم بأن الهدوء وإن اطبق ربع قرن من الزمان لايعني إن الثورة لن تنفجر , فالبراكين تخمد مئات السنين ,ولكنها تنفجر تدرجا تبدأ بنفث الأبخرة والدخان شهورا , وبغتة تخرج من احشائها الحمم فتجري كالجبال لها هدير يصم الأذان , تخلخل الطبيعة ,تجرف امامها كل شيء الأشجار,والبيوت والجسور ,تغير معالم الأمكنة, تتقيأ الصهد الأحمر يذيب الأجساد , يتركها عظاما نخرة ,والثورة مثل البراكين تصمت سنينا ولكنها تتكون في بطء في رحم الظلم والإستبداد تتراكم يوما بعد يوم, تعطي اشاراتها في غضبات المناصير, وهبات بورتسودان, وتظاهرات مدني لتكتمل في إنتفاضات سبتمبر التي زلزلت كيان الملتحين فنزلت ميليشياتهم الي الشوارع تقتل علي غير هدي ,وتجر الجرحي كما تجر الخراف الي المذابح, , كانت تلك اولي علامات الزلزال تخرج الشوارع الأبخرة والدخان إستعدادا للقارعة الكبري.
هدوء، ولكنه عاصفةْ
هدوءٌ،
وفي صمته الكاظم من غيظه
قنبلةٌ ناسفةْ.
هدوءٌ،
يهندس في السرِّ
ذرّاتِ وثبته،
ومجرّاتِ ثورته،
واكتساحَ جحافله الجارفةْ.
هدوءٌ
يدَمْدِمُ غَضْبتَهُ، ويُكوّرُ قَبْضَتَهُ
ويدوْزِنُ أوتارَ حناجرِهِ الهاتِفةْ
يشخص عالم عباس الحاضر, ويقرأر المستقبل, يري الشاعر كما رأت زرقاء اليمامة اشجارا تتحرك , يري البراكين تتكون, تتحرك صور عالم عباس الشعرية في مجالها من تلقاء نفسها , ثم سرعان ما تنقلب الي وضع مغرق في الغضب يخرج اللغة من عاديتها لتصبح لغة ليئمة مصادمة لاتخشي الطغاة.
عين الشعر عند عالم عباس تندس يوميا في الحافلات وهي مكتظة بكتل بشرية مغضنة اساريرها ومطفأة عيونها ,ريفيون تركوا قراهم وجاؤا الي الخرطوم , اثيبيون واريتريون , وكافة الاجناس الأفريقية عبروا الحدود عبر شركات الملتحين لتجارة البشر استقروا في الخرطوم, انه تحالف الجوعي العريض تجدهم في كل مكان مثل النفايات تزين العاصمة بعفن وعطن روائحها, لعالم عباس انف شعرية حادة شمت كل ذلك, شم جيوش الشحاذين تملأ الطرقات, وشمت اللصوص الليليون وهم يهاجمون بالمدي الطويلة البيوت, وشمت لصوصا وجوههم ناعمة يركبون احدث موديلات السيارات لهم كروش مبطنة ككروش الكنغر مبطنة بالشحم متهدلة تكاد تلمس عاناتهم , شم عالم عباس الذين يقتاتون بامعاء الدجاج يسلقونها كبديل للحم, شم اخرون في اطراف المدن يأكلون لحم الحيوانات النافقة, شمت حاويات المخدرات وهي تختفي كما تختفي رغوة الصابون, من كل هذا المشهد بشر عالم االإستبداد الملتحي بأقتراب قدوم الزلالزل تكتسح امامها ابراجهم وقصورهم وتدفق الرصاص المذاب في حدائقئهم, يستخدم الشاعر مفردات قوية محملة بشحنات غاضبة مثل ناسفة, جارفة , جحافله , قنبلة قبضته, حناجره, يكور, يدمدم, جَلاوِذَةِ الأمْنِ الدجاجلة, لكنّها الآزفةْ ستتْبعُها الرادفة ،هذه المفردات والجمل,في منهجها الدلالي تعبر عن لنزعة تصورية مضيئة والتي تكشف بدورها عن حمولة التحدي لدي الشاعر ضد الإستبداد مهما كان جنسه,إن عالم يعبر عن الجوهر دائما ,جوهر القضية لاصورتها التي ليس لها مظهر حسي .
هدوءٌ،
يُخاتِلُ عُذْرَ التأنِّي،
وغَدْرَ جَلاوِذَةِ الأمْنِ،
إفْكَ الدجاجلة الملتحين،
ذوي السحنة الزائفةْ.
هدوءٌ،
وتحسبه هدْأة الموت،
لكنّها الآزفةْ،
ستتْبعُها الرادفة.
فلا هجعت تلكمُ الأنفس الخائراتُ
ولا وهنت جذوةُ الرفض فينا،
ولا نامت الأعينُ الخائفة.
لكي يجسد الشاعر انتقاله من الوصفي الي الحسي يختار ايضا وصف الملتحين ذوي السحنة الزائفةْ. هدوءٌ،
وتحسبه هدْأة الموت،
لكنّها الآزفةْ،
تتْبعُها الرادفة.
يتصاعد التوتر الدرامي كتيار كهربائي الي اعلي درجاته فيقدم الشاعر وصفا تجسيميا بصريا للظاهرة التي هي المستبد حين يشير الي هدأة الموت , و النهاية الصغري التي تتبعها النهاية الكبري, يحطم عالم عباس شكل الشعر التقليدي بغية الكشف عن الفكرة حيث لا وجود لفكرة فنية حية دون إيقاع او جرس ,كما ان الإيقاع الذي يتضاءل امام عظمة الكلمة هو في الحقيقية حامل المضمون الذي لانهاية لتسلسله
ختاما اردت ان لا اجعل مما ابدعه الشاعران فضيلي في العليفون وعالم في صمت البراكين مناسبة تمر دون ملاحظة تقدير,وربما اكون فيما كتبت إجلالا ورفع قبعة لمبدعين مناضلين لهما محبتي وتقديري
صديق محيسي
كل الوطن الآن صار (أبيي) .. وتأكد أن سفينة (العصيان المدني) ستكون هي ملاذ النجاة الأخير لهذا الشعب المغلوب على أمره .. حيث لا عاصم اليوم من سيل الإنهيار الإقتصادي إلا هذه السفينة .. فلا جبل يأوي الأغنياء والإنقاذيين فهم عمل غير صالح خرج من رحم نذوة سياسية أغترفت بليلٍ في هذا الوطن ..