الأشياء الصلبة يمكن أن تنكسر؟!

بعد ربع قرن من الزمان تعود البلاد لذات المربع، والذي يبدو أنه لم تراوحه مطلقاً، فقد كان علاجاً موضعياً، وتخديراً عالي الفعالية، استطاع تغيب الوعي، لكنه لم يقدم شفاء ناجعاً، ولم يسكن الألم، فضلاَ عن شفائه تماماً.
ويبدو جلياً أن المنتفعين من النظام، ينامون ملء جفونهم على التعليلات التي يشيعونها ويتداولونها بينهم، عن أن لا أحد يريد إسقاط النظام، ولا أحد يريد أن يرى نموذج سوريا والعراق وليبيا في السودان، لذلك سيظل هذا الشعب طائعاً خاضعاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. صحيح أن الشعب السوداني وهم فئتان، فئة أهل السياسة وهم قلة قليلة وفئة الناس العاديين وهم السواد الأعظم، وأهل السياسة على قلتهم، تسعى السلطة بكل ما أوتيت من سلطان على تدجينهم وتطويعهم وارضائهم. أما السواد الأعظم فلا حظ له إلا الوعود المكذوبة، أو الوعيد المصدوق.
ولو يعلم أهل السلطة، أو المنتفعون منها وهم كثير، أن الفئة الأخيرة لا تسعى بطراً لإشاعة الفوضى والخراب، ولا أن تتبدل الشبع بالجوع، ولا الأمن بالخوف، لو أنها أعطيت أملاً بإمكانية الإصلاح، من جماعة جاءت (كما تدعي) لإقامة الرحمة والعدل والمساواة، لا إشاعة القهر والتسلط والاستغلال واقتناص الفرص من أجل بناء الأمجاد الشخصية، بينما يعيش غيرهم في فقر مدقع وبؤس مهلك، ودوامة لا تنتهي من حرب لا يعقبها سلام، إلا أعقبتها حرب أخرى هي أشد من أختها.
إن كثيراً من خطباء السلطة لا يتحدثون عندما يعتلون المنابر عن وعي وعقل، بقدر ما يتحدثون باندفاع عاطفي، ينم عن تعالٍ وتطاول وغطرسة، على شعب، لا يهمه من يحكم بقدر ما يهمه عدل الحكم، وحكمة الحكام الذين هم مسئولون بالمقام الأول عن أمن واستقرار بلدانهم، وتجنبيها قدر المستطاع مزالق الفتن والفساد. فالذين يتحدثون عن عدم وجود بدائل، يقرون ضمناً بفشلهم في إمكانية ضخ دماء جديدة، تحل محل دماء جامدة في جسد تطاول عليه العمر، وأصابه البلى ومسه الإرهاق والاعياء.
ليس هناك أشد عسفاً، ولا أكثر قهراً من الظلم والحرمان، وهو ما سيدفع الناس (العاديين) للخروج، والمقاومة. والذي تدفعه ظروفه القاسية (النفسية والاجتماعية) إلى الشارع، لا يستطيع كائنا من كان، صده. فلا ينتظر أصحاب التأويلات والتعليلات (البائسة) أي عراق أو شامٍ سنكون.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..