سيناريو الدواء

حالة من الحذر والترقب تقبض بتلابيب المشهد السياسي في السودان علي خلفية التداعيات المثيرة التي افرزتها ازمة القرارات الاقتصادية الاخيرة والتي انتهت الي سيناريو “الدواء” الذي اخرجته الحكومة بشكل جلب عليها الكثير من الخطايا والانتقادات والتطورات المقلقة في المشهد العام وصلت حد العصيان المدني .
ربما لم تكن التقديرات الرسمية لدي الحكومة وهي تدفع بقراراتها وسياساتها الاقتصادية هذه ان تحدث كل هذا التفاعل والتداعي المثير والذي تطور فيما بعد الي حالة من الاحباطات والاحتقانات في الشارع السوداني وبالرغم من ان الحكومة عادت وراجعت فكرة الزيادات التي طرأت علي الدواء الا ان الوضع العام يعكس حقيقة ان الحكومة او بالاحري ان الطاقم المعني بانتاج السياسات والقرارات الاقتصادية والصحية دائما ما يعالج سوأته بسوأت اخري تماما كما حدث الان من خلال ما يمكن الاصطلاح عليه بالثورة التصحيحية لقرار زيادة اسعار الادوية .
في واقع الحال ان الحكومة لم تحتمل ثورة المرضي او بالاحري لم تتحسب لردة الفعل الغاضبة من المواطنين جراء هذه الزيادات فكانت المراجعة ان لم تكن هي في الاساس انتكاسة لان الطريقة او التبريرات التي صاغتها وزارة الصحة لمراجعة قراراتها بشان الزيادات ربما كشفت حقيقة الازمة والاضطراب في السياسات الحكومية ازاء قطاعاتها الحيوية وبالاخص قطاعي الاقتصاد والصحة فهناك شعور عام بان ازمة الدواء ما كان لها ان تحدث او تتطور الي هذا المستوي لولا ان الحكومة غابت عنها فضيلة الرشد فتراخت كثيرا في اعمال سلطانها وقانونها ضد من دنسوا مشروعها وهتكوا شرفها وارتكبوا جريمتهم النكراء ضد الحق العام , فكان من الاجدي للحكومة في ظل هذه الظروف ان تتحلي باقصي قدر من الشفافية والرشد وانتهاج خيار القانون والقضاء ضد كل من اهدر او اخطا في الحق العام فليس من المنطق ان يتحدث السيد وزير الصحة بحر ادريس ابو قردة ان هناك اخطاء قد حدثت في تسعيرة الدواء ويكون كبش الفداء في ذلك هو الامين العام لمجلس الصيدلة والسموم لوحدة , فيما تظل مافية الدواء وحلفاؤها حرة وطليقة لا يردعها رادع ولا يحكمها قانون , ولكن يبقي السؤال المشروع هنا : لماذا “انتفض” ابو قردة فجأة واخرج رجالات “الميديا” من بيوتهم في يوم راحتهم ودعاهم الي مؤتمر صحفي عاجل “ظهر الجمعة” ؟ فما هي الفكرة اذن او العبقرية التي داهمته وايقظته هكذا من صمته الذي استمر زهاء الخمسة ايام وهو لا يتحدث منذ ان خرجت قرارات “الازمة” علي المواطنين ؟ اليست في القضية ابعاد اخري وحقائق لازالت خلف الاستار ؟ كنا نظن ان الحكومة ستعلن علي الراي العام السوداني قائمة الفاسدين وتفكيك امبراطورية الدواء .
سوريون تحت بند “الاستضافة”
اكثر من 150 الف من السوريين الذي فروا من جحيم بشار الاسد ويمموا وجه السودان منذ اندلاع الحريق في سوريا عله يكون لهم ملاذا امنا , فتوزعت عائلاتهم واسرهم الصغيرة داخل اوصال ومكونات المجتمع السوداني بحضره وريفه بعد اقرار من الحكومة السودانية بان تتعم معاملة السوريين كاي مواطن سوداني يستمتعون بقدر كبير من الخدمات والاعانات فهؤلاء السوريين ربما لا يرتاحون كثيرا حينما تلحق بهم صفة “اللاجئين” ولكنهم يقبلون فكرة كونهم شعب مستضاف علي ارض السودان الي حين ان ينجلي كابوس بشار الاسد من صدر درة الشام في دمشق ورغم ان هذا العدد الكبير من العوائل السورية الذين لازالوا يتوافدون الي الخرطوم للاقامة بها الا الحكومة السودانية بادرت بتشكيل ما اسمتها اللجنة الشعبية السودانية لاغاثة السوريين ومنحتها كامل التفويض لدراسة اوضاع هؤلاء الوافدين ومعالجة كافة مشكلاتهم وقضاياهم وحصرهم وتصنيفهم ووجهت الحكومة كذلك كل وزاراتها ومؤسساتها لتقديم ما يمكن ان يعين هؤلاء السوريين للاقامة بالسودان فيما تجري الان عمليات تنسيق واسعة بين اللجنة الشعبية السودانية العليا واجهزة الحكومة والمنظمات العاملة والفاعلة في مجال العمل الانساني وبالاخص مؤسسة سند الخيرية التي تنشط في قضايا الملف السوري من اجل حصر السوريين ومنحهم بطاقات خاصة وفتح الفرص امامهم للتوظيف في مشروعات حرفية ومهنية صغيرة في محاولة لادماج هؤلاء السوريين في المجتمع السوداني وقد ظهرت هذه المحاولات في شكل مهن صغيرة يمارسها بعض هؤلاء السوريين وبات هناك من يعمل كسائق تاكسي او امجاد او حتي ركشات بل هناك “كمساري سوري” , ولا تخلو ممارسات السوريين من بعض الخطايا والسلوكيات الشاذة والمعيبة كالتسول من قبل بعض المجموعات والعوائل المعرفة (بالحلب) هم الذي ظلوا يمارسون مهنة التسول باحترافية الامر الذي دفع بالسلطات الي ضرورة تفعيل قانون مكافحة التسول .
الغاية والوسيلة
دائما ما تلجا الحكومة الي اتباع نهج فقه الضرورة لتبرير سياسات او قرارات او حتي توجهات محددة هكذا تتحدث الحكومة في ادبياتها الداخلية وقد تجلي هذا الفقه الجديد لدي الحكومة في الاليات والسياسات التي تدير بها اقتصاد الدولة ومعاش الناس ربما لان تمكين الدولة وبناء ركائزها مقدم علي اي ثوابت او قيم اخري , ولهذا يمكن للمؤتمر الوطني صاحب القوة “الميكانيكية” داخل مكونات الدولة ان يبني من العلاقات والتحالفات ويبرم من الاتفاقيات والشراكات بما فيها “الاستراتيجية” مع اي قوة في الدنيا تحت بند “فقه الضرورة فلا غرابة اذن ان يتحالف المؤتمر الوطني في السودان مع الحزب الشيوعي الصيني للحد الذي يمكن ان تزوب فيه الحدود والسقوفات الفكرية والايدولوجية وتتفق المصالح وتتبادل فيما بينها بين حزب واخر فكلا الحزبين الوطني والشيوعي حاكما في بلاده , ولكن ذات الضرورة الفقهية التي شكلت هذا التقارب بين الحزبين حرمت ايضا علي الحزب الشيوعي السوداني ان يقترب من اسوار المؤتمر الوطني لا فكريا ولا استراتيجيا ولا حتي سياسيا لان الاقتراب في مثل هذه الحالات تجعل اي طرف من الطرفين في صراع وسباق للاجهاز علي الاخر او اغتياله في اول محطة يلتقيان فيها ,فلا عجب انها السياسية السودانية التي يستهدي بعضها بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة فيمكن ان يجتمع النقيضين ويتباعد الاخوين لذات الغاية .
اهتزاز عرش “الهجا”
ان يذهب فضل المولي الهجا الي اقصي غرب السودان واليا علي غرب دارفور وهو القادم الي هناك “قدرا” فرضته حصة ولاية سنار لحكم دار مساليت في الجنينة فتلك هي اقدار السياسة وجهوياتها حينما تدفع بكوادرها الي رقعة ذات جغرفية قبلية معقدة لا يفلح من يحكمونها الا بمن وهبه الله حكمة ورشد ودراية بتلك الجغرافية ولكن اهلنا في غرب دارفور حدقوا كثيرا في قدرات الرجل وتمعنوا في خطابه السياسي وانتظروا مشروعاته وفكره وجديده فلم يجدوا عنده سوي تلك الخطب التعبوية المكرورة فطال انتظارهم وربما عادوا الي ذات المحطة التي غادرهم فيها واليهم السابق “خليل عبد الله ” .
والمواطنين هناك يتحدثون بان “الهجا فقد بوصلته وضل طريقه حينما اشتبك مع ضحايا الحرب الاهلية بدارفور النازحين الذين لازالوا ينتظرون من حكامهم الحاليين او اؤليك في قائمة الانتظار ان يعيدوا لهم انتاج حياتهم من جديد ويعملوا علي تفكيك المعسكرات هناك ويحيلونها الي قري ومدن صغيرة عبر مشروعات مدنية قائمة علي الحق والفضيلة والولاء للدولة السودانية , ولكن يبدو ان اسوأ ما في حقبة “الهجا” الان انه مايز بين قبيلة واخري وشكل حكومته علي هذه الاسس حيث لا فكرة ولا مشروع ولا برنامج ولا حتي خارطة للخروج بالولاية من امراضها القديمة والجديدة .
[email][email protected][/email]