المورد البشري بين التخطيط والتنمية

المورد البشري بين التخطيط والتنمية
عبد الرحمن الأمين
في وقت ما كان مجرد الحديث عن إشكالات التعليم العالي، إنما هو قدح في الإنقاذ ومنجزاتها، ومحاولة لإطفاء وهج ثورتها التي أحدثتها، والتقليل من شأن التوسعات التي قادتها، ومن ثم لم يكن أحد يريد أن يسمع غير الإطراء والثناء، وما عدا ذلك هو من قبيل الهرطقات والترهات التي ينبغي ألا يُلتفت إليها ولا يُرد عليها.
والذي نقول به ليس تهويماً ولا ضرباً من الخيال ولا إبحاراً في لجات نقد الآخرين بما ليس فيهم، بل لم يحتمل النقد ومحاولات اجراء الاصلاح حتى من علماء عهد إليهم بوزارة التعليم العالي، فحين تولى الدكتور عبد الوهاب محمد عبد الوهاب سدة الوزارة، عمد أول ما عمد لتشكيل لجنة من أساطين التعليم العالي، وكلفها بإعداد دراسة عن مؤسسات التعليم العالي، وعن أوجه الخلل الذي اكتنف العملية التعليمية، وطلب منها إعداد تقرير شامل عن بيئة التعليم وتأهيل الإستاذ الجامعي والبنيات الأساسية وجدوى الكليات المنتشرة، ولكن قبل أن تفرغ اللجنة من عملها وقبل أن تنتهي من توصياتها، بل وربما حتى قبل أن تشرع في تنفيذ مهمتها، صدر قرار بإعفاء الوزير، كأسرع وزير يترجل عن وزارته، وسرعان ما تناثرت الأخبار وتكاثرت الأقاويل، أن ما عجل الاطاحة به أنه وضع يده في عش الدبور ومس مقدساً من المقدسات، ودخل قدس الأقداس، ومنذ ذاك التاريخ ظل الناس يحاذرون في الاقتراب من التعليم وسوحه، أو التصدي لعلاج مشكلاته.
ولكن برز مؤخراً ضرورة أن تخضع التجربة للتقويم، وأن تتابع مخرجاتها بالتحليل، فمما لا شك فيه أن الحقل الوحيد الذي لا يحتمل ثورة إنما هو حقل التعليم، وأن الدخول الى ميدانه يتطلب أناة وتدرجاً.
كما أن التعليم العالي ينبغي أن تربط مخرجاته بسوق العمل، ليلبي احتياجات المجتمع الأساسية، ولا يدفع بخريجين يفتقدون المهارة والدربة، وفي ذات الوقت لا يجدون لتخصصاتهم فرصاً في سوق العمل.
وحسناً المراجعة التي بدأت بحملة الدبلومات، خاصة النظرية، وينبغي ألا يتجه التعليم وجهة استثمارية، للدرجة التي لا يتورع فيها مسؤولو الجامعات عن القول إن الدبلومات الهدف منها تحقيق ايرادات للجامعات فحسب ليس إلا.
إن التوجه الذي ابتدره مجلس الوزراء بإجراء مسح ودراسة لمخرجات كليات الطب والأسنان والصيدلة، وإجراء مقارنة مع احتياجات سوق العمل ينبغي أن يتواصل لإحداث التوازن بين مخرجات التعليم ومطلوبات سوق العمل.
وينبغي أن تمتد المراجعة بصورة أكبر وأشمل لندرس الأثر السالب الذي نشأ عن قبرنا لمعهد الكليات التكنولوجية واستبداله بجامعة السودان، لنقضي بذلك على حلقة الفنيين المهرة الوسيطة.
إن وزارة تنمية الموارد البشرية أمامها مهمة شاقة وصعبة وليست يسيرة لإعادة ترتيب الأولويات ولإحداث اصلاح جذري وأساسي في مخرجات التعليم العالي بالتعاون مع الوزارات ذات الصلة، إذ لا يمكن تنمية البشر كمورد في ظل الاختلالات الآنية وغياب القيم والضوابط والمعايير الوظيفية.
إذن الانقاذ تعود مجددًا الى نقطة البداية، وتستبدل التخطيط الاجتماعي بتنمية الموارد البشرية، ويمكن قراءة المعول على الثانية، إذا استذكرنا أن الأولى اسندت الى علي عثمان محمد طه في أول ظهور علني له، والسؤال هل أدركت الحكومة أخيراً أن العنصر البشري انسحب عنه الاهتمام طويلاً، ومن ثم وجب الالتفات أليه أخيراً.
صحيفة الحقيقة