العقل الرعوي: سجال تصفّق له أكفّنا

قد يكون الوضع السياسي و العام الراهن المحتقن في البلاد لم يتح الفرصة للكثيرين لمتابعة
سجال فكري ثقافي نحسب أن يكون مفيداً. و لعلي لا اكون مبالغاً إن رأيت أن هذا السجال الفكري
يذكرنا بالسجالات الفكرية و الثقافية التي كانت تذخر بها صحفنا و مجلات الثقافية يوما ما قبل
ثلاثة عقود تقريبا أو أكثر. السجال الفكري الذي أقصده هو موضوع مداره مفاهيم: البداوة و الرعوية
و التحضر، و الذي ابتدره دكتور النور حمد و شارك فيه ناقدا د.عبدالله علي ابراهيم.
و قيمة الموضوع ليست في هذه الثنائية(البداوة مقابل التحضر) التي يراها كثير من المفكرين
(في غير هذا المجال) بأنها تختزل المفاهيم و التصورات باقتصارها على ثنائية مُخِلّة.
و لكن قيمة الموضوع تكمن في تعدد إشاراته و مضامينه.فهو يتضمن إشارات للتاريخ و الفضاء
الجغرافي و الثقافة و المجتمع و الإنسان السوداني. لذلك جاء غنى الموضوع و إشكاليته في نفس الوقت
كما اوعزت بذلك تعليقات دكتور عبدالله علي ابراهيم.
فالموضوع يتضمن إحالات عديدة للتاريخ و الانثربولوجية و الاجتماع و اللغة و السرد لذلك من يُوغِلَ فيه
لا يستطيع أن يُوغِل فيه برفق و لكن يُوغِلَ فيه بحذر. و ذلك لتشابك موضوعاته و تعدد إحالاته الفكرية
و لحاجته المتعددة للتعريفات التي تُبعد الكاتب أو الناقد عن الخلط و اجتراح التناقضات و تنكب
الدروب و الحيرة امام التقاطعات و التداخلات.
إلا أن كل هذه المحاذير يجب أن لا تُثنينا عن ابتدار مثل هكذا موضوعات. خاصة أن تراثنا السجالي و
الفكري قليل بخاصة في الوقت الراهن. و من يبتدر هذه النقاشات كمن يخط في الرمل اول الحروف بعد
ان صوّح بستان فكرنا
و جفّت اعواده ردحا من الزمن، سادت فيه السياسة بعَوَارِها البئيس، و ليست بحوارها الثقافي الراقي،
و لا بحِجاجها الفكري الفخيم، و لكن بلغة جافة شاتمة، زاعقة، آمرة،ناهية،زاجرة ،جافة و متدنية.
لذا يجدر بنا أن نحتفي بمثل هذه الإسهامات الفكرية. كما نأمل أن نبني عليها و نطوّر من ملكاتنا
في الطرح و النظر و النقد و من ادواتنا في التحليل و التمحيص.
في إطار السجال الفكري بين دكتور النور حمد و الناقد دكتور عبدالله رأيت أن الأخير يطالب باللجوء
لتعريف المفاهيم و ضبطها و هو رأي سديد يوجّه البحث و يزيل التعارض و التناقض بين المدلولات.
إن هذا الطرح يثير كثير من التساؤلات و يوقظ في النفس روح النقد النائمة. كمثال لتلك التساؤلات
التي يثيرها مثل هذا السجال: ما هو تعريف مفهوم البداوة؟
و هل يشمل التعريف حياة الرعي؟
و هل تظل (وصمة) البداوة تلازم الإنسان طوال عمره؟
و هل البداوة هي نقيض كل الفضائل؟
و هل الحياة البداوة تنتفي بانتقال الشخص لتبني حياة المدن؟
أم يظل البدوي بدوي و إن طال به عهد التمدين و التحضّر(حياة الحواضر)؟
في الختام نود أن يتسع هذا الحوار الفكري بمشاركة واسعة من المفكرين و الباحثين و
الاكاديميين و الكتاب لإثراء التراث الفكري السوداني و إثراء مكتبتنا التي هي في حاجة لمزيد
من كتابات المفكرين و العلماء السودانيين لكي يعملوا نظرهم في تاريخنا و واقعنا. و أود أن
أقول أن هذا الموضوع في تماسذه لموضوعات و مجالت بحثية متعددة يعني أكثر ما يعني بالبحث
(الشخصية السودانية) التي يمثل البحث فيها المفتاح لفهم الجوانب الثقافية و الاجتماعية
و النفسية و السلوكية لفهم الإنسان السوداني و هو الجانب الاهم الذي لا زلنا نغفل عن الاهتمام به.
في الختام نتمنى ان ترتفع لغة السجال عن روح التحدي و تسجيل النقاط على المستوى الفردي و أن تبتعد
النفوس عن رد الفعل .كما نأمل أن يكون هذا الموضوع فاتحة لتتسع الساحة الثقافية لتناول الموضوعات
الفكرية التي تساعد في فهم واقعنا و مجتمعنا و تاريخنا بشكل أكثر عمقاً.
[email][email protected][/email]

– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
صورة.jpg

تعليق واحد

  1. سلام دكتور محمد عبدالله
    احيك علي مرورك السريع علي ما اسميته مساجلة بين دكتور النور و دكتور عبدالله علي
    و لدي قراءتك المتأنية لطرح النور حمد تصل الي نتيجة سريعة مفادها ان دكتور النور لا يتكلم عن الرعي كمهنة او مجموعات بشرية فقط و لكن جاء تنقيبه الهام الي نقد المفهوم الذي يسكن ذهنية الفرد الناتج مفهوميا و تراثيا و سلوكيا عن بيئة لم يتسطع فيها عبر كل تحصيله ان يتخلص من عقابيل رؤيتها ، فأصبحت الرؤية تنحي منحي محدود و مغلق متشبث بما لديه و لا يقبل النقد و مقياس حدود خبرته القديمة في مرحلة الرعوية بكل تفصيلاته بدءا من تعامله مع الحيوان و انتهاءا بالأنسان و قوانين الطبيعة و الواقع من حوله .
    الذين شددوا علي مسألة المصطلح وضبطه لا غبار عليهم و لكن المصطلح لا يقف في الفضاء لوحده ، لابد من بنية مفهومية تسنده و اعتقد ان شغل النور كله انصب علي البنية المفهومية لأهميتها و لاحقا يأتي تثبيت المصطلح بعد يرسخ المفهوم .
    علي كل حال دكتور النور وعد بمواصلة جهده المبذول ليصبح كتابا كامل الدسم يعالج كل من نقص في مرحلة المقالات و التي تكتب في ظروف مغايرة غير ظروف الكتاب المكتمل و كثير من الكتاب في هذا العالم تأتي كتبهم من سلسلة مقالات و تكتمل رؤاها بين دفتي كتاب محيط بالموضوع .

  2. تداخل في هذا السجال المدعو د محمد وقيع الله واستخدم كل مافي جرابه من شتائم وبذاءة وترصد الهفوات النحوية مما ينم عن شرخ نفسي يعود لخلفيته

    الأكاديمية الهشة ، وفعل الكاتب خيرا بإسقاطه ، وعدم الاشاره اليه !!!!!!!!!!!

  3. سلام دكتور محمد عبدالله
    احيك علي مرورك السريع علي ما اسميته مساجلة بين دكتور النور و دكتور عبدالله علي
    و لدي قراءتك المتأنية لطرح النور حمد تصل الي نتيجة سريعة مفادها ان دكتور النور لا يتكلم عن الرعي كمهنة او مجموعات بشرية فقط و لكن جاء تنقيبه الهام الي نقد المفهوم الذي يسكن ذهنية الفرد الناتج مفهوميا و تراثيا و سلوكيا عن بيئة لم يتسطع فيها عبر كل تحصيله ان يتخلص من عقابيل رؤيتها ، فأصبحت الرؤية تنحي منحي محدود و مغلق متشبث بما لديه و لا يقبل النقد و مقياس حدود خبرته القديمة في مرحلة الرعوية بكل تفصيلاته بدءا من تعامله مع الحيوان و انتهاءا بالأنسان و قوانين الطبيعة و الواقع من حوله .
    الذين شددوا علي مسألة المصطلح وضبطه لا غبار عليهم و لكن المصطلح لا يقف في الفضاء لوحده ، لابد من بنية مفهومية تسنده و اعتقد ان شغل النور كله انصب علي البنية المفهومية لأهميتها و لاحقا يأتي تثبيت المصطلح بعد يرسخ المفهوم .
    علي كل حال دكتور النور وعد بمواصلة جهده المبذول ليصبح كتابا كامل الدسم يعالج كل من نقص في مرحلة المقالات و التي تكتب في ظروف مغايرة غير ظروف الكتاب المكتمل و كثير من الكتاب في هذا العالم تأتي كتبهم من سلسلة مقالات و تكتمل رؤاها بين دفتي كتاب محيط بالموضوع .

  4. تداخل في هذا السجال المدعو د محمد وقيع الله واستخدم كل مافي جرابه من شتائم وبذاءة وترصد الهفوات النحوية مما ينم عن شرخ نفسي يعود لخلفيته

    الأكاديمية الهشة ، وفعل الكاتب خيرا بإسقاطه ، وعدم الاشاره اليه !!!!!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..