غامبيا بين المفخرة والمسخرة

كتبت قبل عشرة أيام مقالاً تحت عنوان “دولة صغيرة ودرس كبير” أشيد فيه بالانتخابات ‏الرئاسية التي جرت في غامبيا والتي جاءت نتيجتها هزيمة بينة لرئيس الجمهورية يحيى ‏جامع. ولعل مظاهرات الابتهاج التي عمت المدن والأرياف في غامبيا في أعقاب الإعلان ‏عن النتيجة تؤكد دون أدنى ريب اتجاه الرياح السياسية في ذلك البلد الصغير. حفزني لكتابة ‏ذلك المقال الروح الطيب الذي تقبل به رئيس الجمهورية نتيجة الانتخابات ، وتهنئته للرئيس ‏الجديد مما يوحي بانتقال سلس للسلطة في البلاد. وقد أشرت إلى أن تلك سابقة حميدة في ‏القارة الأفريقية تسجل في حق الرئيس جامع الذي تلقى الإشادة والتهاني من جهات عدة في ‏أفريقيا وعلى النطاق الدولي.‏
غير أن الرجل عاد بعد أيام قليلة لينقض غزله بيديه ويعلن تراجعه عن الاعتراف بنتيجة ‏الانتخابات مما ألقى البلاد في أزمة سياسية لم تكن في حاجة لها ، كما أزال الرجل بجرة قلم ‏واحدة كل الرصيد الطيب الذي حققه بعد الاعتراف بالهزيمة. بل إن الرئيس جامع يجد نفسه ‏الآن في مواجهة العالم ، ففي الوقت الذي تحركت فيه مجموعة غرب أفريقيا بقيادة نيجيريا ‏للبجث عن حل للمشكة وقامت بإرسال وفد من ممثلين لعدد من دولها للقاء بالمسؤولين في ‏ذلك البلد ، قامت القوات المسلحة الغامبية بالحجز على مكاتب لجنة لانتخابات مما دعا ‏الأمين العام للأمم المتحدة لإصدار بيان بإدانة هذا التصرف ومطالبة الرئيس جامع بالتراجع ‏عن موقفه الغريب.‏
لا شك أن التصرف غير المقبول الذي قام به الرئيس جامع سيضعه ويضع حكومته في ‏مواجهة المجتمع الدولي ككل ، هذا فضلاً عن أن مظاهرات الابتهاج التي عمت البلاد بعد ‏الانتخابات تتحول الآن لمواكب احتجاج مما يعني أن غامبيا مقدمة على مرحلة حرجة في ‏تاريخها قد تقود للكثير من الاضطراب الأمني والسياسي. ولا تنحصر نتائج تصرف الرئيس ‏جامع على بلاده وحسب ، بل قد تمتد لتشمل عدداً من الدول الأفريقية. فمن جهة ، سيسعى ‏المتشبثون بالسلطة وما أكثرهم في القارة للاستفادة من درس الرئيس جامع بتشديد الضوابط ‏على الحريات في بلادهم ، وفرض المزيد من الضغوط على لجان الانتخابات خوفاً من تكرار ‏ما حدث في غامبيا. ومن جهة أخرى فإن الرئيس جامع سيتعرض دون أدنى شك للمزيد من ‏الضغوط الإقليمية والدولية مما يعني أن حالة من عدم الاستقرار ستعم البلاد مما ينعكس سلباً ‏على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية هناك. ‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..