موراكامي .. فلسفة الوجود

في رواية موراكامي كافكا على الشاطئ يتبنى الكاتب فكرة العود الأبدي بميتافيزيقيات متواصلة ومتداخلة ، الفتى الذي يدعو نفسه بكافكا يهرب من منزل والده كما هربت أمه بأخته بالتبني من قبل ، وفي الجهة المقابلة يقتل ناتاكا والد كافكا . وناكاتا هذا شخص لديه قصور عقلي ومع ذلك يتمتع بخاصية الحديث مع القطط كما يستطيع إثارة العواصف واسقاط الأسماك وغيرها من السماء وبعد اقترافه للجريمة تبدأ رحلته بحثا عن حجر المدخل ؛ وهو الحجر الذي بفتحه تنفتح كوة مابين الأزمنة ومابين العالم المادي والروحي ، ويستخدم موراكامي عقدة أوديب داخل سلسلة متداخلة من الروابط السردية وتقاطعات الحكي والحبكات .
لا يمكنني شخصيا الخروج بفكرة واحدة من الرواية بل بعشرات من الأفكار سواء تلك الأنطولوجية أو الثيولوجية . وتتعمق فلسفة الطرح عبر جمل قصيرة . ولكنني أستطيع أن ألخص المسألة في فكرة أن الأشياء كلها تتحرك من أجل تحقيق غاية أو غايات محددة بقدرية محكمة . ومع ذلك فموقف الرواية من الله موقف غير واضح ؛ بل يناهض في وضوحه الباهت هذا مجمل الرؤية الروائية . وهذه نقطة تحتاج إلى مزيد من التأمل والتوقف فيها . فالصيرورة الحتمية لا تحدد لنا مصدرها المتعالي ؛ وإنما تشتغل خارج النطاق الميتافيزيقي وداخله في نفس الوقت ، وربما يقترب هذا بنا من الرؤية البوذية التي لا تستند إلى إله قدير ومتحكم في الأمور . ومع ذلك فإن هذا يظل مجرد احتمال يمكن تفنيده .
استخدم موراكامي لغة بسيطة ، كما يلاحظ أنه صبغ الرواية بطابع أوروبي ولم يستند إلى التراث الياباني كثيرا في الجانب الثقافي ، سواء الثقافة العامة أم الخاصة ، وكذلك عكست الرواية ما بعد الحداثة في منهج الحياة اليابانية وانقطاعا عن التراث ، ولا أعرف إذا كان ذلك مقصودا أم أن ثقافة موراكامي الأوروبية هي التي صبغته بهذه الصبغة . ولو أنه الفرض الأخير فسيكون ذلك انتقاصا كبيرا في الرواية من حيث أهمية عكسها لثقافة بيئتها. ولكن دعني لا أستخدم كلمة قوية ككلمة انتقاص ؛ فلعلني وبشكل شخصي كانت تستهويني فكرة تبئير ثقافة جديدة داخل الرواية لم أعرف عنها شيئا من قبل كالثقافة اليابانية . على العموم فإن الرواية تعتبر إضافة إلى الفكر الروائي وأعتقد بأن على الرواية العربية أن تختط منهجا جديدا بدلا عن الأسلوب الذي أصبح سائدا على حساب إبداع الفن.
يازول انت شايت وين؟ واضح انك كوز ولغم فعليك الله اختانا الله يجزيك خير
يازول انت شايت وين؟ واضح انك كوز ولغم فعليك الله اختانا الله يجزيك خير
يا دكتور في (الشنتو) وليس البوذية تجد المصادر الثقافية والرمزية للرواية. فكرة الاله أو (الكامي) في اليابانية تختلف عن مفهومك للخالق في الديانات السماوية الثلاث. قراءة موراكامي في الترجمتين الفرنسية والانجليزية أضاعت الكثير من روح الأصل مع أنها نقلت المعاني بدقة. هنالك ترجمة واحدة للعربية من اليابانية مباشرة حصلت عليها بمحض الصدفة لمذيعة مصرية تعمل باذاعة NHK اليابانية ولكن يعوزها ضعف البناء في الترجمة العربية لاختلاف البنيتين العربية واليابانية. حاول قراءة أول ثلاث روايات أصدرها في الترجمة الانجليزية. المترجمة الأمريكية لأعماله الأولي متخصصة في الأدب الياباني في الفترة الوسيطة وهي فترة ازدهار الأدب الياباني
نعم موركامي كان مترجما في الأصل وتأثر بكافكا كثيرا لكن الرموز اليابانية التي حاول توظيفها عصية حتي علي الجيل الشاب من اليابانيين الذين لا يهتمون كثيرا بالثقافة القديمة للأجداد خاصة بعد تبسيط (الكانجي) أي الرموز من الأصل الصيني والتي تكون مع (الهيراقانا) و (الكاتكانا) ما يمكن أن تطلق عليه الأبجدية اليابانية تجاوزا. مثقفي ما قبل النيسيط كانوا يحفظون ما يزيد على العشرين ألف رمز. الآن يلزمك ربع هذا العدد لتقرأ أي كتاب معاصر أو صحيفة يومية أو ما شابه ذلك.