أخبار السودان

ما هكذا تصنع الدساتير..!ا

د. أمين مكي مدني

يحتدم الصراع هذه الأيام، ويختلف الناس حول حماسة حكومة الإنقاذ المفاجئة لإشراك القوى السياسية، وربما بعض منظمات المجتمع المدني، في صناعة الدستور، بعد أن قضى الدستور الانتقالي بانتهاء الفترة الانتقالية، وقرر الجنوبيون الانفصال ممارسة لحقهم في تقرير المصير. البعض أشاد بدعوة رئيس الجمهورية لعقد لقاء بين حكومة المؤتمر الوطني وقوى المعارضة السياسية للمشاركة في وضع دستور للبلاد، بل وجه بعضهم اللوم إلى هذه القوى لرفضها حضور اللقاء، بينما برّر آخرون موقفها، كل من منطلق قناعاته، أو ربما جهله بآليات صناعة الدستور، بينما ذهب بعض المسؤولين إلى التصريح عبر وسائل الإعلام بأن الحكومة ستشرع في إعداد الدستور، حضرت المعارضة أم لم تحضر! وقد ناشد أحد كبار المسؤولين المعارضة للحضور بقوله”باركوها”، كأن “الدستور” المعني هو ذلك الذي ينادى به في حفلات الزار: “دستور يا سيادي”!

تاريخنا السياسي، منذ الاستقلال، لم يأخذ قضية الدستور مأخذ الجد، كوثيقة “عقد اجتماعي” لا يضعها الحزب الحاكم وحده، ولكن تشارك فيها، أيضاً، جميع أحزاب المعارضة، وكل منظمات المجتمع المدني، والمواطنون كافة، عن طريق ممثلي تكويناتهم الإثنية، والعرقية، والدينية، والثقافية، والرياضية، في مختلف أصقاع البلاد. فالدستور هو القانون الأسمى الذي يحدد شكل الحكم، رئاسياً أم برلمانياً، وأوضاع السلطة التشريعية، وكيفية انتخابها بحرية ونزاهة، ويفصل، إلى ذلك، بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وينص على استقلال القضاء، ويرسي القواعد العامة التي ينشأ بموجبها ادعاء عام مستقل يمارس سلطاته إزاء المتهمين، بمعاونة أجهزة ضبط تلتزم بقاعدة مساواة الجميع، حكاماً ومحكومين، أمام القانون، كما ينص على ديواند مراجع عام مستقل يرصد إيرادات الدولة ومنصرفات أجهزتها كافة، ويقدم تقارير سنوية تقتضى أن تتبعها إجراءات مدنية أو جنائية أو إدارية، بحسب الحال، لإصلاح الاعوجاج في تسيير أمور الدولة، ومحاسبة المسؤولين عنه؛ كما يحدد مهام أجهزة الأمن والدفاع في الذود عن البلاد ضد أي عدوان خارجي، أو تجسس، أو تهريب، أو فساد، أو نهب للمال العام، وما إلى ذلك من مهددات سياسية أو اقتصادية أو خلافه، وليس الذود عن النظام الحاكم، عن طريق قمع المواطنين بالتفتيش، والاعتقال، والتعذيب، وملاحقة النشطاء، ومصادرة الرأي الآخر، وإيقاف الصحف غير المطيعة!ّ ويُفترض، كذلك، أن يشمل الدستور أسس إدارة الاقتصاد الوطني، وعدالة توزيع الثروة والسلطة، والعناية بتحسين ظروف حياة الناس في الهامش، كمواطنين من الدرجة الأولى، وتطوير سبل كسبهم للعيش، من زراعة، وصناعة، وتعدين، ووضع البنيات التحتية، من ماء، وكهرباء، وطرق، وجسور، ومدارس، ومشافي، وبيئة، وتنظيم السلطات المحلية التي تسعى، مع السلطة المركزية، في تحقيق تلك الغايات.

إذن، لئن كانت هذه بعض السمات العامة للدستور، فلا يصح اختزال الكيفية التي تنعقد بها الإرادات السياسية اللازمة لصناعته، على جبهتي الحكم والمعارضة، كضرورة لا غنى عنها، والمنهج الذي يتحقق، عن طريقه، التقاء كل القوى الحية في مفاصل المجتمع على كلمة سواء بشأنه، في محض “عزومة مراكبية” توجهها نفس القوى الحاكمة، من طرف اللسان، إلى المعارضين كي يهرعوا لـ “مشاركتها” في صناعة هذا الدستور، معلنة، في نفس الوقت، أنه ليس مهماً إن استجابوا أو لم يستجيبوا، مثلما هو الحال الآن، والذي بلغ حد تصريح بعض المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم بأنهم ماضون في صناعة الدستور الجديد، ولن ينتظروا حضور المعارضة للمشاركة!

هذا السلوك السياسي يفضح النوايا الحقيقية للنظام، ويتكشف، حالياً، بوضوح، من خلال استعجاله في إجازة دستور جديد غالباً ما يكون قد تم وضعه سلفاً، حسب ما يرد عن جهود المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التابع لوزارة العدل، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للإنماء UNDP، واللذين ظلا يعقدان، لعدة أشهر، اجتماعات، في هذا الشأن، لم تدع لها المعارضة، ولا معظم منظمات المجتمع المدني، وبالتالي لم تشرك هذه الأطراف في مناقشة حتى المعالم العامة لهذا الدستور الجديد، دع تفاصيله، لكن ها هي، بعد كل ذلك، تجد نفسها مدعوة الآن، فجأة، لمباركة صناعة هذا الدستور بهذا الأسلوب، والبصم، عموماً، عليه، تأسيساً على سوابق العمل في الماضي!

إننا لا نهدف، حين ننتقد منهج النظام وأسلوبه في صناعة الدستور، إلى الدعوة، بالضرورة، لمقاطعة مثل هذه (العزومة الحكومية) من منطلق خلاف فكري أو سياسي ضيق معها، أو بدافع عصبية انحياز ما إلى المعارضة، فثمة جهات عدة ظلت تتخذ نفس موقفنا هذا دون أن تكون لها مثل هذه المنطلقات أو الدوافع، ومنها جامعة الأحفاد، وصحيفة الأيام، وكلية شرق النيل، واتحاد الكتاب السودانيين، وغيرها من منظمات المجتمع المدني المستقلة التي ظلت ناشطة في نفس هذا الاتجاه، منذ أكثر من عام، عبر الندوات، والمحاضرات، وحلقات النقاش، وورش العمل، بمشاركة مختلف العلماء والأكاديميين السودانيين، والخبراء الأجانب من دول ذات تجارب مشابهه للسودان، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، دون أن تكبد الحكومة نفسها مشقة الاستماع إلى شئ من ذلك، رغم أن تلك الأنشطة لم تقتصر على الخرطوم، وإنما تعدتها إلى معظم أصقاع السودان، بهدف توعية المواطنين العاديين بأسس صناعة الدستور، وذلك من خلال كل المؤسسات والآليات المتاحة، كمنظمات المجتمع المدني وزعماء العشائر مثلاً، وقد خلصت، حتى الآن، إلى ذات المعنى الذي نحاول التعبير عنه هنا، وهو أن صناعة الدستور مسألة قومية تفترض مشاركة قطاعات المواطنين كافة، انطلاقاً من مبادئ الديمقراطية، والتنمية، والتصالح الوطني، وسيادة الشعب، وحكم القانون، وتعزيز حقوق الإنسان، مما يقتضى إعمال مبدأ شمول المشاركة، على قدم المساواة، ودون إقصاء لأي طرف، فضلاً عن إصلاح قانوني ضروري يزيل القوانين التعسفية، ويطلق الحريات العامة والحقوق الأساسية كافة، وعن التقاء كل الأطراف في منبر جامع يتم فيه الاتفاق على مهام وخطوات ديموقراطية عملية، كتكوين لجنة قومية من خبراء ومستقلين لوضع مسودة هذا الدستور بما يعكس التوافق الذي يتم في المنبر الجامع، وانتخاب جمعية تأسيسية، انتخاباً حراً مباشراً، لإجازة هذه المسودة، وأخيراً، إخضاع المشروع المجاز لاستفتاء شعبي واسع للتصديق عليه. ومن نافلة القول أنه ينبغي أن تسبق جميع تلك الخطوات عملية توعوية واستنهاضية شاملة من خلال التلفاز، والمذياع، والصحف، والمحاضرات، واللقاءات الشعبية المباشرة، في مختلف أنحاء البلاد، حتى يكون المواطن على مستوى مناسب من الوعى يؤهله للإدلاء برأيه في الاستفتاء المقترح. تلك خلاصة مختصرة لبعض ما بلغته جهود المؤسسات سالفة الذكر من أفكار، وما نحاول نحن، بجهد المقل، أن نساهم فيه.
في هذا الاتجاه يتعين علينا الإقرار بافتقارنا لتراث أو ثقافة دستورية مستقرة رغم تجاوزنا نصف القرن منذ حصولنا على استقلالنا السياسي. فدستور ستانلى بيكر حكمنا منذ 1953م، وعدّلناه ليكون دستور استقلالنا فى 1956م ، قبل أن يلغيه الحكم العسكرى الأول في 1958م، ليحكمنا بالأوامر العسكرية، ثم في ثورة أكتوبر 1964م عدّلنا دستور 1956م ليكون أساساً لدستور 1964م، وظللنا نتجادل حول دستور جديد، إسلامي أم مدني، حتى انقلب علينا العسكر مجدداً في مايو 1969م، حيث ألغوا الدستور، وأصدروا، بدلاً منه، مراسيم عسكرية، ثم أصدروا دستور 1973م الذي تم تعديله، بأثر رجعي، لمصادرة الحريات العامة، حتى هبت انتفاضة 1985م، وأعقبها دستور 1985م الذي شده، أيضاً، بعض الحنين إلى دستور ستانلي بيكر، لكن ما لبثت أن وقعت الطامة الكبرى بانقلاب 1989م الذي لم ولا يحتمل أن يجاريه نظام في مصادرة سيادة القانون، وانتهاك الحقوق والحريات، بموجب إعلان الطوارئ، وتصعيد وتيرة الحرب في جنوب البلاد، حتى إذا بلغ السيل الزبى اضطر الطرفان لإبرام اتفاقية السلام الشامل التي أتبعت بالدستور الانتقالي لسنة 2005م. غير أن عدم الالتزام بتطبيق تلك النصوص التطبيق الذي يحقق السلام، والتحول الديموقراطي، ويجعل الوحدة جاذبة، أفضى إلى انفصال الجنوب، ثم ها هي (الإنقاذ) تعود، كرة أخرى، لتجرب المجرب: عقد لقاء مغلق، بعيداً عن المشاركة الشعبية، لنخب سياسية مدعوة لـ (التوافق) على، و(مباركة) دستور آخر من صنع (الإنقاذ) نفسها، بأسلوب شاء من شاء .. وأبى من أبى!

مصيبة هذه الدعوة أنها تتجاهل مجمل التاريخ والإرث الدستوري في خبرات جميع البلدان الديمقراطية، والذي يقوم درسه الأساسي على أن الشعب هو صانع الدستور، لا الحكومة، مهما انتحلت وضعية المعلم، ووضعت الشعب في مقعد التلميذ!
في هذا السياق، نوجه نفس الخطاب إلى المعارضة السياسية بأن أولوياتها المفترضة تقتضى منها الانخراط في ما تقوم به قوى المجتمع المدني من جهود سبقت الإشارة إليها بهدف توعية المواطن بماهية الدستور، وكيفية صناعته، وأن تصر على أنه لا دستور في غياب الديمقراطية، وإطلاق الحريات، وإلغاء القوانين التعسفية، وأسوأها قانون الأمن والمخابرات، إضافة إلى قانون النقابات، وقانون الصحافة والمطبوعات، والقانون الجنائي وإجراءاته، وقانون منظمات العمل الطوعي، وخلافها، وأن تتمسك، في السياق، بوضع الأطر الصحيحة لإصلاح القضاء، والخدمة العامة، ومؤسسات الدولة كافة، وكشف فضائح تحقيقات الفساد في الأموال العامة، وبيع الأجانب عقارات الدولة في لندن وغيرها، وشركات الطيران الجوية وخطوطها، ومئات الألوف من الأفدنة، وتعريض مستقبلنا الاقتصادي، بهذا، للضياع، وهز أسس علاقاتنا الخارجية، وتعريضها للتخريب، بالأخص مع دولة الجنوب، وتوتير الحياة السياسية الداخلية بعدم إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة، خصوصاً مع القوى الثورية، وبالأخص مع قطاع الشمال، وإلى ذلك مفاقمة أزمات دارفور، وأبيي، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، مما خلف ويخلف ملايين النازحين واللاجئين الذين يتعرضون، يومياً، للجوع والأوبئة والموت، والقائمة تطول!
هذه القضايا وغيرها ينبغي الاهتمام بالكشف عن مخاطرها، والعمل على علاجها، وإشراك الرأي العام في ذلك، أكثر من الاهتمام بتوزيع السلطة والوزارات في دستور آخر يطل علينا للمرة التاسعة منذ الاستقلال. لا بد من لفت نظر الحكومة، ومن قبلها القوى السياسية المعارضة، كي يسعى كلاهما لسبر غور تلك الملفات الشائكة بجدية، وعلى رأسها توعية الجماهير وتعريفها بما يعني الدستور، والهموم التي ينبغي أن يشملها، وإلا تكون دعوة الرئيس بلا معنى، كما يكون رفض المعارضة لهذه الدعوة أيضاً بلا معنى، حيث ستدور الدوائر لتعيد إنتاج الحلقة الدستورية المفرغة التي تعودنا عليها، فإما أن يكون الشعب هو صانع الدستور بحق وحقيق، وأن تكون السلطة السياسية هي خادم الشعب المكلف بتحقيق أمانيه، أو لا يكون ثمة معنى للانشغال، أصلاً، بصناعة دستور جديد.
هنالك نقطة أخيرة حول المزايدات والمكابرات التي يمارسها النظام ووالقوى الاجتماعية الداعمة له حول إسلامية الدستور. فالجدال الدائر بين الحكومة والمعارضة حول أسلمة الدستور ومدنيته أو علمانيته، كما تحب الحكومة أن تنسب إلى المعارضة، هو، في رأينا، جدل بيزنطي لا طائل من ورائه، وزج بالدين في السياسة والتنافس على السلطة. لقد رأينا وعانيننا من دولة الإسلام المفترى عليه عندما أعلنها النميري في 1983م، وشهدنا الإعدامات الجزافية، والقطع والقطع من خلاف، والرجم، والصلب، والجلد، والتشهير، إعلامياً، بمخالفي “القانون”، مثلما عاصرنا البنوك الاسلاموية إلتي حرم عليها الربا فابتدعت لها تفاسير فقهاء السلطة أشكالاً من المرابحات والمضاربات والمشاركات التي عادت على مؤسسيها من قادة وتجار النظام بأرباح فاقت، بما لا يقاس، الفوائد الربوية التقليدية، لدرجة أن عشرات البنوك الغربية دخلت في هذه الصيغة، ليس في الدول الإسلامية فحسب، بل حتى في دول الغرب (الكافرة) نفسها، جرياً وراء أرباح لم تتوفر لها في سعر الفائدة الربوية الذي يرفضه الإسلام!

ثم جاءتنا ما لبثت أن جاءتنا دولة الإنقاذ (الإسلامية) لتقطع الطريق أمام مبادرة الميرغنى ? قرنق (الإستسلامية!)، حسب وصف الانقلابيين لها، وتقيم دولة الإسلام! فشهدنا الإعدامات، والتعذيب، والقهر، والقمع، والجلد، والسجن، والهجرة القسرية، والاعتقالات المتطاولة، والتعذيب في بيوت الأشباح، والفصل التعسفي لعشرات الآلاف، وإبدالهم، عبر سياسة (التمكين)، بشباب ناقصي التأهيل والخبرة، ليتبوأوا المناصب الوزارية، وقيادة الخدمة العامة، ومؤسسات الدولة كافة، وإدارة الجامعات، والشؤون الاقتصادية والمالية، واتباع سياسة التمييز، والتفوق الديني والعنصرى .. وبقية (حدوتة) دولة الإسلام! وباسم الدين، زج بالبلاد في نزاعات مسلحة ضارية في الجنوب، ودارفور، وأييي، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، والشرق، وحتى الشمال الأقصى، بسبب التهميش، والآمال الضائعة في التنمية، وذهاب أحلام (سلة غذاء العالم) أدراج الرياح! فالدولة مفلسة تماماً، ومرهقة بديون متراكمة بلغت بلايين الدولارات مع ( فوائدها) التي أجازها فقه الضرورة! وهنالك، إلى ذلك، المقاطعة الاقتصادية من جهات التمويل، وتفاقم الفقر، وانهيار خدمات الصحة، والتعليم، وتخريب البيئة، وشح فرص العمل، وانتشار البطالة وسط الشباب، وازدياد الشكوى من افتقار القضاء إلى أبسط أشراط العدالة والنزاهة، تزايد إحكام قبضة أجهزة الأمن على مصائر الناس ، في المجال السياسي، والوظيفي، والاجتماعي، والشخصي، حتى على صعيد ما يلبس الناس، وحتى على صعيد احتفالهم بمناسباتهم الأسرية، فضلاً عن منع المسيرات، والتجمعات السلمية، والليالي السياسية، وحصر الندوات وحلقات النقاش على الدور المغلقة للأحزاب والنقابات، لضمان النأي بها عن الجمهور الذي يفترض أنه صاحب الشأن والمصلحة في كل ما يثار.

مع كل هذا وغيره، تقول الحكومة إنها، بعد (الخلاص) من الجنوب، وبعد أن وصل عدد المسلمين في الشمال إلى ما يفوق الـ 90%، سوف تعمل، هذه المرة، على إصدار دستور (إسلامى). هكذا، بعد ربع قرن من (الحكم الإسلامي) للإنقاذ، ها نحن موعودون بـ (دستور إسلامي)! وبالفعل سمحت الحكومة للاتجاه السلفي الذي تسانده، ربما ببعض مواربة، أن ينشر في الناس أول صيغة لدستور إسلاموي غارق في الأصولية والتطرف، على حساب الحرية والعدل وحقوق المواطنة، حتى إذا ظهرت هي في ما بعد بدستورها الإسلاموي (المعتدل) قالت للناس: أنظروا .. كم نحن في الإنقاذ وسطيون ومعتدلون، بدلاً عن مقترحات العلمانيين (أعداء الإسلام) الذين ينادون بالدولة المدنية!

غير أن الناس ليسوا بهذه السذاجة كي ينطلي عليهم هذا السيناريو البدائي الأعرج! وسيتساءلون عما حققت لهم “دولة الإسلام” التي ظلت تحكمهم منذ ما يقارب ربع القرن من قيم وتعاليم الإسلام في العدل والمساواة وتكريم بني آدم، وعن (إنجازاتها) فى توزيع السلطة على (بني المؤتمر الوطني وأتباعهم من مدمني المنصب والمال)، في مجال الفساد، وسرقة المال العام، وظلم المساكين والعطالى، والحرمان من المأكل، والمشرب، ناهيك عن خدمات التعليم، والعلاج، والسكن، وكل ما لا ينفصل عن قيم الإسلام الحقة؟! ماذا في جعبتها من خطط وبرامج إسلامية لإنتشالنا مما نحن فيه من وهدة؟!

الناس لا يحتاجون لمن يعلمهم أن الإسلام ليس شعارات زائفة يرددها الحكام في الخطب الرنانة بأصوات جهورية عن السلف الصالح وإنجازاته، والفتوحات الإسلامية ..الخ، يتبضعون بها في المساجد، والميادين العامة، والمناسبات الدينية، كما وأن الإسلام ليس برامج تلفزيونية عقيمة يُستأجر لها الملتحون لترديد الآيات والأحاديث، أو أبعض ئمة المساجد الذين لا يمس حديثهم حياة المواطن، وحريته، وأمنه، وقوته، ورعاية مستقبل أبنائه، بينما واقعنا يضج بكل ما من شأنه البعد عن الإسلام بعد خمسة عشرة قرناً من عهد ذلك السلف الصالح رضي الله عنهم. أين نحن من هكذا إسلام مع إسلام “لحس الكوع”، و” بلها وأشرب مويتها”، و” الفورة ألف”، و”الحشرة الشعبية”، و”نحن اخذناها بقوة السلاح ومن يريدها فليحمل سلاحه”!

ترى أى دستور إسلامى تنوى حكومة الإنقاذ صنعه ليتضمن مفاهيم القيم الإسلامية الحقيقية؟ وربما ينطرح، أيضاً، سؤال جانبي عن الأسباب إلتى حدت بحكومة المؤتمر الوطني كي تجمد، دون إعلان، عقوبات الصلب، والرجم، والقطع، والقطع من خلاف، رغم وجود نصوصها الواضحة في القانون الجنائي؟ أهو اجتهاد أم خروج عن الثوابت؟! وأين السادة القضاة المستقلون من كل هذا؟!
اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا!

تعليق واحد

  1. تحية اجلال د. امين مكى مدنى

    لااعتقد ان الحزب الحالي يدعو لوضع دستور الا لتتخلص من الحريات المكفولة فى دستور2005.
    من قبل سعت قوى للنكوص من نصوص الحرية المكفولة فى 1956, بذريعة السعي لدستور دائم.
    ارى لو وضعت منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية جهدها للابقاء على دستور2005, لتلافت مكر الانقاذيين.
    اعتقد اي دستور يكفل الحريات وفصل السلطات هو ما يناسب المرحلة , مهما بلغت تناقضاته الاخرى.
    والعافية درجات فى شان الدستور, والحريات درجة عالية جدا, وايما درجة.
    كما ان 2005 عليه بصمات جون قرنق وهى قريبة لافئدة الجبهة الثورية.
    المعركة فى نظري هي ازالة القوانين التى تتعارض مع هذا الدستور.
    وفى رايي حين تقدم دعوة الحوار المخادعة لوضع الدستور, ارى ان يكون الرد:كفاني الدستور الانتقالي دائما.
    ان التعديلات الطفيفة التى تضبط الدستور على مساحة خارطة السودان الجديدة بعد النكبة, اسهل بما لايقارن مع وضع دستور جديد بالكامل.
    وتوازن القوى مختل ومزيف.ثمرة قهر متطاول.
    غذت الانقاذ جيوبا سلفية بمختلف الالوان. ومعلوم فى غياب الحريات تتنامى قوى الظلام , بل تنمى عن قصد.

    ساكرر هذا المقترح كلما سنحت الفرصة.
    فاروق بشير والفاضل البشير

  2. كل هذا البلاء والتخلف الذي يشهده السودان سببه الرئيسى عدم تحقيق دستور دائم للبلاد تتفق عليه كل القوى السودانية ومنظماتها المدنية ….وسيستمر هذا العبث الذي بدأ مع اول حكومة وطنية بقياده الازهري حتى هذه الحكومة الحالية .. كل الانقلابات التى دبرت ونفذت سبب رئيسي فيها كان عدم وجود دستور يحفظ حقوق المواطنة ويصون هيبة الدولة .. انظر الى هذا الجدل الذى يجري فى مصر الأن فى تشكيل لجنة الدستور التى تضم كل الوان الطيف السياسى وجهابذه القانون الدستوري والنخب والطوائف ورغم ذلك تتعثر نسبه لأن الشعب ضاق امر الدساتير الموضوعة سلفا من النظام السابق ولا يريد الشعب تكرار التجربة الرديئة مره اخري .. اتمنى ان تكثف حملات التوعيه للدستور واهميته التى تقوم عليها نهضة الأمة وانطلاقها نحو الغد المشرق.

  3. مقال رائع لكن ناس الانقاذ رعاع وغوغاء وشذاذ آفاق ما بيفهموا جنس الكلام ده وهم ما رجال دولة ديل اهل حكم ساكت ديل اقذر حكومة تمر على السودان فى تاريخه القديم والحديث!!! السودانيين عمرهم ما كانوا بيعاملوا اهلهم بالطريقة دى ويخافوا من الاجانب!!!ديل عرة حكومات السودان!!!!

  4. أحسنت أيهاالدكتور العالم ضمير أمته. وكلما قرأتُ لك مقالاً تحسرتُ ويجُول بخاطري أن أمثال هؤلاء هم من المفترض أن يكونوا حُكامنا! ثُمة ملاحظة أخرى : أن المقال المنشور كان من المفترض أن يكون من ضمن أوراق عمل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات و ” تنفيث الثورات ” ؛ حيثُ يملاُ المركز الدنيا صخباً لإصدار صكوك البراءة للحركات المتأسلمة والأنظمةالإسلاموية مثل نظام الإبادة الجماعية المجرم الجاثم على صدورنا.

  5. .
    اولى مبادي الاصلاح الدستوري تتلخص في في تطبيق المعنى الحقيقي لعبارة
    ?المشاركة والشفافية في آلية واجراءات وضع الدستور.
    واذا جاز لنا اننستفيد من التجارب السابقة في آلية وضع الدستور، نجد انها كانت فاشلة لعدم تحقيق مبدأ المشاركة الحقيقية والشفافية من حيث انها لا يمكن لها ان تتحقق إلا في ظل حكومة تتسم بالمؤسسية يتسنى لها إدارة مهمة ازالة العقبات التي تحول دون وضع دستور يرتضي به الجميع ، وفي تقديري وبحسب معطيات الواقع وبما شهدته البلاد خلال ثلاثة وعشرين عاماً وئدت خلالها الديمقراطية من خلال ممارسة اسوأ انواع مصادرة الحريات وقد اختزل النظام الحاكم الدولة في حزب بعينه ، بل تخطى ذلك للدين ، فأصبح (حزب المؤتمر الوطني ) هو الحزب الحاكم بعقلية ان الحكومة حكومته وهو حزبها وهو لا يفرق بين الحكومةوالدولة ولم يزل يخلط بين مؤسسات الدولة حتى تشابه علينا البقر ولم نعد نفرق بين القضايئة والتنفيذية ، وعن التشريعية فالأمر لم يزل يقف عند عدم الشرعية عند الكثيرين الذين شهدوا حالات التزوير التي حدثت ابان الانتخابات الأخيرة والتي عبر خلالها الحزب الحاكم الى برلمان هو الوحيد الذي يعتقد بشرعيته ، ودون تطويل او تفصيل ، فالرأي عندي (أن الرجوع للحق فضيلة ) واذا اردنا دستوراً حقيقياً يتواضع اليه الجميع فالأمر يقف عند :
    * تكوين حكومة انتقالية تقوم بإدارة المرحلة المقبلة حتى انجاز دستور حقيقي تقوم بإنجازة هيئة قومية مستقلة حتى تتحقق لها الشفافية ، وما لم يتحقق هذا المبدأ ، اي نقاش لن يجدي ، ذلك ان لبلادنا تجارب مريرة تعددت بها الدساتير التي سقطت لا لعيب في صياغتها في حقيقة الأمر ولكن لعدم انجازها عبر آلية مستقلة ذالت شفافية تعبر عن ارداة شعبية حقيقية تجعل من الجميع ملتزمين بها .
    عندما يتحقق هذا المبدأ تجئ مرحلة مناقشة شكل نظام الحكم ومبادئه ونُظمه تحت مظلة الإصلاح الدستوري المنشود بما يضمن استدامته حتى لا تعود البلاد لمربع 1989 و1969 و1958م ، من بعد كل هذا العناء الذي عانى منه الوطن وهو لم يزل يفقد فرصة ان يكون له دستور يؤمن وحدته وسيادته ويضمن عدم تكرار الخوازيق التي لم تزل تفعل افاعيلها في تضيق فرص التقدم للأمام .
    .
    ود وتحية
    ……………….
    علي احمد جارالنبي
    المحامي والمستشار القانوني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..