خاطرة على شرف الاستقلال

عبر التاريخ ودروسه تقول انه كلما ضاقت دائرة أي أفراد ممسكين بأعنة أمر ما ، كلما أدى ذلك الى زيادة التضييق على كل من يخالفهم الرأي وإن كان رأي الزمرة القابضة بائن الخطأ والخطل، وكلما أدى أيضاً إلى إزدراء وإذلال من يعارض أية رؤية لهم وإن كانت ظاهرة العطب، وكلما أدى ذلك في محصلته النهائية إلى زيادة ميلهم إلى العزل والعنف..
تذكرت هذه العبر والدروس التاريخية وأنا أحدِّق في الحال والمآل الحالي ، وبتشكيلة حكومة الحوار المرتقبة، فلم أملك غير أن أتاسف بأشد من أسف من لا يسعفه الحال لبلوغ ماهو أهل لبلوغه من مجد وعظمة تضعه على قمة الأمم ، ومبعث الأسف هو أن يدور حالنا في حلقة مفرغة مثل جمل العصارة الذي يظل يدور ويدور دون أن يفارق قيد أنملة الدائرة الضيقة التي لايفتأ ولا يفتر من الدوران حولها ، مع فارق أن دوران الجمل ينتج زيت بينما دوراننا ( يطلع زيتنا ) ..
ان الحكم والعبر والدروس التاريخية، تبقى دائما من مثيرات الجدل لذاتها فيما اعتقد، ولكن فيما أحسب أن آيتها الكبرى ليست في ذلك وإنما فيما تثيره من حاجة الناس الدائمة والمستمرة للتجديد والتغيير، من أبسط الأشياء وإلى أعقدها وإلا لتحنطوا وتجمدوا ثم تلاشوا وانتهى ذكرهم وانقطع أثرهم، ولست هنا بصدد إثارة جدل فكري حول مفهومي الحداثة والتجديد بقدر ما قصدت الإشارة إلى حاجة أمتنا ومجتمعنا إلى الثورة على القهر من كل نوع ولون والتمرد على الهيمنة من كل جنس وفصيلة هذا إذا أردنا لبلادنا أن تستكمل تكوين ذاتها وكيانها على أسس حديثة وجديدة وتحقيق قفزة تنموية تُدخلها في قلب العصر الحديث وهي أهداف كبرى لن تحققها ذهنية ماضوية ولن يقترب منها الكسول والخامل فكرياً ،ومن هنا تتعاظم حاجتنا لتحديث وعينا الاجتماعي وتجديد خطابنا الثقافي وممارستنا السياسية التي لا تزال تراوح مكانها منذ ظهور الأحزاب كأوعية لممارسة السياسة قبل أكثر من ستين عاماً، وقد عنّت لي هذه الخاطرة ورأيت أن أشرككم معي فيها عندما كنت أتأمل في حالنا بعد الآني وأقارنه بحالنا الماضي فأجد أننا وكأننا لا رحنا ولا جينا بما أثارت في نفسي من حسرة على واقعنا الوطني المتكلس والمتجمد عند نقطة لم نستطع تجاوزها بأي قدرٍ يذكر على مدى أكثر من ستين عاماً هي عمر استقلالنا الوطني ،حيث لا تزال أزماتنا هي هي كل هذا الوقت? ولا تذهبوا بعيداً فقط أنظروا حولكم، فثمة مشكلة تكرر نفسها منذ ستين عاماً?.
الصحافة