مقالات وآراء

الاستقلال لم يكن هدفا في حد ذاته

د. ابومحمد ابوآمنة
المكتب القيادي لمؤتمر البجا

ظل شعبنا العظيم يطالب بالاستقلال منذ بداية القرن العشرين, ولعل ثوة 1924 كانت هي البداية, ثم بعدها الاحزاب السياسية والنقابات المهنية التي تأسست في النصف الاول من القرن الماضي. ناضلت مختلف هذه الكيانات لتحقيق الاستقلال. كان التصور للاستقلال هو الانعتاق لبناء وطن متحضر, عامر بالمصانع وبالورش, وبالمزارع, وبالمعاهد التعليمية, موطن لا امية فيه, لا جوع فيه, ولا فقر, لا ذباب, لا بعوض, وطن شامخ بين الامم المتحضرة يشار اليه بالبنان.
نال السودان الاستقلال الذي ينشده, فهل تحققت تلك الامنيات؟
لتري …

ترك لنا الاستعمار خدمة مدنية متطورة ونزيهة, ترك نظام تعليم فريد, وجامعة كنا نباهي بها العالم, وسكك حديد وميناء كنا نفاخر بهما, ونظام صحي يطبق الرعاية الصحية الاولية, كان العلاج مجانا, وكذلك التعليم. وكان التمييز الايجابي يطبق علي ابناء المناطق المتخلفة.

كل هذه الايجابيات انهارت الواحدة تلو الاخري في عهد الحكومات الوطنية. ظهرت بوادر العنصرية والتفرقة والتهميش حتي قبل نيل الاستقلال. فحين تمت سودنة الوظائف التي كان يحتلها الانجليز, اختير لها موظفون سودانيون, لكن قوميات تنتمي للشمال, فيما عرف فيما بعد بمثلث حمدي, وكلك تم اختيار الوزراء ايضا من نفس المثلث. خلق هذا شعور بالغبن وبالظلم لسكان المناطق الاخري, الذين ابدوا استنكارهم لما يجري, وطالبوا بحقوقهم كمواطنين سواسية, يشاركون بوزرائهم في الحكم وفي السودنة, وعندما لم يجدوا الاستجابة, لجأوا لتكوين كياناتهم السياسية. ففي عام 1958 ظهر مؤتمر البجا واتحاد عام جبال النوبة, جبهة نهضة دارفور, واحزاب الجنوبيين وحركاتهم المسلحة لوضع حد للتهميش وبناء السودان الذي يتساوي فيه الجميع في الحقوق والواجبات.

الا ان الامور ازدادت سوء علي سوء علي مر السنين, واندلعت الحروب بين حركات الهامش والجيش السوداني في اماكن مختلفة من القطر, وبدلا ان تصرف موارد البلد المحدودة علي التنمية والتعمير, صرفت علي الحرب والتدمير. وبغلت الامور ذروتها حين استولي الاخوان المسلمون علي الحكم, وجعلوا من الحروب جهادا, ومن موت الابرياء استشهادا, ووعدوا بجنات تجري من تحتها الانهار مليئة بالحور العين والغلمان والشراب. وقذفوا بالآلاف من الشباب لنيران حروب طاحنة لا نهاية, ودمروا اقتصاد البلد.

لم تستطع سلطة الانقاذ حتي تسيير المرافق التي تركها لنا المستعمر, فحطمت مشروع الجزيرة, وقضت علي الخدمة المدنية النزيهة, وعلي السكة حديد, علي التعليم, وعلي صحة البيئة, علي الخطوط البحرية والجوية, علي المصانع التي شيدها شعبنا بعد الاستقلال, وشردت خيرة المهنيين والخبراء. في عهدها انتشرت البطالة والجوع والفقر وازدادت نسبة الوفيات بين الامهات والاطفال.

نسبة لهذه الاوضاع اضطر شبابنا للهجرة الي الخارج بحثا عن عمل ليكسب لقمة العيش له ولعائلته. عدد المغتربين وصل الي ارقام لا تصدق, فهو يعادل ربع سكان السودان.

هذا الكم الهائل من المواطنين محروم من ابسط حقوقه, حق المواطنة وحق التصويت, فالسلطة نزعت عنهم حق التصويت لاي انتخابات تجري, الا انها تستجديهم لتحويل مدخراتهم بالعملة الصعبة حتي تستفيد هي منها.
السودان كان يحفل في عهد الاستعمار بحكم فيه ديموقراطية واستقرر ونماء وامن وعناية صحية وتعليم ورخاء وخالي من الحروب, فجاءت مجموعات الاخوان المسلمين فقلبت الموازين, ونشرت الحروب والفقر والجوع, والعطالة والتشريد من اجل التمكين, ومارست الفساد واللصوصية والمحسوبية, ونهبت اموال الدولة, وطبقت العنصرية البغيضة, والاستعلاء والاستبداد.
هذا ليس الاستقلال الذي كنا نريده.

الا شعبنا سيحقق استقلال حقيقي حين ينهض ويرمي بهذه العصابة الحاكمة في مزبلة التاريخ.

[email protected]

تعليق واحد

  1. يا دكتور ياابا محمد يا ابا آمنه.. عاطر التحيات اليك تنداح وتنساب منك الى كل من لديك سبب للاعتقاد اننا التقيناه فى صرحنا الحنتوبى الكبير ويذكرنا سلبا او ايجابا.. كل المنى ان ان نلتقى لحضور سبعيمية حنتوب هذا العام او فى مارس 2017 ( اذا تم التاجيل ليتزامن تماما مع يوم الافتتاح الرسمى فى مارس 1947 على يدى الحاكم العام ( طبعا الدراسه كانت بدأت فى اكتوبر 1946)
    اكيد تذكر كل الظروف والملابسات اللى احاطت باعلان الاستقلال من داخل البرلمان وما صاحبه من شد وجذب بين الانحاديين من جهة وحزب الامه ومناصرى الاستقلال من الاحزاب الاخرى من جهة احرى.
    الا توافقنى ان الازهرى اراد ان يحرز اصابة فى مرمى حزب الامه ويتم اعلان الاستقلال على يديه هو شخصيا خاصةوان ناس حزب الامه عامة (الانصار خاصّة) لم يكونوا راضين ان يتم ذلك على يدى من كان قبل شهور قلائل ينادى بالاتحاد مع مصر. طبعا لما اعلن ازهرى انه سيعلن الاستقلال من داخل البرلمان فى 19 =يسمبر 1955 لم يكن امام دعاة الاستقلال سوى المباركه! ولكنهم كطموا غبظهم و”صرّوها ” ليه وظلّوا يتربصون به الدوائر الى ان التقى السيدان واطاحوا به.. لما فقد سند النواب بعد تحالف حزبى الامه والشعب الديموقراطى! ليسلّمها “البيه” الى العسكر (رافعا شعار ” علىّ وعلى اعدائى )حالما جاءه الخبر اليقين بعودة الصفاء بين الازهرى والمراعنه فى داخل الحزب المتحد من جديد “ألأأتحادى الديموقراطى” .
    ورغم هذا وذاك لن ننسى مقولة محمد احمد محجوب (فى كتابه الديموقراطيه فى الميزان)ان لقاء السيدين كان واحدا من الكوارث السياسيه فى السودان ان لم يكن اكبرها !
    * اها كل الحكى اصبح تاريخ .. هل من بارقة امل او بصيص من نور فى نهاية النفق و يعيد التاريخ نفسه..نأمل ان تطول الآجال وتصدق الآمال ونكون من الشاهدين.. بس الزمن لا ينتظر..

  2. يا دكتور ياابا محمد يا ابا آمنه.. عاطر التحيات اليك تنداح وتنساب منك الى كل من لديك سبب للاعتقاد اننا التقيناه فى صرحنا الحنتوبى الكبير ويذكرنا سلبا او ايجابا.. كل المنى ان ان نلتقى لحضور سبعيمية حنتوب هذا العام او فى مارس 2017 ( اذا تم التاجيل ليتزامن تماما مع يوم الافتتاح الرسمى فى مارس 1947 على يدى الحاكم العام ( طبعا الدراسه كانت بدأت فى اكتوبر 1946)
    اكيد تذكر كل الظروف والملابسات اللى احاطت باعلان الاستقلال من داخل البرلمان وما صاحبه من شد وجذب بين الانحاديين من جهة وحزب الامه ومناصرى الاستقلال من الاحزاب الاخرى من جهة احرى.
    الا توافقنى ان الازهرى اراد ان يحرز اصابة فى مرمى حزب الامه ويتم اعلان الاستقلال على يديه هو شخصيا خاصةوان ناس حزب الامه عامة (الانصار خاصّة) لم يكونوا راضين ان يتم ذلك على يدى من كان قبل شهور قلائل ينادى بالاتحاد مع مصر. طبعا لما اعلن ازهرى انه سيعلن الاستقلال من داخل البرلمان فى 19 =يسمبر 1955 لم يكن امام دعاة الاستقلال سوى المباركه! ولكنهم كطموا غبظهم و”صرّوها ” ليه وظلّوا يتربصون به الدوائر الى ان التقى السيدان واطاحوا به.. لما فقد سند النواب بعد تحالف حزبى الامه والشعب الديموقراطى! ليسلّمها “البيه” الى العسكر (رافعا شعار ” علىّ وعلى اعدائى )حالما جاءه الخبر اليقين بعودة الصفاء بين الازهرى والمراعنه فى داخل الحزب المتحد من جديد “ألأأتحادى الديموقراطى” .
    ورغم هذا وذاك لن ننسى مقولة محمد احمد محجوب (فى كتابه الديموقراطيه فى الميزان)ان لقاء السيدين كان واحدا من الكوارث السياسيه فى السودان ان لم يكن اكبرها !
    * اها كل الحكى اصبح تاريخ .. هل من بارقة امل او بصيص من نور فى نهاية النفق و يعيد التاريخ نفسه..نأمل ان تطول الآجال وتصدق الآمال ونكون من الشاهدين.. بس الزمن لا ينتظر..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..