الدين والديمقراطية (1)

في الفكرة الجمهورية (لمؤسسها الأستاذ محمود محمد طه ? المفكر السوداني) الشورى هي وصاية الراشد على القاصر وهي درجة أقل من الديمقراطية. فعند الأستاذ الديمقراطية يبنيها الرجال الأحرار “لا ينجب هذا الرجل (الحر) إلا المجتمع الكامل، وهو المجتمع الذي يقوم على ثلاث دعامات: العدالة السياسية، وتسمى الديمقراطية، والعدالة الاقتصادية وتسمى الاشتراكية، والعدالة الاجتماعية”. ونرى أن كل هذه العدالات لا تتحقق إلا بالعدالة الفردية النفسية بتخليص النفوس من حالة الظلم القديم الذي أوقعنا فيه شرك الخروج عن النظام الأول والهبوط عن المقام الأول الذي ابتدره أبونا آدم وأمنا حواء. فالعدالة هي التوحيد في أسمى معانيه.
والمعادلة صعبة جداً فكل ميل إلى اتجاه يفرز مشاكل في إتجاه آخر. فالشورى في السياسة تُنصِّب مجموعة من الناس أوصياء على شؤون الناس. وهذا يقود لدكتاتورية الطبقة الحاكمة. وهنا تتضح ضرورة أن تتوسع الشورى إلى ديمقراطية كاملة. من ناحية أخرى لا يمكن أن تقام ديمقراطية سياسية بدون ديمقراطية دينية ولعل البعض يرجوا بدل الديمقراطية الدينية الشورى الدينية خوفاً من الخروج من النص الذي يصاحب الديمقراطية الفكرية في الدين.
من ناحية أخرى الشورى التي يدعو لها الكثير من الاسلاميين هي فرض رأي الأغلبية (المسلمة) على الأقلية مما يكبل العقول ويخيف النفوس من القول وإن كان قولهم حقاً. لقد اختار الغرب الحرية الكاملة بالرغم من محاذيرها. فالحرية بمحاذيرها أرحم من الدكتاتورية بمختلف صورها ومظاهرها. على كل حال يقول د. ترابي: “الشورى في الإسلام حكم يصدر عن أصول الدين وقواعده الكلية.. . البشر سواسية في العبودية لله”. وهذا قول جديد باضافته الشورى الى اصول الدين باعتبارها امر قرءاني وإن كانت مثلها مثل آية الدين لم تعتبر من فروض القرءان كما اعتبر غيرها من الاحكام ولذلك في تراث المسلمين لم تعتبر من اصول الدين.
فأصول الدين بحسب ما هي مفهومة يتفق عليها كل المؤمنين ولكن المجددين لا يتفقون مع المقلدين في تقعيد الأصول التي تقوم عليها تفاصيل الأحكام والتي هي أصول الفقه وفي طريقة بنيان الأحكام عليها. فالناس قد يتفقون في الأصول ولكن لديهم رأي آخر في منهج توليد الأحكام من هذه الأصول وهي نقطة خلاف طبيعي وصحي يجب أن تشجع وتصحح. لأن لا شخص يمكنه أن يدعي الحقيقة الكاملة. يقول محمد شحرور: “كل إنسان فرداً أم مجموعة يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يصبح مستبداً حتماً وبشكل آلي ولا يبقى أي مجال للحوار معه”.
[email][email protected][/email]