ديوان أبو السارة مجموعة رائدة!

عندي وصية لي الحكام قبايل وساسه
ضبط النفس ساعة الحار بشوفو كياسه
اطردوا فكرة الشيطان وحجّموا ناسه
شيلوا الصبر حبلين قبل نكوسوا كواسه
“الفاتح أبو السارة”
عندما تسمع عبارة “ديوان أبو السارة” أرجو ألا يتبادر إلى ذهنك ذلك “الديوان” المعروف لدى أهل السودان، بيد أن الرجل له ديوان واسع مفتحة أبوابه ويرتاده الأضياف ليل نهار، وله ديوان شعر تحت الطبع! ولكن الديوان المقصود هنا هو مجموعة اجتماعية وأدبية وثقافية تعنى بالشعر الشعبي بالدرجة الأولى. وتضم هذه المؤسسة في عضويتها عدداً مقدراً من الشعراء والمهتمين بالشعر الشعبي من كل أنحاء السودان، ويوجد مقرها الرئيس في مدينة أم درمان. ويرأسها الشاعر الكبير الفاتح علي بشير (أبو السارة) ومن كبار رواده الآن الشاعر عبد الله ود إدريس والشاعر الرشيد البري والاخوان أشرف وأمجد وغيرهم من الشعراء والمبدعين في مجال الفن والشعر الشعبي خاصة الدوبيت. ويضم الديوان أيضاً شخصيات من التجار والأطباء وأستاذة الجامعات؛ فهو لذلك قمين بأن يقوم بدور ثقافي واجتماعي كبير في مختلف مناطق البلاد. ومع أن ديوان أبو السارة قد نشأ كصالون أدبي يلتقي فيه الشعراء ليستمعوا لبعضهم البعض، إلا أنه قد تطور بمرور الزمن إلى مؤسسة رائدة ذات مهام كثيرة ومتنوعة. ومما يميز ديوان أبو السارة عن غيره من الهيئات المشابهة، هو ترابط عضويته ووحدة هدفهم ووضوح رؤيتهم وديناميكية تحركهم وبعدهم عن كل ما يمكن أن يعر صفو العلاقة بينهم؛ وهذا في حد ذاته قد يكون كافياً لما حققوه من نجاحات في كثير من الحالات حتى الآن. كما أن الإحساس الأخوي والترابط، ورفع الكلفة، والروح الأدبية السائدة، وسط هذه المجوعة، هو ضمان للحافظ على توازن المجموعة وتماسكها ومضيها قدماً في تنفيذ برامجها على الصعيدين الأدبي والاجتماعي. وتخضع هذه المجوعة لنظام داخلي صارم وملزم لكل العضوية؛ بمعنى أنها تتبع نظاماً إدارياً يقوم على توزيع الأدوار والمهام بشكل يتيح الفرصة لكل عضو أن يجد نفسه وسط المجموعة وهذا ما تفتقده المؤسسات الأخرى التي تعتمد على نظام سلطوي جاف لا يراعي الفوارق الشخصية والقدرات، ولكن هؤلاء الفتية يطبقون مبدأ أنّ في كلٍ خير؛ وهذا لعمري سبب آخر للنجاح ينبغي الإشادة به؛ خاصة إذا علمنا أن المؤمنين يسعى بذمتهم أدناهم، بينما أعضاء ديوان أبو السارة ليسهم فيهم “دون” بل كلهم قامات سامقة تصلح لأن تكون قدوة للآخرين. ديوان أبو السارة تجاوز حدود العاصمة المثلثة وخرج إلى الأقاليم مشاركاً في تسوية النزاعات التي قد تنشأ بين بعض الجهات، وشمل نشاطهم حتى دفع الديات والمصالحات الودية في حالات القتل غير العمد. وهذا حراك وعمل يعطي المنتديات الأدبية الفرصة للقيام بمهام إضافية؛ الأمر الذي يجعلها أكثر قرباً من الناس، وبالتالي يمكنها نشر رسالتها الهادفة بالاستفادة من الأدب والثقافة لتكون مدخلاً لإعادة وحدة الصف وإصلاح ذات البين، بعيداً عن التجاذبات الجهوية والسياسية والأجندة الخاصة! وحسب علمي، فقد نجح ديوان أبو السارة في تسوية حالات فشلت فيها مؤسسات ذات ثقل إداري كبير. ومرد ذلك كله أن أعضاء المجموعة قد تساموا عن الانتماء القبلي وتوصلوا إلى مقاربة تفضي إلى قدر من الشفافية والمصارحة والصدق في التعامل حتى صاروا مقبولين لدى كثير من الجهات والأفراد. ليس هذا فحسب، بل إن الديوان لم يغفل عن نشاطه الشعري والأدبي؛ إذ ظل يستصحب الشعر والفن الشعبي في كل مشاركاته الاجتماعية واسهم هذا أيضاً في مقبوليتهم لدى الآخرين؛ ويضاف إلى ذلك كرم هذه المجموعة أفراداً وجماعة، فكم نحروا من جزور إكراماً لضيفهم وقدموا له القِرى بلا منٍ ولا كلام؟ وأي شيمة وفضيلة أجمل من الكرم لدى العرب عموماً والشعب السوداني على وجه الخصوص. وحسبما علمت فإن مجموعة ديوان أبو السارة دأبت على المساهمة في المناسبات مثل الختان الجماعي وحفلات الزواج والمآتم بالحضور والمساهمة المادية أيضاً. هذه المجموعة الرائدة تصلح لأن تكون نواة لحراك ثقافي من شأنه أن يردم الفجوة بين مختلف المكونات الاجتماعية، ويقرب المسافات بين الناس ويعزز التواصل بين فئات عمرية ومهنية وأدبية متعددة المشارب والانتماءات، وهذا أمر مطلوب في وقت يشهد فيه السودان نعرات لم تكن موجودة من قبل. ومما تجب الإشادة به أن مجموعة ديوان أبو السارة تتواصل مع وتشارك كل مكونات المجتمع بغض النظر عن الموقف الفكري أو السياسي ومن ذلك مشاركتهم في زيارة الشيخ الدكتور خالد الغامدي، إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة للسودان؛ سعياً منه للصلح بين أبناء العمومة من الرزيقات والمعاليا. فقد أبدع الشاعر أبو السارة قصيدة عصماء وجدت القبول والاستحسان من الضيف الكبير الذي شرف البلاد، وجاء فيها:
آب رأياً سديد في الدين وفي الجودية
دايرينك تشيل من ناسانا ها الجهوية
دارفور بلد القيم راجياك معاها بلية
ربي يسخّر الصلح البقالنا هوية
هذه الدعوة الصريحة لمحاربة الجهوية تكفي لأن يجد ديوان أبو السارة الدعم والمساندة.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..