خلاصة الحوار بين شهرزاد وشهريار

رأي

خلاصة الحوار بين شهرزاد وشهريار

حسن أحمد الحسن

ذكرتني حوارات المؤتمر الوطني مع القوى السياسية بأسطورة شهرذاد وشهريار الملك. وتروي حكايات ألف ليلة وليلة أن شهريار كان يتزوج في كل ليلة عذراء ثم يقتلها لمعاقبة النساء في شخص زوجته التي أحبها، لأنه اتهمها بالخيانة.
وبقيت شهرزاد الوحيدة أمام امتحان البقاء وهي المستعصية الأخيرة التي تميزت بالذكاء والقدرة على تطويل الحكايات والقصص لشهريار، حيث كانت تروي له حكايات مسلسلة من كل الألوان حتى ينتهي الليل، ويدرك شهريار الصباح لتضمن سلامتها تجنبا لقتلها.
وما بين حوارات المؤتمر الوطني والقوى السياسية صلة وثيقة، حيث هدف «شهريار الوطني» هو الاستماع إلى الروايات والحكايات لذاتها لا للعمل، فيما لا تقبل «شهرزاد القوى السياسية المعارضة» على الحوار باعتباره الخيار الأمثل لتجنيب البلاد من خطر العنف في ظل ظروف معقدة ومحفوفة بالمخاطر.
ولعل آخر تلك الحوارات ما يجري بين الأمة والوطني، والأمة هو آخر الأحزاب التي استعصت على المشاركة والطمع في المناصب الشكلية دون برنامج محدد ومتفق عليه، وهذا حقه الذي نشهد له به، فيما لم ينج البعض من سياف شهريار.
في لقاء إذاعي أجريته مع الأمين العام لحزب الأمة السيد صديق إسماعيل قبل أيام حول مآلات هذا الحوار، قال إن هناك ثلاث قضايا مازالت معلقة في انتظار لقاء المهدي والبشير، تشمل قضية الدستور ودارفور والعلاقة مع الجنوب، مفصلا نقاط الخلاف، بينما تم الاتفاق حول مجمل القضايا الأخرى، وهي القضايا الاقتصادية وقضايا السياسة الخارجية وقضية الحريات.
أما القضايا المختلف عليها فهي أهم القضايا، حيث مازالت تتباين الرؤى حولها، فبينما تصر الحكومة على تعدد الولايات يصر الجميع على وحدة الإقليم، وأن يعود الوضع الإداري إلى سابق عهده، وأن تعود الأقاليم إلى السودان كما كانت شمالي وأوسط ودارفور وكردفان وشرقي، بالإضافة إلى العاصمة بعد ذهاب الإقليم الجنوبي إلى مصيره.
ولا يزال الجدل قائماً على التفسيرات الدستورية، حيث يرى الأمة أن تصوره للدستور يحوي عشر نقاط أبرزها، أولا دولة مدنية تحقق المساواة بين المواطنين وتؤكد أن الشعب هو مصدر السلطات والمواطنة أساس الحقوق والواجبات واللامركزية. ثانياً مؤسسة الرئاسة التنفيذية للبلاد يراعى فيها تمثيل أقاليم السودان، وتتولى التشريع فيها هيئة ديمقراطية منتخبة لا تعتمد على التشريع الا بعد إجازته في هذا المجلس، وحماية الحريات الدينية والإثنيات، وإلغاء كل القوانين التي تتعارض مع المواثيق الدولية التي وقع عليها السودان، ومستقبل العلاقات مع الجنوب، والوضع في مناطق التماس بين الشمال والجنوب.
ولعل هذا ما عبر عنه المهدي في حواره مع «العربية نت» بقوله إنه لا يتوقع اتفاقا بين حزبه والمؤتمر الوطني قريبا، «لأن ذلك رهن بحدوث اختراق في القضايا الجوهرية المختلف عليها». إلا أنه أكد أن حزبه سيحسم الحوار مع المؤتمر الوطني قريبا بالاتفاق أو بالاختلاف.
وقال إنه إذا بقيت المسائل المختلف عليها ستتم مناقشتها في ملتقى قمة بينه والرئيس البشير، مبيناً أنه عين لجنة من حزبه لتحديد المطلوب إذا حدث اتفاق مع المؤتمر الوطني. وقال «هذا يعني ضرورة وضع ضوابط حتى لا يكون الاتفاق كسابقاته من الاتفاقات مع المؤتمر الوطني التي لم تتحقق. وهي الاتفاقات التي هي أشبه بحكايات شهريار وشهراذ، كما أن هذه اللجنة ستحدد ما ينبغي عمله في حال تم الاختلاف معه حول القضايا الجوهرية».
أما الوطني فيبدو أنه لم يحسم أمره بعد حول قضية الديمقراطية والوصول إلى منتصف الطريق مع الآخرين، رغم المتغيرات المتسارعة التي طرأ ت وتطرأ كل يوم على المنطقة من حولنا، بسبب بعض قياداته التي وصفها الدكتور الطيب أحمد زين العابدين «بدعاة عنف البادية» من الذين يعتقدون أنهم جاءوا للسلطة بالقوة ومن يريد السلطة عليه أن يستل سلاحه وينازلهم.
وهي حالة قضى عليها الواقع بعد مشاهد الثورة المصرية، وتحول الحزب الوطني الذي كان حاكما في مصر بعد أن كان المهيمن والمسيطر في ما يشبه المعجزة، تحوله إلى حزب محظور ومشبوه يتقاطر قادته إلى سجن ليمان طرة، وهم في دهشة مما آلت إليه الأحداث، رغم كل ما كان لديهم من أسباب الهيمنة والقمع وآليات الترغيب والترهيب.
وكما أشارت الكاتبة الصحفية هدى الحسيني في مقال لها في «الشرق الأوسط» إلى أنها تخشى أن يضّيع المؤتمر الوطني فرصة ذهبية أمامه الآن لإحداث تحول ديمقراطي حقيقي في السودان يصوّب مساره، فإن هذه الخشية مازالت قائمة أمام إصرار البعض في الحزب الحاكم على قتل كل محاولات الخروج من المأزق.
ولعل آخر الآمال مازالت معلقة على لقاء البشير والمهدي المرتقب، بما يفتح خارطة طريق لحل الأزمة ويحقق الاستقرار.
ونأمل أن يستوعب شهريار الحزب الحاكم المتغيرات على الساحة ومن حولنا، وألا يستهوي عادة الحوار المفتوح المستدام على طريقة حكايات ألف ليلة وليلة، فالأزمة واضحة المعالم، وسبل الحل جلية، والمطلوب فقط قدر من التواضع والإرادة وشيء من الشجاعة وبعض من حب هذا الوطن.
واشنطون

الصحافة

تعليق واحد

  1. [اقتباس]والأمة هو آخر الأحزاب التي استعصت على المشاركة والطمع في المناصب الشكلية
    عجبي يا الحسن !!!!
    طالما الاحزاب تحتفظ بقيادييها الذين اكل الدهر عليهم وشرب فيبقي الكيزن خيرا منهم وتأكد عندما تندلع الثورة فلا نريد قيادات الاحذاب المهترأة ان تحدث نفسها بالوثوب علي السلطة ولكن مرحبا بهم بين صفوف الشعب الذي يخرج الي الشارع لاسترداد حريته وكرامته هذا اذا خرجوا لانهم يؤثرون السلامة مضحيين بالاخرين لاجل مصالحهم الشخصية وليس من اجل عيون الشعب السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..