النصف الفارغ من المينشيت

في صحف الأمس ثلاثة أخبار لأزمات ومشاكل صحية في البلاد كل خبر فيها أفجع من الآخر، لكن برغم ذلك لم ينافس أي منها للعب في دوري (الصفحة الأولى) في معظم صحف الخرطوم باستثناء نصف مينشيت منحته الانتباهة لتصريحات عماد الدين الجاك، وزير الصحة في ولاية الجزيرة، بخصوص 44 حالة وفاة وإصابة بالإسهال المائي في ولاية الجزيرة، مناصفة مع خبر إعفاء محافظ بنك السودان في عنوان الصحيفة الثاني .
وهناك تصريحات أخطر لمأمون حميدة يتوقع فيها إصابة 1000 شخص شهرياً بالسرطان في ولاية الخرطوم .
وفي نفس يوم أمس – يوم أخبار الأمراض والأوبئة هذا – تنشر صحف أمس في صفحاتها الداخلية تصريحات لمدير إدارة الأمراض المنقولة في وزارة الصحة الاتحادية، لدى مخاطبته منتدى تعزيز الصحة في الوزارة، يكشف فيها عن انتشار الإصابة بمرض البلهارسيا والديدان، المنقولة بالتربة في كل ولايات البلاد، بنسب متفاوتة..!
شعرت وأنا أطالع أخبار الأمراض الموزعة داخل أحشاء الصحف هذه بأن كل مسؤول صحي في السودان ستكون لديه أخبار مماثلة أو أفجع منها، إما أنه لا يهتم بتبليغ الإعلام بها أو أنه يمارس عادة سيئة لمسؤولي وزارة الصحة كنا قد أشرنا إليها من قبل بأنهم لا يكشفون عن أخطر المعلومات بخصوص انتشار الأمراض والأوبئة إلا في مناسبات اليوم العالمي للمرض أو الوباء المحدد..
فلا نعرف واقع الأيدز في بلادنا إلا في مطلع ديسمبر من كل عام ولا نعرف حجم انتشار السرطانات إلا في احتفالات الوزارة بيوم كل سرطان منها.
لذلك لم تعد أخبار الأمراض والأوبئة تنافس غيرها من الأخبار في صدر الصفحات الأولى في الصحف لأن رب بيتها أي المسؤول الصحي المعني بها لا يتذكر مسؤوليته في التوعية الإعلامية للوقاية من المرض المحدد إلا يوماً واحداً في كل عام، أو حين يضطر لذلك بعد أن يعزز الوباء انتشاره في البلد..
حين تفقد أخبار الأمراض والأوبئة وأرقام الوفيات أهميتها ومكانها في صدر الصفحات الأولى والتي من المفترض أنها متقدمة على خبر إعفاء محافظ البنك المركزي وتمرير التعديلات الدستورية والتسوية المرتقبة مع الشعبي، حين تفقد هذه الأخبار الكارثية موقعها فإن ذلك يعني أن هناك كوارث أكبر مثل عدم الوعي الكارثي العام عند نسبة عالية من القراء يتسبب في جعل مينشيت الأوبئة غير جاذب للقارئ وبالتالي فإن محرري الصفحات الأولى في صحف الخرطوم يعتذرون عن تخصيص المساحة المستحقة لمثل هذا الخبر ويحشرونه في بطن الصحيفة في حالة وجود أخبار أخرى ولو كانت بمستوى خبر (علقة) حرس موسيفيني لحرس السيسي..
كذلك توجد حساسية أعلى من اللازم في تصنيف أخبار الأمراض والأوبئة على أنها أخبار سلبية تضر بسمعة البلد، وهذا خلل كبير في تقدير أولويات الأمور، مثل من يصاب بجلطة دماغية فيطلب أهله الانتظار حتى يحفوا له شاربه ويعلقوا ربطة حول عنقه قبل السماح لسيارة الإسعاف بنقله بفقه (السترة والفضيحة متباريات).
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتي
اليوم التالي