علماء السودان.. لا تنه عن فعل وتأتي مثله

هيئة علماء السودان أفتت يوم السبت بتحريم التمباك، على خلفية خبر تناولته الصحف يوم الخميس بوجود كمية من (التمباك) ضمن مواد عينية تبرع بها تجار في ولاية شمال دارفور لدعم نفرة حزب المؤتمر الوطني، واستنكرناه من باب انتقاد قبول الحزب لهذه الهدية.. ومن باب النصح والتنبيه لعدم الاستفادة من ريع هذا (التمباك)؛ لأن الحزب الحاكم وهو حزب مرجعيته إسلامية ومشروعاته في المجتمع ظلت تطلق شعارات وبرامج تجعل موضوع التمباك هذا يسقط به في تناقض كبير بين لسانه ويده وجيبه.
هذه هي الفكرة.. وأعتقد أن تركيز الصحف أو التناول الإعلامي لحملة التبرعات في هذا الموضوع، هو من صميم دور الإعلام؛ لأن إغفالها يعني التأكيد على سلامة الأمر وصحته، تماماً مثلما اضطر رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح لإعلان فتوى دينية بتحريم التمباك، بحسب ما يظن أنه واجبه، ثم طالب الأجهزة الأمنية والدوائر ذات الصلة بمحاربة زراعة التبغ .
نحن كصحافة لا نحرّم ولا نحلل.. وليس لنا علم أو معرفة أو اختصاص، لكننا نقوم بواجبنا الإعلامي ونستنكر هذا الفعل، ليس من باب الحلال والحرام؛ لأنني لم أكن أعلم حتى أمس، أن هيئة علماء السودان تحرم تعاطي التمباك، إلا بعد أن صدرت عنها هذه الفتوى على خلفية الموضوع نفسه.. فهل يقبل رئيس هيئة علماء السودان أن يتم اتهامه بأنه أصدر هذه الفتوى وصرح بها في هذا التوقيت، لإشعال موضوع تمباك المؤتمرات التنشيطية وإثارة ضجيج حول الموضوع، مثلما قام هو بمهاجمة الصحف أمس على تناولها للموضوع، ووصف تركيز الصحف على التمباك الذي تبرع به التجار دون غيره من التبرعات، بأنه إمعان في الإثارة وإحداث البلبلة والضجيج..؟!
ما هذا التناقض..؟ ولماذا لم يثر رئيس هيئة علماء السودان موضوع تحريم التمباك إلا أمس..؟!.. طالما أن التمباك حرام شرعاً، بحسب الفتوى التي نشرتها الصحف على لسان رئيس الهيئة محمد عثمان صالح، ماذا كان ينتظر بفتواه.. هل كان ينتظر إثارة الموضوع من طرف آخر مثلاً..!
وطالما أنه يعتقد بتحريم التمباك ما الذي يجعله يتهم نوايا الصحف بهذه الاتهامات المباشرة، ولا يقدم الظن الحسن في هدفها من التناول والتعليق على الموضوع.. أليس من الممكن أن تكون الصحافة تسعى بتناولها والتركيز على التمباك، إلى درء المفاسد الذي هو مقدم على جلب المصالح؟ .
لماذا لا تظن فينا خيراً وتعتبر أننا اعتمدنا على هذا المبدأ الشرعي، فكان التركيز على الجانب المظلم في خبر التبرعات دون نفي أو إهمال الجوانب الأخرى .
تصريح رئيس هيئة علماء السودان هو تصريح متناقض تماماً، ينهى فيه الصحافة عن إثارة قضية أثارتها بمعايير (الضرر والضرار)، وربما معايير صحية وأخرى تربوية ترتبط بطبيعة الحزب الذي تنتقده في ذلك السلوك، ثم يعود رئيس الهيئة نفسه ويمنح هذه القضية زخماً أكبر بفتوى تحريم التمباك التي يصدرها فقط أمس، وفي نفس هذا التوقيت الذي تثار فيه قضية التبرعات، في حين أن التمباك هذا يتم تعاطيه في السودان منذ قرون..!!
لا تجعلوا الصحافة حائطاً قصيراً لاعتذاركم للحكومة أو للحزب الحاكم عن فتوى أصدرتموها.. كونوا أكثر شجاعة، ففتواكم تلك وانتقادات الصحافة من المفترض أنها جميعها نشاطات تحقق في نهاية المطاف نفس الهدف.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..