أدفع وأكسب شهادة تجنن

كتبت في الزميلة المأسوف على شبابها»حكايات»، عن حصولي على بكالريوس في الطب من جامعة هارفارد الأمريكية، رغم أنني كنت، وإلى عهد قريب، اعتقد ان الحجاب الحاجز، تعويذة تلبس حول الرقبة لمنع المرض والعين الحاسدة، فقد أحسست بمركب نقص بعد أن صار الماجستير في السودان أكثر تفشيا من الاسهال المائي «هل هناك اسهال جاف أو ترابي؟»، بل إن الكثيرين عندنا نالوا لقب بروفسر بعد نشر ثلاث مقالات في مجلات الأسرة وزهرة الخليج وماجد.
كما انتبهت إلى أن الآباء والأمهات، صاروا لا يريدون لعيالهم حياة مهنية سوى في مجالي الطب والهندسة، وأنا احمل بكالريوس آداب صلاحيته انتهت بالتقادم، كما ان عيالي فضحوني برفضهم دراسة الطب والهندسة، فقررت الدفاع عن شرف العائلة بالحصول على شهادة طبية من أشهر جامعة في العالم، فبحثت في الإنترنت عن جهات تعطي شهادات بسعر التكلفة، وما ان كتبت عبارة forged certificates حتى عثرت على كنوز من الشهادات، وملأت استمارة بكلام خارم بارم عن أنني ـ بدون فخر ـ زبون دائم في أكثر من مستشفى، وطلبت بكالريوس طب من هارفارد فجاءني الرد خلال ثوان: عندنا كم ابو الجعافر. طلباتك أوامر. ادفع 199 دولارا والشهادة تكون عندك «هوا»، ودفعت ال199 دولارا.
ستقول إنني أحمق. الله يسامحك، فغيري يشتري شهادات في الإدارة والشطارة من جامعات تحمل أسماء مثل مانشستر يونايتد نظير 8000 دولار.
وبما ان طموحي بلا حدود فقد قررت الحصول على مؤهلات إضافية وكتبت لنفس الجهة التي زودتني ببكالريوس الطب، لتمنحني شهادة في القانون من أوكسفورد، ولما طالبوني ب199 دولارا، فقلت لهم انني مواطن من شمال السودان الذي يتعرض سكانه لهجمات من مليشيات تحمل اسم «الأجاويد»، وأن الحكومة تحرمنا من التعليم الجامعي والوظائف، وبعد «يفتح الله، يستر الله» قالوا إنهم ـ وتقديرا لظروفي الخاصة، سيعطونني بكالريوس القانون بمائة دولار فقط.
وضحيت ب299 دولارا لقطع الشك باليقين، لأنني قرأت اسم شخصين سودانيين مشهورين في قائمة نشرتها صحيفة الكترونية أمريكية، عن آلاف الناس المسلحين بشهادات كتبلاص من بينهم مئات العرب، ولأنني أشك في أمر كثيرين في بلادي «تدكتروا» فجأة وبلا مقدمات، وحققوا قفزات أولمبية في مجال الوظائف
شهادة الطب التي بين يدي تهبل لأنها طبق الأصل، وكل ما يلزمني لاستخدامها هو الحصول على شهادة ميلاد مزورة، واستخدام صبغة شعر من الصنف الممتاز، وسأختار بين الطب والمحاماة بعد إجراء دراسة جدوى، ولكن إبليس قال لي: خليك بتاع طب تجميلي واختصاصيا في مجال تقشير الجلد. ولا تحسدوني يا جماعة لأنني صاحب كوكتيل مؤهلات جامعية، بل كونوا طموحين، ولا تضيعوا وقتكم في الدراسة واكتفوا بجمع بعض المال وستجدون في الخرطوم بقالات تمنح شهادات أشكالا وألوانا، منها ما هو محلي ومنها ما هو مستورد. واسأل طلاب جامعاتنا عمن يقومون بكتابة مشاريع التخرج والدرجات فوق الجامعية نيابة عنهم مقابل ما بين 5000 و15000 جنيه
ولا تحمل هم ان العديد من الكليات والجامعات في السودان لا تحظى باعتراف وزارة التعليم العالي، طالما أن أصحابها لا يعترفون بوزارة التعليم العالي، ويسلمونك الشهادة مبروزة وموثقة، وبالمقابل فقد تدرس في الخارج في جامعة حقيقية ذات شنة ورنة، وتظل تتبهدل لسنوات لمعادلة شهادتك وقد يقولون لك في خاتمة المطاف إنها غير معترف بها.. على إيه؟ هات من الآخر وتوجه الى بقالة جامعية «معترف بها» لتحصل على شهادة وارحم نفسك من السهر ووجع الرأس.

الصحافة