نعم نحن نحب بلادنا ولكن

كثيرا ما يخلط الناس بين القومية والوطنية وهما فى الاساس تعبيران مختلفان تماما. والسودان هو وطننا ونحن نحبه لانه ارضعنا وعلمنا واعطانا حبا وهوية ونكهة مميزة لكن الحب القومى هو شئ اخر. والامة او القوم كما عرفتها معظم القواميس هى مجموعة كبيرة من الناس يجمعهم رابط مشترك مثل الاصل الواحد او التاريخ او الثقافة او اللغة او الدين. ونحن فى السودان لم نستطع ان نحافظ على وطن واحد موحد فكيف نتحدث عن امة
حب الوطن لا يكون بالغناء او الاناشيد او الخطب الرنانة وحدها. واذا ردد 36 مليون سودانى كلمات الاغنية نفسها وفى نفس الوقت, فان هذا لن يصنع وطنا. الوطن نبنيه بالعمل المثمر والارادة المخلصة الجادة المتجردة من حب الذات والانانية. والسودان يشهد اطول وافظع حرب اهلية فى افريقيا وطوال سنين هذه الحرب ظلت الحكومات المتعاقبة تردد نفس العبارة وهى انها تريد المحافظة على الوطن وترابه والنتيجة هى فصل الجنوب وتلويح اقاليم اخرى بالانفصال. الوطن ليس حكايات او اناشيد كما يقول الشاعر محمود درويش
علِّقوني على جدائل نخلهْ
واشنقوني … فلن أخون النخلهْ
هذه الأرض لي… وكنت قديماً
أحلبُ النوق راضياً ومولَّهْ
وطني ليس حزمه من حكايا
ليس ذكرى, وليس قصةً أو نشيداً
هل التراب اغلى من الانسان؟ بالطبع لا لكن اضابير المنظمات عن الحرب تفشى حقائق تذهل. ان الحرب الاهلية المشتعلة منذ عام 1955 خلفت ملايين المشردين والموتى والجوعى والثكالى والمغتصبات. وقد قتل جيش البشير وميليشياته ثلث مليون دارفورى وشرد 2 مليون نازح و ارغم مليون ونصف على مغادرة دارفور وتقديم طلبات لجوء فى الخارج ومازال هنالك 4 مليون من سكان هذا الاقليم يعتمدون على الاعانات التى تقدمها المنظمات الاجنبية فى شكل مواد غذائية وادوية وغيرها. وفى جبال النوبة حصدت قنابل الموت ارواح 2 الف طفل منذ اندلاع الحرب مرة اخرى هناك فى عام 2011. وفى اقليمى النيل الازرق وجبال النوبة قتل الحرب مئات الالاف وشردت مليون وثلاثة ارباع المليون داخل السودان بينما اضطر ثلث مليون الى اللجوء الى الدول الاخرى. وهذه الارقام لا تشمل ضحايا الحرب التى كانت مندلعة فى جنوب وشرق السودان ولا ضحايا السدود والانتهاكات الاخرى لحقوق الانسان. هذا واقع مرعب والمسؤول عنه يدعى انه يحب الوطن وهو محض كذاب اشر. هؤلاء بشر ومن يدعى ان باستطاعته ازالتهم من خارطة السودان حتى يتسنى له اقامة دولته المزعومة فهو واهم. وثمة حكاية تقول ان ضابطا كبيرا فى فترة حكم الدكتاتور ابراهيم عبود اقترح على الرئيس ان يسمح له بحرق الجنوب بغاباته وحيواناته والبشر اجمعين. فاذا صحت الحكاية فانها لم تك سوى احلام زلوط لان عهد المحارق انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية والى الابد
هنالك فرضية واحدة فقط تفسر اصرار الحكومات المختلفة على استمرار الحرب الاهلية البشعة فى السودان وهى ان من يصرون على عدم وقفها يعتقدون ان سكان تلك المناطق ليسوا بشرا وبالتالى تجوز ابادتهم. وقد ردد مسؤولون سودانيون عبارت تدل على ذلك الموقف بل تناقلت وسائل التواصل الاجتماعى شريط فيديو يظهر فيه احمد هارون حاكم شمال كردفان وهو يامر جنوده بقتل الاسرى فى جبال النوبة, وقال لهم انه لا يريد اعباء ادارية. هذا المجرم يسمى الاسرى اعباء ادارية, ولا غرو فرئيسه ينعت مؤيدى حزب سودانى معروف بالحشرات بل يزعم زورا وبهتانا ان الوضاعة مسوغ لاغتصاب نساء دارفور
نحن مجموعة شعوب تسكن فى وطن واحد هو السودان. نعم نحن نحب وطننا بالرغم من الحيف والقهر الذى طال السواد الاعظم منا من قبل الحكومات المختلفة والذى بلغ مداه الاكثر فظاعة فى عهد حكومة الجنرال البشير. ما يجمعنا هو الارض فالتاريخ مختلف عليه. وهنالك الكثيرون الذين لا يستطيعون التفريق بين نقد فترة تاريخية معينة ورفضها برمتها. والى ان نعثر على منهج يوحد رؤانا حول تاريخنا فعلينا ان نتفق على المحافظة على ارض الوطن بحدودها الحالية, اما الجنوب فقد ذهب من غير عودة. وقد برز فى السنوات الاخيرة شعار دولة المواطنة الذى اصبحت تلوكه كل الالسن من دون ان تتحدث حديثا واضحا حول كيفية تطبيقه. ولا يمكن ان نتحدث عن المواطنة ما لم نؤمن ايمانا حقيقيا بالتنوع والتعددية. والدول المتقدمة تضع قوانين وتطبقها وتضع تدابير واضحة وعادلة لادارة التنوع والتعددية فلا يكفى الاعتراف وحده ولا قبول الاخر بل يجب كذلك ان يحمى القانون الاقليات الدينية والثقافية وغيرها ويساعدها فى تطوير ثقافاتها ومجتمعاتها
والدولة ذات الحكم الراشد يجب ان تتعامل بحياد ونزاهة وتجرد مع الاديان المختلفة والثقافات والاقليات لكن الواقع فى السودان يكذب ذلك. وخير دليل على ذلك هو اجراءات الحصول على الجنسية السودانية, فهنالك انحياز واضح ضد اقليات بعينها باعتبارهم غير سودانيين على الرغم من ان منهم من هم من الجيل الرابع او الخامس من المهاجرين. وفى عهد الدكتاتور جعفر النميرى كان الناس يتبادلون حكايات منها ان العسكرى يطلب من الارترى او الاثيوبى ان ينطق كلمة الحصاحيصا واذا فشل فى ذلك فان الشرطى يزج به فى سجن الترحيل
–
محمد مهاجر
[email][email protected][/email]