شقاوة المسنين

طالعت أخيراً رواية «عصابة المسنين»، أو «العجوز» التي حطمت القواعد، للكاتبة السويدية كاثرين انغلمان سوندبيرغ، التي تبدو وقد غدت مشهورة بعد صدورها منذ عام أو عامين، وترجمتها للغات عديدة، كما هو شأن الأدب الذي يكتب بأي لغة أوروبية، إذ ما يلبث أن تتلقفه كل اللغات المجاورة وتتبنى تعميمه، لدرجة أن الكاتبة استغربت بشدة، من الحشد الذي كان في انتظارها، حين ذهبت إلى دولة جارة لتوقيع نسخة روايتها المترجمة إلى لغة تلك الدولة.
الرواية، وأعني «عصابة المسنين»، جاءت بالطبع بعد رواية السويدي يوناس يونسون المعروفة باسم «المئوي الذي قفز من النافذة واختفى»، وهي كما هو معروف لكل من قرأها، سيرة عجوز في المئة من العمر، فر من بيت المسنين الذي يقطنه، في يوم الاحتفال بعيد مولده، ليمارس شقاوة غير متوقعة من شيخ بطيء الحركة مثله، شقاوة فيها سرقة وقتل، ومقالب بلا حضر، وكثير من نزوات الشباب التي كان من الممكن أن تهلكه لكنها لم تفعل لحسن الحظ، لتزداد متعة القراءة.
العجوز هنا شقي، أي عكس العجوز المتعارف عليه في الدنيا كلها، وأعني العجوز الجد، الذي يبدو وقورا جدا، ملتصقا بالآخرة، أكثر من الدنيا، صامتا في معظم الوقت، أو متحدثا عن أيام خوال، بكثير من الحسرة، وإن أصيب بالخرف، تبدو الأشياء في أغلبها بدائية، واللغة باهتة، وبعيدة جدا عن السلوك الشقي الذي ظهر عند ألن المئوي، بطل رواية يونسون، وعند مارتا، بطلة رواية كاثرين، وعصابتها التي أنشأتها داخل بيت للمسنين، كانوا يقضون فيه سنواتهم أو أيامهم الأخيرة.
العجوز الجد، العادي، المتأبط للحكمة والوقار، لا يخطر على بال الناس عادة، في أي وقت وأي مكان، لأن تلك الشخصية هي الغالبة في كل المجتمعات، ودائما ما تجد الصبي يتقرب إلى جده، محاولا اللحاق بحكمته ووقاره، والأب أيضا يحاول أن يبدو مثل أبيه وغالبا لا يستطيع أن يكون أباه، إلا حين يشيخ مثله. على العكس يمكن بسهولة أن نتذكر العجوز الشقي، أي العجوز النادر، ويوجد من هؤلاء قليلون. لا بد أن روايتي يونسون، وكاثرين اتكأت على نماذج منهم، وأذكر أننا حين كنا صغارا، كان يسكن في حي مجاور لحينا، عجوز محني الظهر جدا، كان في معظم وقته يتجول في الشارع، يدخن السجائر، يغازل النساء الكبيرات والفتيات الصغيرات، ويمكن أن يمد يده ليلمس صدرا أو يجر، أو يرفع ثوبا لفتاة عابرة، وقبل أن يشتمه أحد، ينزع طقم أسنانه، ويتصنع الدوار، فيضحك الناس وينصرفون. وقد كنا نهابه بشدة، نصادق واحدا من أحفاده، لكننا لا نقترب من شارعه كثيرا، ولطالما كان الحفيد، عابسا، وانطوائيا ولم يتفتح وجهه بالابتسامات، ولم ينخرط في مجتمعنا ويلعب معنا الكرة بانتشاء، إلا بعد أن مات جده . هذا بالطبع نموذج لعجوز يمكن أن يدخل في رواية مجرمة فيها فضاء شاسع لمزاولة الشقاوة المسنة، ويمكن أن تكون فيها حانات ومواخير أيضا، وقد كان الجد يتحدث بالفعل، عن مواخير قديمة كان يرتادها، ونساء إنكليزيات وإغريقيات، تبادل معهن الخطيئة، أيضا كان يتحدث عن الخمور البلدية والمستوردة بشقاوة ملحة. وحين عملت مفتشا طبيا في الحدود، تعرفت إلى جد مدهش، منغمس في الأوزار، وكان في الخامسة والثمانين، كان يروي النكات المحرمة، ويضحك بهستيريا أكبر من طاقة تحمله، ويخترع أوصافا للنساء يستخدمها بجرأة، في أي وقت. لقد تأكد لي الآن، أن ذلك الرجل، ربما كان سيصبح بطلا لرواية شبيهة برواية السويدي، أو عضوا في عصابة المسنين لكاثرين، لو كان ثمة نصيب لمثله أن يكتب في رواية.
أعود لرواية كاثرين لأقول إنها عممت الشقاوة هنا على كل شخصياتها المهمة، أي المسنين الذين تتقارب أعمارهم وأمراضهم المزمنة أيضا، ويقيمون في بيت يدفعون فيه مصاريف إقامتهم كاملة، بعيدا عن أجواء العائلة التي تخلصت منهم، واعتادوا على نسيانها أيضا، لا تدغدغ أذهانهم، إلا حين يتذكر ولد أن لديه أبا أو أما في ذلك البيت، فيأتي للزيارة.
عصابة مارتا، الشخصية الرئيسية هنا، تضطلع بالشقاوة المقسمة إلى فقرات، كل فرد يؤدي فقرته، هناك الدماغ الذي يخطط، والسيدة العاقلة التي تنسق الأفكار، والأنيق الذي يظل أنيقا وفاتنا وهو في الثمانين، والزعيمة التي تمضي بالعصابة إلى المآزق.
حقيقة لم تعجبني تلك الرواية كثيرا، لم أتفاعل معها كما تفاعلت مع «المئوي الذي قفز من النافذة واختفى». المئوي رسمت المرح، والغرابة المرحة، والجنون اللطيف، والجذب برقة ووقار من أجل إكمالها، بينما رواية كاثرين بدت مسايرة لموضة الشقاوة المسنة، من دون تدقيق كبير في جودة الحكاية، أو تلوين الغرائبي فيها، بلون قليل من المنطق. ومنذ البداية نلاحظ أن المسنين، حرموا من حقوقهم، في بيت ينبغي أن يكون مريحا، وهم يدفعون ثمن الإيواء فيه، وأنهم متوترون، أمام قمع إدارة البيت المتواصل، هذا يبدو لي غريبا جدا في مجتمع أوروبي حر، ينال فيه الكبير والصغير حقوقه بلا مشاكل. عموما هي أذواق، أعني التفاعل مع العمل الأدبي، هذا يشدك للتفاعل معه وهذا يقصيك بعيدا.
رواية ياسنواري كواباتا المشهورة «الجميلات النائمات» أيضا داخلة ضمن روايات الشقاوة المسنة، هنا عجائز فقدوا القدرة على الحميمية، بسبب تقدم العمر، لكن داخلهم متقد تجاه الصغيرات حتى لو مجرد مراقبة لنومهن، والحلم بغرائز متوهجة لن تصير أبدا. وها هو بيت ما تديره امرأة متوسطة العمر، يقدم تلك التسلية النادرة، بمبلغ من المال يدفعه المسنون عن طيب خاطر، ويتسلون بتفاصيل أجساد فتية، كانوا قد نسوا أنهم عرفوا مثلها ذات يوم.
رواية «ذكرى غانياتي الحزينات» لماركيز، تلك الرواية الصغيرة غير، اللامعة في نظري، اعتمدت على شقاوة السن أيضا وجاءت ببطل وحيد يراقب نوم فتاة مخدرة في بيت يغشاه، كان في التسعين، وكانت في الثامنة عشرة، لكن لذة المراقبة تمنح الشيخ المتعطل من معظم حواسه، دوافع للحياة.
أعتقد أن الروايات التي أخذ بزمام بطولاتها أشخاص مسنون، في مختلف اللغات، كثيرة، ومتعددة الأفكار وقد ذكرت هذه النماذج التي ترد إلى ذهني بسهولة، كلما استدعيت هذا الموضوع، ولو أردنا حصر روايات الجد العاقل الحكيم، فسنعثر على الآلاف لأن كل جد مسن بالضرورة عاقل وحكيم.
٭ كاتب سوداني
القدس العربي
حل بخاطري اقتراح مازال قابعا ولا أجد غضاضة في أن أطرحه هنا بعد قراءة هذا المقال ألا وهو
إنشاء كلية دراسات عليا على صفحات الراكوبة
الاسم :( كلية الراكوبة للداراسات العليا )
التخصصات : كل ضروب المعرفة والفنون
الطلاب : كل من آنس في نفسه الكفاءة للتقدم ( لايشترط أي درجة علمية قبل الالتحاق )
المشرفون : كل المعلقين بمافيهم الجداد الإلكتروني.
الكيفية : تنشر الأعمال على صفحات الراكوبة ويتم النقاش حولها للأعمال النظرية أما الدراسات التجريبية نوا طل لا حقا
الدرجات : ماستر ودكتوراه وزمالة الراكوبة
بعد اجتياز المتقدم تقطع المعلقين وقبول توجيهاتهم ومرعاتها والتأكد من ذلك يمنح الدرجة بتصويت على عمله.
وقطعا سوف تصبح يوما وجهة يؤمها خرجيو الجامعات طلبا لزمالتها.
حل بخاطري اقتراح مازال قابعا ولا أجد غضاضة في أن أطرحه هنا بعد قراءة هذا المقال ألا وهو
إنشاء كلية دراسات عليا على صفحات الراكوبة
الاسم :( كلية الراكوبة للداراسات العليا )
التخصصات : كل ضروب المعرفة والفنون
الطلاب : كل من آنس في نفسه الكفاءة للتقدم ( لايشترط أي درجة علمية قبل الالتحاق )
المشرفون : كل المعلقين بمافيهم الجداد الإلكتروني.
الكيفية : تنشر الأعمال على صفحات الراكوبة ويتم النقاش حولها للأعمال النظرية أما الدراسات التجريبية نوا طل لا حقا
الدرجات : ماستر ودكتوراه وزمالة الراكوبة
بعد اجتياز المتقدم تقطع المعلقين وقبول توجيهاتهم ومرعاتها والتأكد من ذلك يمنح الدرجة بتصويت على عمله.
وقطعا سوف تصبح يوما وجهة يؤمها خرجيو الجامعات طلبا لزمالتها.
امير لك التحية لم أقرأ الرواية ولكني رأيت نقدا وبعض اجزاء من الفلم . لكم اغبطك لمواصلت القراءة بإنتظام . السويد بلد وصفتها مرة للسويدين بأكل المستشفى جيد وصحي ، ومغذي بدون طعم . الدنمارك مثلا تفور بالحياة والبهجة . ولكن لا تجد المسكن المريح الانضباط وسلاسة الحياة والنظام واهتمام كفاءة الموظف السويدي .
شقاوة المسنين كتاب وفلم مشوق ومثير للسويدين. كل شي نسبي . الدماء والقتل في مسرحيات شكسبير بسبب المجتمع الذي عاش فيه . لقد عاش في المسرح الذي كان يضم العاهرات . وكان من اعظم التسليلت وقتها مشاهدة شنق احد المجرمين . واكبر متعة مشاهدة عملية شنق مذدوجة .
المجتمع السويدي يخلو من الشقاوة حتى وسط الاطفال . ابني عثمان كان مختلفا ,, نجض , كل الحي اتي احد الجيران غاضبا ونحن وسط حفل ضم 50 شخصا وقال لي … ابنك قد جعلني افكر في الرحيل . فقلت له اي ابن . فقال عثمان طبعا …. من غيره . وقلت له كيف عرفت اسمه قال .. الكل يعرف اسمه . وقتها عثمان في الحادية عشر . اراد بعض الآباء اجبارنا لتغببر المدرسة لعثمان وهم اربعة من الاشقاء. ورفضت ولكن اجبروني للتواجد في المدرسة لمدة شهر قابلة للتمديد . كنت ابقي كل ساعات الدوام . ولانه كان خجلا من تواجدي فلقد غير طريقته قليلا .
بعد فترة صار عثمان عاقلا لدرجة عدم الكلام وتوقفت المقالب والضحك وقوة الرأس وردود الرباطاب منذ ان كان في الخامسة والتي تثير غضب المدرسين لأن كل الفصل يضحك علي المدرس . والآن عندما اقول له انني افتقد عثمان الشقي المضحك المعروف بعثمان الكارثة . كان يقول لي … ما هي مشكلتك يا ابي ؟لقد كنت طفلا اعيش طفولتي انا الآن في الثامنة عشر انا انسان ناضج يجب ان اكون مسئولا واتصرف بمعقولية .
الاطفال الذين لم يلعبوا في طفولتهم يلعبون في كبرهم . والسويديون يعيشون في بلد يطالب بالانضباط الشديد . وكثيرا ما يسيئون التصرف عند توفر الخمر وترى البرفسر والمدير العام يتصرف كطفل في الحفلات التي هي حفلات ظار للتنفيس .
الكتاب يعكس ما يدور في رأس كثير من السويديين الكبار والعجايز الذين لم يلعبوا في الصغر . هنالك اربعة دول شسبه عسكرية .. اليابان كوريا السويد والمانيا . لهذا يتفوقون اقتصاديا . ولكن لا يجدون فرصة للعب والشقاوة كأطفال .
امير لك التحية لم أقرأ الرواية ولكني رأيت نقدا وبعض اجزاء من الفلم . لكم اغبطك لمواصلت القراءة بإنتظام . السويد بلد وصفتها مرة للسويدين بأكل المستشفى جيد وصحي ، ومغذي بدون طعم . الدنمارك مثلا تفور بالحياة والبهجة . ولكن لا تجد المسكن المريح الانضباط وسلاسة الحياة والنظام واهتمام كفاءة الموظف السويدي .
شقاوة المسنين كتاب وفلم مشوق ومثير للسويدين. كل شي نسبي . الدماء والقتل في مسرحيات شكسبير بسبب المجتمع الذي عاش فيه . لقد عاش في المسرح الذي كان يضم العاهرات . وكان من اعظم التسليلت وقتها مشاهدة شنق احد المجرمين . واكبر متعة مشاهدة عملية شنق مذدوجة .
المجتمع السويدي يخلو من الشقاوة حتى وسط الاطفال . ابني عثمان كان مختلفا ,, نجض , كل الحي اتي احد الجيران غاضبا ونحن وسط حفل ضم 50 شخصا وقال لي … ابنك قد جعلني افكر في الرحيل . فقلت له اي ابن . فقال عثمان طبعا …. من غيره . وقلت له كيف عرفت اسمه قال .. الكل يعرف اسمه . وقتها عثمان في الحادية عشر . اراد بعض الآباء اجبارنا لتغببر المدرسة لعثمان وهم اربعة من الاشقاء. ورفضت ولكن اجبروني للتواجد في المدرسة لمدة شهر قابلة للتمديد . كنت ابقي كل ساعات الدوام . ولانه كان خجلا من تواجدي فلقد غير طريقته قليلا .
بعد فترة صار عثمان عاقلا لدرجة عدم الكلام وتوقفت المقالب والضحك وقوة الرأس وردود الرباطاب منذ ان كان في الخامسة والتي تثير غضب المدرسين لأن كل الفصل يضحك علي المدرس . والآن عندما اقول له انني افتقد عثمان الشقي المضحك المعروف بعثمان الكارثة . كان يقول لي … ما هي مشكلتك يا ابي ؟لقد كنت طفلا اعيش طفولتي انا الآن في الثامنة عشر انا انسان ناضج يجب ان اكون مسئولا واتصرف بمعقولية .
الاطفال الذين لم يلعبوا في طفولتهم يلعبون في كبرهم . والسويديون يعيشون في بلد يطالب بالانضباط الشديد . وكثيرا ما يسيئون التصرف عند توفر الخمر وترى البرفسر والمدير العام يتصرف كطفل في الحفلات التي هي حفلات ظار للتنفيس .
الكتاب يعكس ما يدور في رأس كثير من السويديين الكبار والعجايز الذين لم يلعبوا في الصغر . هنالك اربعة دول شسبه عسكرية .. اليابان كوريا السويد والمانيا . لهذا يتفوقون اقتصاديا . ولكن لا يجدون فرصة للعب والشقاوة كأطفال .