أحميدي الذي لم تسمع به صحافة اليوم «1»

حزنت حد البكاء، عندما قرأت نعي صديقي وحبيبي وزميلي أحمد حسن محمد صالح، وأحزنني أكثر أنني لم أسمع بالنبأ المفجع، إلا من مقال للأستاذ محمد رشوان في الرأي العام، ولم أقرأ لغيره نعيا لعلم من أعلام الصحافة السودانية، في عصر الصحافة أم دق، الذي كان فيه الصحفي مكلفا بأعباء التحرير، وجمع الأخبار ميدانيا من مظانها، وإجراء الحوارات، وإعداد التحقيقات، وكتابة الافتتاحيات والتقارير والتحليلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أي عصر الصحفي الشامل عظيم القدرات
أحميدي هذا كما كان يناديه أهله الحلفاويون وأحباؤه، كان طوال مسيرته الصحفية مثالا للجسارة والعصامية، فقد عرفته صاحب قلم شجاع وتقارير إخبارية محكمة السبك والصوغ، عندما كنت أقرأ له في جريدة الأيام، وذات يوم وأنا حديث عهد بجريدة إمارات نيوز الإنجليزية في أبو ظبي، التقيت به لأول مرة، وعرفت أنه كان يعمل في صحيفة في سلطنة عمان، وأنه جاءنا بطلب من رفيق دربه الصحفي محمد عمر الخضر، أحد أوائل السودانيين ـ إن لم يكن أولهم على الإطلاق ـ الذين حصلوا على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة أمريكية، في زمن لم تكن فيه الجامعات السودانية قد سمعت بمادة أو برنامج أكاديمي اسمه «الإعلام»
خلال ساعات كان أحميدي قد صادق جميع السودانيين الذين يعملون في مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر في أبو ظبي، والتي كانت تصدر عنها صحيفتنا إمارات نيوز، والاتحاد العربية، وزهرة الخليج النسائية، ومجلة ماجد للأطفال، وبما أنني لم أكن وقتها قد استكملت إجراءات استقدام عائلتي الصغيرة، فقد طلبت منه أن يقيم معي في الشقة التي خصصتها لي المؤسسة في شارع الجوازات في أبو ظبي، بدلا من البقاء في فندق الخالدية الذي أسكنته فيه المؤسسة، لحين استكمال إجراءات تعيينه مترجما/ محررا معنا في الجريدة الإنجليزية.
وعندما تم استدعاؤه للبدء في إجراءات التوظيف، فوجئنا بأنه لا يحمل أي مستند سوى جواز سفره. يعني لا شهادات أكاديمية ولا شهادات خبرة، وعندما عرفته أكثر لم استغرب منه ذلك، فقد كان يتعامل مع الدنيا والناس بعفوية ولا يطيق الرسميات، وأوقع ذلك محمد عمر الخضر مدير تحرير صحيفتنا الذي استقدمه في حرج بالغ، ولكنه ظل يناطح الإدارة العليا في مؤسسة الاتحاد، كي تقتنع بشهادته في كفاءة أحميدي، ونجح في إقناعها بأن المحك هو اختبار قدراته في الترجمة والتحرير الصحفي.
وتم تسليم أحميدي نحو ستة نصوص عربية ليترجمها الى الإنجليزية و»يحررها» صحفيا، وخلال اقل من ساعة كان قد فرغ من المهمة، وتولى صحفيان هنديان مخضرمان تدقيق الترجمة، ثم شهدا بأنها ترجمة متقنة لا يأتيها إلا متمرس ملك ناصية الكَلِم، وهكذا اقتنعت إدارة المؤسسة بأنه شخص ذو قدرات عالية واستكملت إجراءات توظيفه.
ولما شرع في ممارسة التحرير والترجمة معنا ? وكان جميع المترجمين سودانيين «وكان ذلك زمان لا تقبل فيه دول الخليج مترجما أو قانونيا من غير أهل السودان»، سبب لي شخصيا عقدة: أبو الجعافر حامل بكالريوس في اللغة الإنجليزية، وعمل مترجما وضابط إعلام في السفارة البريطانية في الخرطوم، ثم حمل لقب «اختصاصي ترجمة» في واحدة من أكبر ثلاث شركات النفط في العالم «أرامكو»، يمضي نحو ست ساعات للفراغ من ترجمة حصته اليومية من التقارير، وأحميدي الذي لم يأت الى الصحيفة باي مستند سوى جواز السفر يترجم حصته في ساعتين فقط ثم يختفي؟
وكما أشار الأستاذ رشوان في نعيه لأحميدي فقد كان يحمل لقب شيخ المترجمين عن جدارة، وجعلنا ندرك معنى العصامية، وبعد أن عرفته جيدا اكتشفت أنه ـ وكما ينبغي أن يكون الصحفي والمترجم ـ قارئ نهم وواسع الإلمام بشتى صنوف المعرفة.
الصحافة
رجمه الله على صديقك الصحفي العصامي يا ابو الجعافر وتعال شوف حمله الشهادات العيا الواحد فيهم صفحه من سيرتو الذاتيه ينرجمها في يوم كامل
رجمه الله على صديقك الصحفي العصامي يا ابو الجعافر وتعال شوف حمله الشهادات العيا الواحد فيهم صفحه من سيرتو الذاتيه ينرجمها في يوم كامل