من صوف رأسي لى كرعي

في مطلع التسعينات بالأردن وكنت وقتها أعمل بصحيفة (الفينيق) الأدبية
مع مجموعة طيبة من الأدباء العرب وصادف ان إلتقيت ضابط سوداني بسفارتنا بعمان كان يتبع للملحقية العسكرية بإحدى سفاراتنا بأوربا حسب ما روى لي، والرجل يومها يلخص موقف السودان الصارم من اسرائيل , وهو يسرد لي تفاصيل لقائه وجهاً لوجه مع مواطن اسرائيلي إلتقاه صدفة كلقائي به يومها، قال والحديث للضابط .. بينما كنت أتناول وجبة بمطعم بتلك العاصمة الأوربية إذا بخواجة يترك طاولته ويقترب مستأذنني في الجلوس اليَّ ، فرحبت به وأثناء التعارف إتضح أنه اسرائيلي وفي تلك اللحظة شعرت بشعرجلدي (كَلَّب) بينما شعر رأسي وقف على (حيلو) أو كما الأغنية الشهيرة(شعرت الرعشة من صوف راسي لى كرعي) ومضى الضابط يشرح لي هول المفاجأة وهو الذي لم يتوقع مثل هذا اللقاء وانه لم يك يتخيل بأن الاسرائيليين بشر مثلنا وقد رسخت في ذهنه صورة لهم اقرب لكائنات الكواكب الأخرى ومخلوقات أفلام الخيال التي أنتجتها هوليود.
وتلك هي الصورة الراسخة بالذهن الجمعي لدينا عن بني اسرائيل مع إختلافات طفيفة كلٌ حسب خياله…هذه الصورة أنتجتها سياساتنا الخارجية والتي تأسست على العاطفة ـ لاـ المصالح المشتركة، كما المفهوم العالمي وهي اُم أزماتنا التي أنجبت سلالة من ذوي الإحتياجات السياسية الخاصة والتي بدورها أقعدت بالبلاد مقعدها اليوم بأخيرة( شكراَ). ما الذي يجعل من السودان بموقعه الجغرافي متوسطا القارة الافريقية يسفر في كراهيته لاسرائيل هناك بالشرق الاوسط ! .. ما الذي أنتج هذا الموقف؟ والمسألة تقتضي قراءة موقف دول الجوار العربي باسرائيل ـ الأردن، سوريا ، لبنان ، مصر، فبرغم تذبذب العلاقات بينها والمحورـ اسرائيل ـ إلا أنها مؤخراً رست على التطبيع المعلن منه أوـ المتفق عليه سياسياً وكلاهما يقوم على المصالح المشتركة ، فما بال السودان عند موقفه حتى تاريخ التطبيع مع أمريكا مؤخراً؟ وهي التي (قد دنا عزابها) و(امريكا لمي جدادك) الى آخرالهتاف، لم يجرؤ الذين تفرق دم العقوبات بينهم من الذين ادعوا بأنهم وراء رفع العقوبات على إعلان الرقم الحقيقي للخسائر التي تكبدتها البلاد طوال (الامريكان ليكم تسلحنا).
كم لبثنا في حصار أمسك عنا مدخلات الإنتاج وشيد بيننا والعالم سياجاً أكثر منعةً من جدار ترمب مع المكسيك، من الخاسر من مقاطعة اسرائيل التي بلغت من التكنلوجيا والعلم سناماً؟ ولئن كانت أسباب المقاطعة دينية فما بال القوم لا يقتدون بدولة المدينة التي تعايشت في صدر الاسلام مع اليهود وقد تركوهم في تجارتهم وزراعتهم وصناعة الدروع وأدوات الحرب واشتغلوا هم الاعراب بأغنامهم وإرساء دعائم الدين وتحقيق (انما الدين المعاملة ـ ورحم الله إمرء سمحاً إذا إشترى..سمحاً إذا إقتضى سمحاً إذا…إلى آخر الحديث الشريف،
كم خسرنا من المقاطعة؟ إجتررت قصة الضابط السوداني وأنا اتابع أطروحة رئيس حزب الوسط الإسلامي في السودان، يوسف الكودة،مطالباً الحكومة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني بدون شروط، باعتبار أن الخرطوم ?خسرت ماديًا ومعنويًا بانتهاك سيادتها بالقصف الجوي المتكرر?.
عبر محاضرة بعنوان: ?العلاقة مع الكيان الصهيوني .. البعد الديني?، نظمها مركز ?طيبة برس? ، بالتعاون مع ?منتدى مراجعات النهضة والحوار?، يوم الإثنين، قال الكودة إن ?مقاطعة الكيان الصهيوني ارتدت إلى صدورنا، ولا مانع في إقامة علاقة مع أي جهة من الجهات طالما أنها لم تتدخل في شأنك الخاص?.
كما دعا الناس حاليًا لمناقشة موضوع العلاقة مع الكيان الصهيوني، ونحن تعبنا ودفعنا الكثير من الثمن في سبيل القضية الفلسطينية بطريقة خاطئة?.
وأشار الكودة إلى أنه ?لا مانع شرعًا من تغيير موقف المقاطعة ودراسة موقف الدخول في علاقة مع الكيان الصهيوني?.
وتابع: ?المراقب يلاحظ أن الكيان الصهيوني على استعداد لإيجاد علاقة، والآن الدول التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني لديها مواقف أقوى، للمطالبة بالحقوق الفلسطينية?.
?.
وزاد: ?هل حدثتنا السيرة النبوية عن القتال فقط؟ السيرة حدثتنا عن المداركة، والموادعة والمهادنة والمعاهدة، ولماذا نحن لا نعرف غير القتال والجهاد؟?.
ولفت إلى أن ?المقاطعة موقف وليست مبدأ، والمبادئ لا تتغير ولكن المواقف تتغير وتتعدل?.
الكودة، أشار في حديثه خلال المحاضرة إلى أن ?السودان خسر ماديًا ومعنويًا?، في إشارة إلى الغارات المتكررة المنسوبة لإسرائيل على السودان.
عموما من المتوقع ان تجد الاطروحة ردة فعل عنيفة من بعض التيارات الدينية ومن المرجح ان يؤثر الجانب الرسمي الصمت في ظل الانفتاح الراهن على امريكا والغرب والامال العظام على استثماراتهم .
[email][email protected][/email]