المواطن وصناع الفوضى

شوارع الخرطوم كلها تزدحم بالمخالفات سواءً أكانت مهن أو ممارسات مواطنين، هذا غير سلوك الدولة طبعاً، كل هذه المخالفات بدأت صغيرة وقليلة، ثم كبرت وانتشرت، ثم أصبحت المحلية تأخذ رسوماً مقابل استمرارها، بل جعلتها عطاءات مفتوحة، مثلما حدث مع (ستات الشاي)، ثم فجأة ودون سابق إنذار تقوم بكشات تصادر كل شيء ثم تبيعه لنفس الناس مرة أخرى، ثم تنساهم مدة وتكتفي بجمع الرسوم ثم تفاجئهم بالكشات، وهكذا. بهذه الطريقة تدار شوارع العاصمة، وتتحدث الحكومة عن عاصمة حضارية، وهي من تبيع الفوضى للجميع، فكل المعتمدين السبعة أصبحوا صناع فوضى ليست لديهم أي أفكار تساهم في تطوير العاصمة ويعاقب المواطن.
إن كانت حكومة الولاية تقوم من البداية بواجبها كاملاً لما احتاجت اليوم لتقوم بحملات يومية لإزالة مخالفات غضت الطرف عنها وهي في مهدها، ولما أرهقت نفسها بكشات ستات الشاي أو مطاردة الباعة المتجولين والفريشة والبغسلوا العربات، وأن كانت مهتمة بتوفير العيش الكريم لما احتاج مواطن أن يعمل في مكان بيئته أصلاً فاسدة، قبل أن تكون مخالفة قانونية. إذاً ليست هناك ست شاي، سعيدة بوجودها في الشارع طول اليوم تحت هجير الشمس والغبار وقسوة المهنة، وليس هناك بائع متجول سعيد بالتجوال بين الشوارع والعربات، وليس هناك فريش سعيد ببيع بضاعته تحت أقدام المارة، وهو يتحمل قذارة الشارع ونار الشمس، ولا من يغسل العربات سعيد، كل هؤلاء الشباب والأطفال ليسوا سعداء بوضع غير طبيعي يعيشونه رغم أنفهم، في حين أن وضعهم الطبيعي في المدرسة أو الجامعة أو أي مكان يحترم طفولتهم وصباهم وشبابهم، كلهم تعساء بأعمالهم الهامشية هذه، ولكن المعايش جبارة أن تركوها فلا مهنة لهم غير السرقة وتجارة المخدرات، وهي أيضاً مخالفة قانونية أسوأ بكثير.
أغلب صحف الأمس تحدثت عن الكشات التي اجتاحت محلية الخرطوم بصورة (لا أخلاقية) وشملت كل المخالفين للنظام العام، والمخالفون هم ستات الشاي والباعة المتجولون و(البغسلوا العربات)، فحسب شهود عيان بعضهم صحفيون، قالوا: إن موظفي المحلية أهانوا كل من قابلهم وصادروا ممتلكاته وبضاعته بقسوة، بل تجرأ أحدهم وجر شاباً يغسل العربات خلف الدفار حتى تمزق قميصه، ومدير إدارة المخالفات بمحلية الخرطم يس صالح قال (بقوة عين ومن غير خجل): إن الأمر عادي، وما تم تجاه الشاب لأنه غسَّل عربة في الشارع العام، وهو بذلك خالف القانون، وكأنه لا يرى مخالفات حكومته التي جعلت كل هؤلاء تحت رحمة الشقاء، فهم لولا الحاجة وندرة العمل لما امتهنوا هذه المهن المُرَّة، ولما وجد موظفو المحلية الفرصة ليتشفوا لأحقادهم وعقدهم النفسية، فكل شخص يتعامل حسب تربيته.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن إلى متى ستظل ولاية الخرطوم بمحلياتها السبع لا عمل لها غير الكشات ومصادرة ممتلكات مواطنين والعيش على الغرامات؟ وما هو هو الحل المناسب لهؤلاء حتى يعيشوا بكرامة ؟ إذا لابد من حل، فالذي يحدث في الخرطوم لا يحدث في أية عاصمة أخرى في العالم وهي مخالفات دولة قبل أن تكون مخالفات مواطنون، فمن يحاسب معتمدي الخرطوم الذين يصنعون الفوضى ويحاسبون المواطن.
التيار
سجلوا في المذكرة ( يسن صالح )
سجلوا في المذكرة ( يسن صالح )