حتى تكتمل الدائرة!

الاقتصاد هو النشاط الإنساني الذي من خلاله يقوم الفرد أو المجتمع أو الدولة بعمليّات متعددة تشمل الإنتاج والتصنيع والتسويق والشراء والبيع وتبادل السلع والخدمات، وهو بهذا الوصف يشكل دائرة متكاملة إذ اختل جزء منها اختلت الدائرة بأكملها. ومن جانب آخر، يتحدث علماء الاقتصاد عما يسمونه بمقومات الدورة الاقتصادية السليمة؛ وهي عوامل متداخلة إذا توفرت لأي من دول العالم كانت دولة ذات اقتصاد مستقر وشعب يعيش حياة متكافئة تتوفر فيها كل متطلبات الحياة. هذه العوامل تشمل حجم الموارد الطبيعيّة التي ترفد الدولة بالمكوّنات الرئيسيّة للإنتاج. ومن ثم هنالك مقدار القوى البشريّة التي تعمل على استغلال الموارد الطبيعيّة بشكلٍ فعّال؛ فالموارد الطبيعيّة تبقى مجمّدة حتى يقوم الإنسان باستغلالها وتحويلها إلى عناصر جيدة؛ مستخدماً تقنية الصناعات التحويلية ووسائل النقل والتخزين المناسبة. ومن ضمن تلك المقومات أيضاً الأمن والاستقرار، فأي نشاط اقتصادي يحتاج إلى توفر هذين العنصرين؛ لتتم عمليّات الإنتاج والتصنيع والنقل والبيع والشراء براحة واستقلاليّة بعيداً عن السيطرة والتحكم؛ فالمناطق التي تكثر فيها الصراعات الداخلية تعاني من الفقر. أما التقدّم العلمي والتقني في البلد، فيمثل جوهر هذا النشاط البشري الحيوي والضروري؛ حيث يفيد ذلك في تسويق المنتجات والثروات التي يتم إنتاجها، فكلما كانت الأدوات المستخدمة في التسويق متطورة كلما كانت سرعة التسويق للمنتجات أكبر. علاوة على ذلك، فإن القدرة الشرائية في البلد ومقدار رؤوس الأموال التي توجد فيها، تعد عاملاً جوهرياً في الاقتصاد، مهما كان حجمه، فعندما تقل رؤوس الأموال فإنّ الحركة الاقتصاديّة تضعف وتقل بل قد تتجمّد أحياناً؛ ممّا يسبب عجزاً في الوضع الاقتصادي للدولة والمجتمع والأفراد على حدٍ سواء. وفي هذا العصر صارت علاقة البلد مع البلدان المجاورة ذات تأثير بالغ على عمليّة التسويق للمنتجات؛ خاصة في ظل العولمة وانفتاح التجارة بين بلدان العالم المعاصر. ويمكن أن نضرب مثلاً في هذا المقام بدولة موريشيوس التي تعد إحدى أغنى دول القارة الإفريقية، ليس لأنها تمتلك موارد اقتصادية ضخمة مثل النفط والمعادن، ولا هي من الدول ذات التعداد السكاني الكبير، وإنما استفادت من العنصر البشري والزراعة ومن ثم الصناعات البسيطة التي ترتبط بمنتجاتها الزراعية والتعبئة والتصدير إلى كثير من دول العالم! فما بال اقتصادنا في السودان لا يزال متعثراً على الرغم من توفر موارد طبيعية هائلة من أرض وماء وأنهار وأعداد كبيرة جداً من الثروة الحيوانية وشعب يمكن أن يكون منتجاً إذا توفرت له وسائل الإنتاج والتدريب. وكما هو معلوم فإن السودان يعد من الدول الغنيّة جداً بالموارد الطبيعيّة المتمثّلة في الغابات، والثروة الحيوانيّة، والأراضي الزراعيّة الخصبة، والمياه الوفيرة، والثروة السمكيّة، ويعتمدُ اقتصاد السودان بشكل رئيسيّ على قطاع الزراعة، حيث تمثّلُ نسبة القطاع 80% من عمل السكان، ومن أهمّ محاصيله الزراعيّة: السمسم، والفول السودانيّ، والبقوليات، والفواكه مثل المانجو والليمون والقريب فروت والبرتقال والجوافة، والتمر، والطماطم والبصل، والدخن، والذرة والقمح، والصمغ العربي. وكل هذه المنتجات يمكن أن تدخل دورة التصنيع التحويلي بكل بساطة وسهولة، وإذا حدث ذلك بطريقة سليمة؛ فسوق يتحسن دخل الفرد وميزانية الدولة بكل تأكيد. ولكي تحدث تنمية اقتصادية حقيقية، لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات، ووضع خطط من قبل صنّاع القرار في الدّولة يشارك فيها العلماء والمنتجون والغرف التجارية والصناعية، والمستثمرون، من شأنها أن ترفع المستوى الاقتصادي في البلاد، وأن تُسهم في تحسين أوضاع المواطنين الاقتصادية والعامة. عموماً يعاني الاقتصاد السوداني من علل كثيرة يمكن تلخيصها فيما يلي: سوء تدريب الأيدي العاملة وعدم وجود بيئة قانونية جاذبة للاستثمار، وعدم وجود شبكة مواصلات متطوّرة ومصانع تناسب منتجاتنا سواء كانت زراعية أو حيوانية؛ ولذلك ما زلنا نعتمد على تصدير مواد خام مما يضعف استفادتنا من منتجاتنا التي قد تفيد غيرنا أكثر مما تفيدنا. ويمكن تفادي كل تلك المعوقات بالقدرة على إيجاد الحلول المبتكرة. وحتى تكتمل دائرة الاقتصاد في السودان لابد أن نضع في الحسبان عاملين أساسيين: هما الصناعة التحويلية والتسويق. والتسويق هو روح الدائرة الاقتصادية وهو الذي يحرك الزراعة والصناعة، وللأسف الشديد توجد لدينا منتجات عضوية حيوانية وزراعية، لكننا لم نستطع أن نأكل مما نزرع أو نلبس مما نصنع؛ وذلك لعجز الصناعة التحويلية البسيطة، ولعدم وجود معلومات دقيقة عن حاجة السوق أو انعدامها. إن المهاجرين إلى السودان من إفريقيا وغيرها اعتمدوا على التجارة وروحها التسويق ومن ثم جنوا الأرباح، ولا توجد عائلة مهاجرة، ارتفع شأنها، إلا ولها معرفة بالتجارة والتسويق. ولذلك يعتقد البعض بضرورة تكوين شركات عائلية متخصصة في كافة المجالات الاقتصادية من إنتاج وتصنيع وتعبئة ونقل وتسويق، ولا بأس في هذا الصدد من الاستعانة بخبرات من دول لها باع في هذا الشأن حتى تكتمل الدائرة وينهض الاقتصاد السوداني. الحديث الآن عن مجموعة شركات، كما هو الحال في لبنان، البلد الصغير المساحة العملاق في التجارة عبر التخصص في مجالات إنتاجية أو خدمية محددة.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..