أمطار الشتاء الحار.!

لو طُلب من أبرع كاتب سيناريو أن يرسم مشهداً عبثياً، أو أن يكتب فصلاً من فصول الكوميديا السوداء، فإن معارفه وقدراته، لن تسعفه لتصوير أو كتابة جزء من المسرحية العبثية المشوهة التي تجري فصولها حالياً، بسبب الشتول والفسايل التي استجلبتها شركة “أمطار للاستثمار”. ببساطة لأن تلك الشتول غرست في الوطن وجعاً جديداً على آلامه المزمنة وأوجاعه المستعصية، لأن استجلابها للبلاد برهن على أننا نعاني من أزمات مركبة بعضها أزمة ضمير..!

الشاهد أن شركة أمطار استجلبت عشرين ألف شتلة نخيل من دولة الإمارات، وذلك في إطار خطتها الرامية لزراعة نحو مائتي وعشرين مليون نخلة بالولاية الشمالية. وإلى هنا يبدو الأمر عادياً، ولكن غير الطبيعي هو أن الشركة وجدت نفسها أمام عاصفة من الجدل، وذلك بعد الفحص الذي قامت بإجرائه إدارة الحجر الزراعي التابعة لإدارة وقاية النباتات، والذي أثبت أن تلك الشتول تحمل فطر البيوض القاتل للنخيل، كما أنها تحمل مرض تقرح الجذور “النيماتودا”، وهو ما جعل اللجنة الدائمة للتقاوي تصدر قرارها بإبادة الشتول، أو إعادتها إلى الإمارات. هذا ما قابلته شركة أمطار باستنكار واسع جلعها تطرق أبواب الفتوى العلمية في مختبرات خارجية، ما قاد إلى إرسال عينات إلى هولندا، لكن مع ذلك لم يتم فض الجدل، لجهة أن إدارة الحجر الزراعي قالت إن المعمل الهولندي أثبت عدم صلاحية الفسايل، بينما تصر الشركة على أن المعمل جزم بعدم صلاحية العينات التي تم إرسالها للفحص من الأساس، وأنه لم يصدر أيّ قرار علمي حول صلاحية الشتول..!

الثابت أن إدارة الحجر الزراعي انتدبت اثنين من خبرائها إلى الإمارات لفحص الشتول قبل جلبها إلى الخرطوم، لكن المثير للسخرية أن الخبيرين لم يتمكنا من إجراء عملية الفحص، بمزاعم أن الإمارات ليس بها مختبرات ملائمة..! وهذا وحده كفيل بتعرية إدارة الحجر الزراعي التي يبدو أن ممثليها ركّزوا على النثريات وانصرفوا إلى مهمة أخرى غير التي ذهبوا من أجلها..! أمّا المثير للحنق هو أن وزارة الزراعة التي تتبع لها إدارة الحجر الزراعي والمناط بها مراقبة أداء الشركة، تعتبر جزءاً من الشركة، لأن وزير الزراعة هو رئيس مجلس إدارة شركة أمطار، فتعجبوا، أيرضى القتيل وليس يرضى القاتل..؟.

الأكيد هنا، هو أن شركة أمطار المثيرة للجدل، تسلّلت إلى الواقع الاستثماري والاقتصادي في السودان على أيام وزير الزراعة السابق عبد الحليم المتعافي الذي نصّب نفسه رئيساً لمجلس إدارة الشركة التي تملك الحكومة (40%) من أسهمها.

المحزن في القصة كلها أن الكارثة لم تتوقّف عند هذا التداخل المزعج، إنما امتدت لتشكل جوانب أخرى، ذلك أن شركة أمطار حاصلة على إعفاء من ضريبة أرباح الأعمال بنسبة (100%) لمدة (20) عاماً، وأيضاً حائزة على إعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية والقيمة المضافة والرسوم الولائية والاتحادية كافة لمدة (99) عاماً، هي عمر الاتفاقية التي جاءت بها إلى السودان، فهل هناك أسوأ من هذا..!

المؤذي أن تقرير المراجع العام الذي كشف تلك المعلومات المثيرة، أشار إلى أن الاتفاقية الموقّعة بين الحكومة والشركة لم تكن موثّقة من قبل وزارة العدل، على الرغم من أنها ممهورة بتوقيع وزير المالية، ووزير الري، بجانب محافظ بنك السودان المركزي، ووزير الاستثمار كضامنين لها وشهود عليها..!

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..