هم ظاهرة صوتية «4»

وجاء جماعة نميري من خور عمر، في 25 مايو 1969، وخلال السنة الأولى من عمر حكومته كان نميري قد زار كل أقاليم السودان، وخطب في الجماهير خطبا جسيمة، فقد انتشى لأنه قوبل بالترحاب أينما ذهب، فصارت خطبه تطول بمرور كل شهر، وأذكر أنني وبعد شهور قليلة من الانقلاب الذي أوصله الى الحكم، سمعته يخطب عبر الراديو ويقول كل بضع دقائق: أيها المجانين، فحسبت أنها «فكّت منه»، ثم عرفت لاحقا أن المجانين قبيلة عربية من «أبالة» في شمال كردفان
وتفوق نميري على «الكبار والقدرو»، في مجال الكلام في المليان، وفي الفاضي في معظم الأحيان، ولا سبيل لإنكار أن نميري هو أكثر الحكام السودانيين حظوة بالأناشيد والأغاني ذات النغم واللحن الحلو، والتي صارت بعض مقاطعها هتافات لجماهير مايو التي بادلت حكام تلك الفترة صراخا بصراخ وهتافا بهتاف، ومن أصحاب نميري الذين هزوا المنابر، أبو القاسم محمد إبراهيم، فقد كانت له قدرات عالية في مجال «التحشيد والتعبئة»، فرغم أن معظم خطبه كانت بلا زبدة، إلا أنه كان يجيد صوغ الهتافات التي تنال استحسان من احسنوا الظن بحكم مايو
تفوق نميري كظاهرة صوتية على الحكام الذين سبقوه، لأنه كان بحاجة لتبرير تغيير جلده السياسي من اشتراكي قريب من الماركسية الى ناصري ثم ساداتي ثم إسلامي ثم موليٍّ غربي « موالٍ للغرب»، ونفس الرجل الذي صالح أحزاب الأمة والاتحادي والميثاق الإسلامي في سنين لاحقة من حكمه، كان صاحب العبارة التي كانت ترددها محطتا الإذاعة والتلفزيون ليل نهار: «إن أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وتوابعهم من الإخوان المسلمين وغيرهم هم أعداء الشعب».
وبدأ نميري عهده كاشتراكي على السكين، وأعلن قراراته الاشتراكية بمناسبة مرور عام على «ثورة مايو»، بحضور جمال عبد الناصر ومعمر القذافي: تأميم البنوك وبعض الشركات، وشالته الهاشمية وصادر متاجر يملكها هنود «بالنص: رامجي سامجي، وسامجي رامجي، وجميع آل سامجي» ويونانيون، وكان من بين الممتلكات المؤممة بار كوبا كبانا وطابونة «مخبز»، وإنصافا له فقد ورطه في التأميم العشوائي شيوعيون خرجوا على قيادة الحزب وكانوا يريدون إثبات أنهم يعملون ل»التحول الثوري»
وعندما أحس أنه بحاجة إلى قاعدة جماهيرية أكبر مد يده للاسلاميين، وسن قوانين الحدود الخمسة في سبتمبر 1983، ونال البيعة ك»إمام»، ولما ارتفعت الأصوات بالاحتجاج على الشطط في تطبيق تلك القوانين قال بالحرف: سنتسور البيوت ونحكمكم بالشريعة البطّالة!!
ولكن اللقاءات الجماهيرية لم تشبع رغبة نميري في «الكلام»، فصار له برنامج تلفزيوني شهري مفتوح اسمه «بين الشعب والقائد» كانت فكرته الاصلية ان يتلقى هو أسئلة وملاحظات من أفراد الشعب، ولكن جماعة الأمن نصحوه بأن ذلك باب يجيب الريح، فكان يتلقى أحيانا أسئلة «مطبوخة» ولكنه شيئا فشيئا استفرد بالبرنامج ليتكلم فيه على راحته في كل شأن من شؤون الحكم (في أول يوم له في الستوديو لتقديم البرامج، اشعل سيجارة ولكن محمد طاهر الذي كان مدير البرامج قال له إن التدخين ممنوع في الستوديو، فهاج نميري»: وخاتين قدامي طفاية ليه؟ فقال محمد طاهر: يا ريس خاتين برضو قدامك زهور صناعية واكسسوارات غايتها ديكورية( وتقرر بعدها معاقبة طاهر بنقله الى القسم التجاري/ الإعلانات.
وافق نميري على إجراء مقابلة مع محطة تلفزيون إيطالية يتم تسجيلها في ستوديو تلفزيون أم درمان، خلال فترة عملي فيه، على ان يتم البث في تزامن في إيطاليا والسودان، وفي الزمن المتفق عليه بدأ التلفزيون بث المقابلة، فإذا باللقطات الاستهلالية كلها لنميري وهو يتثاءب أو يعدل هيأته العامة ويقول بين الحين والآخر للمصورين: أوكي يا خواجة.. تل مي ون يو آر ريدي (أخبروني عندما تصبحوا جاهزين)، واتضح أن رئيس القسم السياسي في التلفزيون، تعمد عدم قص تلك اللقطات خلال المونتاج لإحراج نميري، وعندما تحركت كتائب الأمن لاعتقاله، كان قد خرج من السودان ولم يعد حتى الآن.
الصحافة

تعليق واحد

  1. ههههه بس نميرى كان من اجهل الحكام يا استاذ جعفر ، ولم يكن الناس يستمعون لكلامهه المكتوب غالبا .

  2. ههههه بس نميرى كان من اجهل الحكام يا استاذ جعفر ، ولم يكن الناس يستمعون لكلامهه المكتوب غالبا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..