مزرعة تشانق فنق هوا( ومزرعة (عمرالبشير)

ايها السادة .. ان (م) رجل اجنبي جاء من دولة انهكتها الحروب وعصرتها المآسي .. تعمقت صلتي به خلال فترة قصيرة و توثقت بصورة هائلة حتى اصبحت مصدر ثقته وموضع مشورته .. نلتقي يوميا بالساعات نجلس سويا نتناقش في امور شتى .. فهو رجل يتسم بالسخريه والالمام بالتفاصيل المتعرجة والمتعددة الخاصة بمجتمعنا المحلي اضف الى انه مثقف واسع الاطلاع وله مخزون معرفة كبير جدا كأنه ويكيبيديا .. جاء للبلاد هذ المرة بغرض الاستثمار وتحقيق الحلم .. حيث حمل معه امواله التي جناها بكدح وايمان وصبر .. كان يتحسس ماعون استثماري حكيم يستوعب نقوده وافكاره .. فهو يريد ان يبني لنفسه مستقبلا عريضا ومشروعا ناجحا في بلادنا ..
ذات مرة سألني عن افضل استثمار من وجهة نظري ..
قلت : افعل ما فعل (تشانق فنق هوا) ..
سألني مستفسرا : وماذا فعل (تشانق فنق هوا) ..
اجبته على الفور : اتخذ من الزراعة مسلكا لكسب العيش وجمع القوت .. هنا في ارضا المدللة التى لم تصبها الحراثة الا قليلا .. كان تشانق فينق هوا ذكيا حيث أتى بمحاصيل جديدة عن السودان ليسوقها للصينيين العاملين هنا ..
سألنى وعليه علامة من الاستغراب بادية : كيف وانا اري المزراعين حالتهم لا تسر صديق كان أو عدو .. وبعضهم مكبل في السجون .. هل تريدني ان افقد اموالي واصبح عالة وعلة مثلهم .. ثم تشانق فنق هوا ان نجح فهذا استثناء من القاعدة ..
قلت وانا اضفي على الجلسة مرح زائف : استثناء من (القاعدة) ام من اسامة بن لادن ..
كان (م) قد تجول في انحاء متفرقة من البلاد بغية الوصول الى استثمار افضل لامواله .. فعرف خفايا البلاد .. ومخارج الامور ومداخل الاوضاع ..
قال لي بجدية : اترك (تشانق فنق هوا) .. اعطني مثال لسوداني نجح في فلاحة الارض .. مثال واحد يخرسني ولا يجعلني اتفوه بكلمة.. وسوف أكب كل اموالي دون توجس أو ريبة ..
قلت له وانا ارسم ملامح الجدية : سوف اعطيك مثال آخر لرجل ناجح يجني مليار وخمسمائة الف جنيه في السنة من حواشته ..
سالني مستفسرا بعدما رأيت علامة الاستعجاب تعلو جبهته كأنه شاهد الشمس تشرق من المغرب : طيب كم ألف فدان يملك هذا الرجل ..
أجبته بعين قوية : 8 أفدنة ..
ازداد تعجبه اكثر وسأل : كيف ل 8 أفدنه ان يجني منها مليار وخمسمائة جنيه .. هذا كلام لا يدخل الراس ويتقبله العقل ..
أخرج (م) الموبايل وبدا يجري معاملة الحسابية وقال لي :المبلغ اكثر من 88,000 دولار.. اذا اعتبرنا الدولار يساوي 17,000 جنيه ..
اخذ نفسا ثم قال : يعني ارباح الفدان اكثر من 11,000دولار في السنة ..
ثم نظر الي وازداد تعجبه وقال : انت لا تقل الحقيقة .. في العالم كله لايوجد فدان يعطي عائدا جزيلا هكذا ..
كنت واثقا من نفسي قلت : صرح هذا المزارع امام الملأ انه يكسب من زراعة 8 افدنة مبلغا وقدره مليار وخمسمائة مليون جنيه سنويا ..
لم تبارح الدهشة المرسومة على وجه (م) مكانها وقال وهو يحاول ان يفند الحقائق التى ذكرتها : كم تساوي زراعة الفدان الواحد هنا .. كمتوسط أعني ..
قلت له : سوف اعطيك متوسطا .. الفدان الواحد يكلف 5,000,000 جنيه في السنة ايجار وحراثة وبذور وسماد ومبيد يزيد قليلا المبلغ أو ينقص قليلا ..
ازداد تعجب (م) : كيف تكون تكلفة الفدان 5,000,000 جنيه ويربح في 187,500,000 جنيه .. اي 37 ضعف .. يااخي لو تزرع الفدان الواحد بكافيار او لؤلؤ ومرجان لن تربح هكذا.. اتركنا في قصة (تشانق فنق هوا) فهي اقرب للواقع ..
ثم رمقني (م) بنظرة حادة وقال : اذا كان المزارع هذا ناجحا بهذه الصورة الخارقة لماذا لا يعينوه وزيرا للزراعة ..
قلت له : هذا المزارع فعلا موظفا عاما ..
استزداد تعجب (م) كانه علم لتوه ان الكوكب الكربيدي يتكون فقط من طبقات الماس شديد النقاء ثم قال: كيف يسمحون لموظف عام بمزاولة مهنة اخري جانب مهنته الحكومية .. طيب لماذا لا يستقيل من الوظيفة فالزراعة افضل له بكثير ..
ايها السادة .. ما لا يعلمه (م) مع الاسف الشديد ان هذا المزارع له سلطة أعلي بكثير من وزير الزراعة .. انه رئيس الجمهورية بذاته ..اذا كانت مزرعته الميمونة تكسب مليار ونص مليار في السنة .. لماذا يخسر اذن مشروع الجزيرة ولماذا تخسر المشاريع الزراعية الاخري .. ولماذا تخسر مشاريع الافراد الذين يبذلون الجهود فيها اضعاف ما يبذله الرئيس في مزرعته.. ولماذا المزارعون يتبوأون الدرجات الدنيا من حيث ملكية رأس المال وكثير منهم مثقل بالديون والهموم والمرض وأبناؤهم تشردوا وتركوا الدراسة والعلم لضيق ذات اليد .. وكثير منهم مقيدي الحرية بالسجن لانهم عجزوا عن سداد اقساط المرابحات البنكية المتراكمة ..
لماذا لا يأمر السيد رئيس الجمهورية وزير الزراعة بتطبيق السبل والتقنيات الخاصة بمزرعتة الميمونة على عموم مشاريع السودان حتى يكسب المزارع الفقير المقتر ما يقيم أوده .. او بالاخري لماذا لا يفصح الرئيس عن المحاصيل التى يزرعها وكيفية تطبيق المعايير الفلاحية الجديدة والمجهولة لاهل السودان وافريقيا و التى جعلت مزرعتة الصغيرة جدا بعدد (8) فقدان ينبوع خير دفاق ورزق وفير يفوق الخيال .. اي ان الارباح هذه المزرعة تساوي فعليا 7% من ارباح فيلم (عمارة يعقوبيان) لعادل امام.. لان من سنّة سنّة حسنة له اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة ..
ايها السادة .. واقع الحال يقول ان الخسارة في الزراعة اقرب من المكسب حتى المثل السائد يقول ان الزراعة تحتاج لمال قارون وعمر نوح وصبر ايوب .. أحد الذين أعرفهم وكان قد دخل السجن بقضية شيك بدون رصيد وفقا للمادة 179 من القانون الجنائي .. قال وهو يصف حال السجن أن أكبر عنبر فيه هو عنبر مساجين البطاطس وبعده عنبر مساجين الطماطم .. اي أنه مطرح ومسكن لهؤلاء المزارعون التعساء (الغلابة) الذين انتجوا البطاطس والطماطم وتكبدوا الخسائر وفشلوا في سداد ما عليهم من شيكات والتزامات مادية ..
ايها السادة ..عدد افدنة مشروع الجزيرة 2,6 مليون وفي رواية 2,2مليون. ناخذ بالمعيار الاقل ان عدد افدنة مشروع الجزيرة 2,2 مليون فدان ونعتمد الربح الصافي للفدان مبلغ 11,000دولار كما في المزرعة الميمونة للسيد الرئيس .. اي ان مشروع الجزيرة سيحقق سنويا اكثر من 24 مليار دولار صافي ربح سيذهب ريعه للمزارع المنهك والمتعب .. فالنضف اليها مشاريع نعرفها جميعا مثل مشروع السوكي وحلفا الجديدة والرهد كما هناك مشاريع اخري مثل مشروع خور ابو حبل ومشروع دلتا طوكر ومشاريع النيل الابيض للاعاشة ومشاريع البيارات في الشمالية واخيرمزارع الافراد والشركات .. اذن نحن امام ربحية مالية للمزارعين تتجاوز ال 100 مليار دولار سنويا ..
بعدها لن نفرح كل هذا الفرح .. ولن نسعد كل هذه السعادة ونحن نقيم الدنيا ونقعدها من اجل قرار امريكي برفع جزئي للحظر من اجل 5 او 6مليارات من الدولار.. ونحن نملك دخل من قطاع الزراعة فقط يتجاوز 100مليار دولار و(طظ) في الامريكان .. عندها سوف نطرد المزارع الاسطورة (تشانق فنق هوا) الذي يستثمر في اراضينا لان مزارعنا صارت تجلب ريعا عظيما ومقدرا وبالدولار ايضا .. ما الذي يجبرنا ان نؤجرها لاجنبي مثله مهما كان نابغة وبديع وخلاق ..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..