مقالات سياسية

العظماء هم من يعترفون بالأخطاء.. ويعتذرون لشعوبهم

الإعتراف بالخطأ ما هو إلا وسيلة للتخفف من حمل يرهق نفوسنا ويعذب رؤوسنا , كما أن الإعتراف بالخطأ هو أول خطوة على طريق الإصلاح والتصويب … والأخطاء متنوعة كبيرة كانت أو صغيرة ? هينة أو معذبة .. سعينا إليها بأرجلنا أم ساهمت الظروف المحيطة بنا في وقوعنا بها .. كما أن تشابك العوامل الداخلية والخارجية يشوش الصورة أمامنا أحيانا .. فتضارب الأحكام ويتوه طريق الصواب .. وهموم البشر لا تنتهي فتجئ الإعترافات على كل شكل ولون …
الإعتراف بالخطأ والإعتذار ينم أيضاً عن القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع … إننا في مجبمع لا نعرف اعتذار المسؤول أو الوزير أو الرئيس فيه ، سواء لأهداف سياسية أو باعتباره مستمداً من قيم المجتمع . لأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم ليست مبنية على أن الحاكم موظف عام لدى الشعب ، كلفه بمهمة معينة ، ولمدة معبنة على أن يخضع هذا الوزير أو المسؤول بعد ذلك للحساب والعقاب في حال ارتكابه أي خطأ . لكنها علاقة أبوية يكون فيها الوزير والوالي عبارة عن رباً للأسرة الكبيرة ، وولي أمرها والقائم على شؤونها، وبالطبع لا يعتذر ولي أمر لأبنائه عن أخطائه. وهذا ما يظهر بصورة واضحة في عدم إعتذار الوزراء على أخطائهم الشنيعة والشاهد على ذلك الحدث الأخير في وفاة معلمة الأساس في أدبخانات ( دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها ) مدرسة الحارة 13 لم نسمع أو نقرأ إعتذاراً لوزيرة التربية والتعليم في هذه الفضيحة الكبيره التي كان من الممكن أن تهتز لها أركان الدولة المحترمة العادلة … لا أدري متى ستعتذر الدولة للشعب إن لم تقم بذلك الآن ؟

الرئيس الفرنسي ميتران ( 1981 إلى 1986 ) وتوفى في عام 1996 يحاول تبرئية ذمته وهو يودع قصر الأليزيه وربما هو كان يودع الحياة حين إشتدت عليه أعراض المرض الخطير في آخر حياته .
وعندما بقى له شهور قليلة في الحكم وبدأ الرجل يستعد لجمع أوراقه بعد سنوات حافلة في حكم فرنسا .. والرئيس متران ليس رئيساً عادياً إنه واحد من كبار المفكرين في فرنسا قبل أن يكون زعيما سياسياً فالرجل يتمتع بقدرات متعددة في مجالات الفنون والأداب … ففي الشهور الأخيرة من حياته فاجأ ميتران العالم بمواقفه فعلى المستوى المحلي والخاص لقد ظهر الرجل بإبنته أمام الشعب الفرنسي وهي الإبنة التي ظلت عشرين عاما بعيدة عن الأضواء وإعتراف أبيها بحقها الشرعي في أن تحمل إسمه .. بالرغم من إختلاف الفرنسيين في تقييم موقف ميتران البعض كان يرى أن ذلك لا يليق برئيس دولة أن تكون له بنت غير شرعية من إمراة ليست زوجته والبعض الآخر إعتبر إن هذا قمة الشجاعة أن يتخذ ميتران هذا الموقف لكي يوفر على إبنته محنة مواجهة المجتمع دون إسم يحميها ولكن يبدو أن الرجل كان مقتنعا بما فعل في البداية وفي النهاية معا … وهو بمثابة إعتراف بالخطأ وفي نفس الوقت إعتذار للشعب الفرنسي ولإبنته

قدمت رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون هاي في يوم 24/04/2014 اعتذارها لأسر ضحايا حادث العبّارة (سيول) التي غرقت ومات فيها عدد من المواطنيين الكوريين .
وقالت في اعتذارها إن الحكومة فشلت في منع الكارثة ، وإن رد فعلها الأولي لم يرتق لمستوى الحدث ، وتعهدت بتجديد أنظمة السلامة مع بدء التحقيق في أسوأ حادثة بحرية في البلاد .
وجاء اعتذار بارك بعد يومين من استقالة رئيس الوزراء شونغ كونغ وون على خلفية الحادث، في محاولة منها لتهدئة مشاعر الغضب التي لدى الشعب في بلادها.
وتعرضت رئيسة الدولة وحكومتها لانتقادات بسبب استجابة السلطات البطيئة لغرق العبارة في 16 أبريل . لاحظ عزيزئ القارئ التجاوب كان بطئيا فالحادثة كانت يوم 16/04 ورئيس الوزراء إستقال وتم تعيين رئيسة وزراء جديدة إعتذرت في يوم 24/04 كل هذه الأحداث في إسبوع واحد فقط وتعتبر بطئية !!!! للشعوب المحترمة فقط
وأضافت “أنا أتأسف للشعب وأشعر بحزن شديد لفقدان الكثير من الأرواح الغالية”.

وهي نفسها رئيسة وزراء كوريا الجنوبية التي على الهواء مباشرة واجهت شعبها بدموع الندم في يناير 2017 وفي اعتذار مشوب بالحسرة قالت، إن ?قلبها ينفطر? بسبب فضيحة سياسية خيمت على رئاستها ، مؤكدةً ?استعدادها للتعاون مع ممثلي الادعاء في تحقيقاتهم?.
وقالت ?هاي? (في خطاب تلفزيوني): ?يتعين على ممثلي الادعاء توضيح ما حدث.. يجب محاسبة كل من له صلة بالأمر، وإنها ستتحمل المسؤولية إذا تمت إدانتها?. وتابعت (بصوت مرتعش): ?من الصعب أن أسامح نفسي وأنام الليل وأنا يغمرني شعور بالأسف?. و هذا الأسف وهذا البكاء وعدم النوم بالليل عزيزي القارئ ليس بسبب سرقة أو تزوير بسبب فضيحة تتعلق باستغلال النفوذ لأنها إتصلت بصديقة قديمة كانت رهن الاحتجاز !!! مما أدى إلى تراجع شعبيتها إلى أدنى مستوى على الإطلاق ، اللافت للنظر تدني شعبيتها بسبب إتصالها بصديقتها المحتجزة , فعلا الشعوب هي التي تصنع الطواغيت والفراعنة … فما بال قوم لم يكتفوا بالإتصال فقط بالمجرمين وآكلي مال الشعب بل يذهبون إليهم بأرجلهم ويخرجوهم عنوة وإقتدارا من السجون والتهمة ثابتة عليهم وواضحة وضوح الشمس في تحدي للقانون وللشعب .. ويكبرون ويهللون بأصوات متخمة ويذبحون له الذبائح وبعد ذلك ينامون الليل ويشخرون ولن يرف لهم جفن .. !!!
أتمنى لو زرت بعض البلدان يا بارك غيون هاي … لرأيت العجب … لرأيت كيف ينام المسؤولون الليل ويستمتعون بالحياة وهم مرتكبون للكبائر … وعلمتيهم من دينك الذي إستمديت منه هذا السلوك .. وعلمك النزاهة ونظافة اليد واللسان ومحاسبة النفس والضمير … دينك الذي علمك إحترام الإنسان لأخيه الإنسان .. وعلمك إن ماله وعرضه حرام .. دينك الذي علمك تغليب الحق العام على الحق الخاص …..
هذه هي الشعوب التي يجب أن تعيش والقيادة التي تحترم شعبها وتحسسه بالآدمية وعدم الإحتقار يجب أن تبقى

وفي اليابان في يونيو 2016…. وقع خطأ طبي لمريضة باحدى المستشفيات في اليابان ، فقام وزير االصحة وأعوانه وألأطباء بعدما اعترفوا بالخطأ الذي وقع في العملية الجراحية في التلفاز ، فقاموا بالاعتذار للمريضة ولعائلتها وقاموا باصلاح الخطأ ولقد إستقالة مديرة المستشفى بسبب شعورها بالذنب (كم أكره أخلاق وضمير الكفار الفجرة يا أخوان )

ماهو سبب عدم أعتراف وإعتذار المسؤولون والوزراء للشعب عن أخطائهم ؟

هناك عدة أسباب .. ولكن السبب الرئيس الذي يفسر عدم اعتذار الوزراء والمسؤولون عن أخطائهم ، هو ضعف الرأى العام والشعب الذي أصبح لا تعنيه الكتير من الأحداث . أن الرأي العام يحرك الحاكم وصناع القرار، ويوجه الحكومة، ويدفعها لفتح ملفات جديدة، وقد يجبر الحاكم على الاستقالة. لكن الرأي العام الآن ليس بهذه القوة، التي يستطيع فيها أن يفعل ذلك، وهذا راجع في جزء من أسبابه إلى سيطرة الإعلام وتوجيهه بما يخدم مصالح الدولة وكذلك ضعف الإعلام المعارض مقابل الإعلام الآخر والذي يشغل المواطن بأشياء لا تمت له بصلة ويغرد على مايبدو خارج سرب المعاناة وهموم المواطن وتحولت القنوات الفضائية كالنيل الأزرق والشروق وأمدرمان وجميعها من أكثر وسائل القبح ترويجا وإنتشارا لقضايا لا علاقة لها بهموم ومشاكل الوطن والمواطن
وأنه رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت رأياً عاماً موازياً، حقق بعض الانتصارات الضعيفة، لكنه يبقى غير قادر على الضغط على الوزراء والمسؤولين والفاسدين ، لذلك تجد الوزراء والمسؤولون ينظرون إلى هذه الوسائل على أنها “لعب أطفال”. وبالتالي، اعتذارهم عن أخطائهم سيكون في أضيق الحدود، إن لم يكن غير موجود أصلاً. كتشكيل لجان .. ودراسة الوضع .. وماشاكل ذلك
وكذلك الهروب من الأخطاء عبر عدة أساليب، منها عدم ذكر الخطأ أو الالتفات له في الخطابات الرسمية، والتشويش على هذه الأخطاء بذكر معلومات متضاربة ومتناقضة حول موضوع الخطأ، ثم يقع صراع بين هذه المعلومات، ليصبح المواطن غير مدرك لحقيقة الأمر كما حدث في قضية شركة أمطار والنخيل المريض وتضارب الأخبار حولها التي ستجعل القضية والفضيحة في خبر كان

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..