رحم الله الدكتور عبد الماجد على بوب

فقد عرفته عن قرب بحكم دراستي مع زملاء أفاضل لي من الشماليين والجنوبيين، حين تناهي الى سمعي نبأ رحيله فقد عاد بي الحنين الى جوبا، تلك المدينة الحالمة التي ترقد على مروج من الأرض العذراء…
كان قادما لتوه من المانيا بعد أن نال درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، وقتها كنا طلبة بجامعة جوبا… كان أستاذا خلوقا، وذا أدبٍ جم تكاد لا تسمع محاضراته إلا همساً، كان متمكنا من مادته ونشطا في عمل الندوات الفكرية والسياسية وقد أسسنا جمعية للعلوم السياسة تحت اشرافه المباشر… في ذلك الحين إن كانت جامعة الخرطوم جميلة ومستحيلة فقد كانت جامعة جوبا تلك الطفلة المدللة لجمهورية السودان ولم تبخل الحكومة بشئ قط إلا واستجابت لطلبات تلك الطفله الوليدة وهي رمز لوحدة السودان شماله وجنوبه… كان جل الأساتذة من الأوربيين وكان عميد كليتنا الدكتور الراحل/ فاروق كدودة ومدير الجامعة البروفسير / عبد الرحمن ابوزيد والذي حين يتحدث بالانجليزية فكأنما أبواب السماء فُتحت بماء منهمر حتى الخواجات كانوا لا يجارونه في لغتهم الأم…. وأذكر أننا عاصرنا في ذلك الوقت من رؤساء المجلس التنفيذي للاقليم الجنوبي (أبيل الير، جوزيف لاقو، قسم الله عبد الله رصاص وجوزيف طمبره) وكان الجنوب ينعم بالاستقرار التام…
بعد أن أسسنا لجمعية العلوم السياسية ، انطلق بنا البروفسير عبد الماجد علي بوب الى الخرطوم وشاركنا في ندوات فكرية في منتدى الفلاسفة بجامعة الخرطوم تحت اشراف البروفسير الراحل محمد عمر بشير وكانت الندوات جلها ينصب على النظام اللامركزي والحكومات المحية التي أتى بها الدكتور/ جعفر على بخيت وكان السودان حديث عهد بها ومنها ذهبنا الى كسلا وبورتسودان للوقوف على مدى نجاح التجربة اللامركزية… ثم عدنا للخرطوم لننطلق الى قاهرة المعز… فكانت مصر تعيش أحلك أيامها السياسية والاقتصادية بعد إبرامها لاتفاقية (كامب ديفيد) مع دولة اسرائيل وكانت تعيش أزمة خانقة بعد أن تخلى عنها العرب جميعا وكونوا ما يسمى بجبهة (الصمود والتصدي) كما نقلوا جامعة الدول العربية من مقرها بالقاهرة الى تونس… كان السودان في ذلك الحين بقيادة الرئيس الراحل نميري هو المتنفس الوحيد لمصر، استقبلتنا مصر استقبال الفاتحين من المطار الى منيل الروضة بشارع احمد عبد العزيز حيث قصر الضيافة… وكانت برامج الزيارة ثرة ومجدولة فزرنا أول ما زرنا كلية العلوم السياسية لجامعة القاهرة فاقيمت على شرفنا ندوات براعية عميد الكلية… فكانت الزيارة التالية لوزارة الخارجية حيث استقبلنا البروفسير / بطرس بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية آنذاك وعمل لنا محاضرة قيمة عن اتفاقية كامب ديفيد وتاثيراتها في المنطقة العربية… كما استقبلنا مجلس الشعب المصري بكامل طاقمه ورحب بنا وتحدث في الندوة رئيسه (الدكتور/ صوفي ابو طالب) وايضا كان الحديث عن (كامب ديفيد) وتداعياتها في المنطقة وتحدث كيف ان مصر خاضت أربعة حروب من اجل فلسطين في عام 48، 56، 67و1973 وكيف أن العرب تنكروا لهم بعد ذلك وثمن وقوف السودان الشقيق في محنتهم… ثم عدنا بعد ذلك الى الخرطوم فجوبا… كانت جوبا في ذلك الوقت مدينة هادئة وساحرة والمستوى الأكاديمي ممتازا، فقد درست لبعض الوقت في كلية القانون بجامعة الخرطوم إلا أنني عدت الى جوبا مرة أخرى لما لمست فيها من الانضباط والمنهج الأكاديمي الذي كان يدرس بنظام السمسترات (semesters) فقد كان المنهج جديدا على الجامعات السودانية في ذلك الوقت…
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كانت جامعة جوبا في سالف عهدها في جوبا تضم فطاحلة من الأساتذة السودانيين والأجانب في كل كلياتها. كانت إدارة الجامعة ممثلة في بروفسير عبد الرحمن ابو زيد وأمينها العام بروفسير موسيز ماشار حريصة على رفد الجامعة بخيرة الأساتذة من مختلف أنحاء العالم وكانت للجامعة علاقات واسعة مع الجامعات البريطانية وعلى رأسها جامعة درام. ولقد كانت الجامعة كمؤسسة أكاديمية تنعم بقدر كبير من الحرية الأكاديمية والفكرية والتي إنعكست في شكل معارض يقيمها الطلاب وندوات فكرية كان المتحدثون فيها رجال بقامات بروفسير عبد الرحمن أبوزيد، بروفسير مالك بدري، بروفسير عبد العال عبد الله عثمان ومن الأجانب بروفسير حلمي الشعراوي (مصري الجنسية) أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم الإجتماعية، والصحفي و الكاتب البريطاني و المحلل السياسي د. مايكل ولفرزMichael Wolfers أستاذ العلوم السياسية بروفسير آلان وود روف أستاذ الباطنية والأطفال وقد كان بجانب تبحره وعلو كعبه في العلوم الطبيةمتمكناً من علم الفلك وكان له مرصد صغير يرصد به النجوم ويقيم المحاضرات ويتحدث فيها وكأنه إختصاصي في الفلك. وكان هنالك الأديب الأفريقي الكبير تعبان لو ليونق الباحث في التراث الأفريقي ورائد بحوث الأدب الشفاهي orature والذي كان كثيرا مايقيم الندوات الثقافية والليالي الشعرية. كان لوجود هذه الكوكبة من العلماء المفكرين المفوهين أثره في الحياة الفكرية لمدينة جوبا إذ كان نادي أساتذتها وقاعات C6 والسماني مسرحاً للعديد من الندوات التي كان يؤمها مثقو مدينة جوبا وسياسيوهاوقد أدى كل ذلك إلى خلق جو فكري تنفس فيه الجميع بحرية وساهم في تشكيل وعي الطلاب وجعلهم أكثر إلماما بما يدور حولهم وفي العالم الخارجي مما أنعكس عليهم لاحقاً في حياتهم العملية ككفاءات تؤدي دورها في العديد من المجالات داخل وخارج السودان.

  2. الله يرحم بروفيسور بوب الذي علم الكثير من ابناء جامعة الانتماء والتميز العلمي جامعة جوبا . كانت في عهده كلية الاقتصاد جامعة جوبا من اميز الكليات في السودان كان عميدها حينذاك دكتور فاروق ابوكدودة اللهم ارحمهم جميعاً

  3. كانت جامعة جوبا في سالف عهدها في جوبا تضم فطاحلة من الأساتذة السودانيين والأجانب في كل كلياتها. كانت إدارة الجامعة ممثلة في بروفسير عبد الرحمن ابو زيد وأمينها العام بروفسير موسيز ماشار حريصة على رفد الجامعة بخيرة الأساتذة من مختلف أنحاء العالم وكانت للجامعة علاقات واسعة مع الجامعات البريطانية وعلى رأسها جامعة درام. ولقد كانت الجامعة كمؤسسة أكاديمية تنعم بقدر كبير من الحرية الأكاديمية والفكرية والتي إنعكست في شكل معارض يقيمها الطلاب وندوات فكرية كان المتحدثون فيها رجال بقامات بروفسير عبد الرحمن أبوزيد، بروفسير مالك بدري، بروفسير عبد العال عبد الله عثمان ومن الأجانب بروفسير حلمي الشعراوي (مصري الجنسية) أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم الإجتماعية، والصحفي و الكاتب البريطاني و المحلل السياسي د. مايكل ولفرزMichael Wolfers أستاذ العلوم السياسية بروفسير آلان وود روف أستاذ الباطنية والأطفال وقد كان بجانب تبحره وعلو كعبه في العلوم الطبيةمتمكناً من علم الفلك وكان له مرصد صغير يرصد به النجوم ويقيم المحاضرات ويتحدث فيها وكأنه إختصاصي في الفلك. وكان هنالك الأديب الأفريقي الكبير تعبان لو ليونق الباحث في التراث الأفريقي ورائد بحوث الأدب الشفاهي orature والذي كان كثيرا مايقيم الندوات الثقافية والليالي الشعرية. كان لوجود هذه الكوكبة من العلماء المفكرين المفوهين أثره في الحياة الفكرية لمدينة جوبا إذ كان نادي أساتذتها وقاعات C6 والسماني مسرحاً للعديد من الندوات التي كان يؤمها مثقو مدينة جوبا وسياسيوهاوقد أدى كل ذلك إلى خلق جو فكري تنفس فيه الجميع بحرية وساهم في تشكيل وعي الطلاب وجعلهم أكثر إلماما بما يدور حولهم وفي العالم الخارجي مما أنعكس عليهم لاحقاً في حياتهم العملية ككفاءات تؤدي دورها في العديد من المجالات داخل وخارج السودان.

  4. الله يرحم بروفيسور بوب الذي علم الكثير من ابناء جامعة الانتماء والتميز العلمي جامعة جوبا . كانت في عهده كلية الاقتصاد جامعة جوبا من اميز الكليات في السودان كان عميدها حينذاك دكتور فاروق ابوكدودة اللهم ارحمهم جميعاً

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..