في شأن الأصدقاء القدامى

ما زالت ذاكرتي تلح علي الا استسلم لنسياهم وما زال أطيافهم البعيدة ترحل معي في كل منفي ومهجر ، كنا فتية يتملكنا الطموح ويغمرنا احساس القوة وامتلاك ناصية الفعل والأمور. وكانت أجواء الخريف تغمر أنحاء معقل السادة العركيين وموطنهم مدينة ابوحراز ، اتذكر الآن بوضوح ذلك اليوم الأول من العام الدراسي لسنة 98 وانا اعبر الجسر علي النهر من مدني الي الضفة الأخرى ثم شمالا في طريق مرصوف من الحصي محاصر بمياه الأمطار الغزيرة من كل جانب تلوح القباب من بعيد كأنها منارات الطريق وكأنها بلا نهاية ، والعربة التي تئن بحملها من الناس والدواب تنئن من وطئه الحمولة ووعورة الطريق وهي في مناجاتها تلك يغادرها في كل حين بعض الركاب حتي لم يبق فيها غيري ، والأفكار تراودني عن وجهتي ومحطتي كلية جامعية لم تكن من ضمن رغباتي وأنا أملا استمارة القبول للجامعة أصر ابن خالتي علي إضافتها وقبلت ثم هي الآن سوف تحدد ضمن أشياء اخري مستقبلي .
هل ما زالت المباني هي هي ، هل مازالت ابوحراز كما هي ماذا حل بالزميلات والزملاء ، بأصدقائي القدامى ، بعد يومي الأول تغير كل شيء ، كنت آخر الطلاب الواصلين وكانت زيارتي الأولي علي الإطلاق للجزيرة عموما ومعرفتي بوجود ابي حراز علي الطلاق ، وكمعظم طلاب الكلية حينها انضممت لداخليتها ، لصعوبة المواصلات العامة حينها حتي الزملاء ساكني مدني وضواحيها يسكنون في الداخلية ، ضمت غرفتي إذا لم تخذلني الذاكرة عبد الخالق ومحمد ومحمد وانا ، وكل غرفة بها أربعة .ثم في ظرف ما تشكلت حلقة وكانت هنالك عدة حلقات ، كنا نحن عشرة بل قل خمسة عشر من معظم أنحاء السودان وكان هو حلقة الوصل وميزان الشلة ، يتميز بأصالة امدر مان التي تربي بيها وصبر وطيبة الخرطوم بحري حيث والده ، رغم صغر سنه حينها كان متعدد المواهب ، يعشق الاطلاع وبوب مارلي وكنا نسميه الراسته ، يعشق التمرد ويحرض له ، يعزف العود ويحاكي ود الامين ، جمعت بيننا كل هذه الأشياء واكتر يمكنني ان اقول كان صديقي !! جامعة الجزيرة تدخلها شابا غرا وتخرج منها بعد عامك الأول رجلا شبه كامل ، تطلق فيك شرارة المعرفة وحب الوطن ، فانشغلنا بالطلب والسياسة وكان صديقي كعادته مندفعا لكن بوعي ، قضينا معا عاما مليئا بالأحداث مفعما بالذكريات ، ثم في منتصف العام الثاني أجبرت على ترك الكلية والجامعة ، تباعدت بيننا المسافات واتخذ كل منا طريقا ، وكنت انا سببا في القطيعة ، عبر كل هذه السنين اتخذت اصدقاء كثر ومررت بتجارب جمة ، وطوال هذه العشرون عاما لم اسمع عنه شيئا، تمر أمام أعيني ذكرياتي معكم أيها الذين تركتم ذكرياتكم معي ، ما زلت احتفظ بأسراركم لم ابحها ، هل يا تري منكم أحد مازال يذكرني ، الموت هو أن ينساك الرفاق ، طالما بقيت الذكريات بقينا ، ماذا فعل الله بك يا صديقي مكي محمد الحسن الدفعة عشرين جامعة الجزيرة كلية الزراعة ابوحراز .
غدا احكي لكم عن آخر
النمسا ? مدينة فيينا
[email][email protected][/email]