الشعبي لا ينتج بل ?يحمل أسفاراً?

تحدثنا أول أمس عن البوصلة الخربة التي تستهلك طاقة الذهن العام في قضايا وأزمات مصطنعة لا تمثل أساس القضايا والهموم التي تشغل الناس، وضربنا مثلاً على ذلك بجدل التعديلات الدستورية التي يتبناها المؤتمر الشعبي والتي تشتت غباراً على قضية لم تكن محل جدل أو التباس أصلاً وهي قضية الزواج الذي يتم في السودان وفق شروط الشرع وفقه الجمهور الذي نشأت عليه ثقافة المجتمع.. فأصبح عقد الزواج في السودان من الأمور التي لا تحتاج لا لتعديل ولا تطوير حيث لا خلاف ظاهر حولها .
الآن يثير المؤتمر الشعبي بإصراره على تعديلات شروط الزواج، يثير جدلاً غريباً يبدو فيه موقفه مرتبكاً، حتى تشعر حين تتابع هذا الجدل وكأنهم يقصدون افتعال أزمة في غير مناسبة أو ضرورة لهذه الأزمة .
وقد تابعت تصريحات وإفادات لبعض قيادات الشعبي حول هذه القضية خاصة الأستاذ أبو بكر عبد الرازق في حديثه في برنامج (حال البلد) مع الطاهر حسن التوم بفضائية سودانية 24.. حيث اتهم أبو بكر من يفسرون نص التعديلات الجديدة بأنها تعني إسقاط شرط الولاية على المرأة في الزواج، اتهمهم بسوء الفهم بل بالكذب والتدليس وزعم بأن المعنى المقصود ليس إلغاء شرط الولي بل المقصود هو حضور المرأة لمراسم عقد زواجها.
ثم يعود ويناقض نفسه تماماً حين يصر على عدم إضافة كلمة أو كلمتين للنص توضحان الإقرار بشرط الولاية وتؤكدان على المعنى المقصود من التعديل الملتبس وهو ? حسب زعمه ? يعني حضور المرأة بنفسها لعقد زواجها وهو الأمر الذي لا خلاف واضح حوله حسب علمي .
لكنه يقول ذلك ويقفز مرة أخرى ليتحدث عن أن الولي ليس شرطاً في الزواج بحسب رأي الإمام أبو حنيفة الذي يرى أن المرأة يمكنها عقد زواجها ولو لم يوافق الولي ..!
لقد بدا لي هذا الرجل ? أبو بكر عبد الرازق ? يحمل موقفاً مضطرباً تماماً فلا هو يمتلك الجرأة التي تجعله يواجه التفسير المنطقي للتعديل الذي يتبناه هو وحزبه بأنه يعني إلغاء الولاية على المرأة في الزواج حتى يدافع عن قناعته بقوة وبموقف واحد وثابت ولا هو يرفض ذلك الفهم الواضح الذي فهمه معظم الناس من التعديل ويرفض بذلك إسقاط شرط الولي وينهي القضية .
هذه مشكلة كبيرة تجدها لدى الكثير من تلاميذ الشيخ الترابي رحمه الله الذين يحاولون تبني آرائه أو اجتهاداته الجريئة في موضوعات الفقه الإسلامي لكنهم لا يمتلكون ما يكفي من العلم والثقة في أنفسهم والجرأة المطلوبة لتبني هذه الآراء والدفاع عنها بمنطق مقنع .
وأخشى أن تكون تلك الأزمة هي أزمة التنظيم بالكامل وليس فقط أزمة خاصة ببعض قياداته، فالمؤتمر الشعبي الآن لم يقل إنه يريد إسقاط شرط الولي لكنه يصر على التمسك بنص مصاغ بما يفيد هذا المعنى بالتأكيد ..!
لو لم تكن لدى المؤتمر الشعبي قدرة على تبني جميع المواقف الفقهية الخاصة بالشيخ الراحل حسن الترابي فمن الأكرم لهذا التنظيم أن يتعاطى مع آراء الترابي في حدود ما يستطيع عليه صبراً فقط حتى لا يظهروا بهذا المظهر غير اللائق .
رفض إسقاط شرط الولي عن الزواج ليس موقفاً خاصاً بجماعة متشددة أو فقهاء سلطة أو حزب.. بل هو موقف يعبر عن قيم مجتمعنا وأصوله وثقافتنا الدينية .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي