ينحدر الشاعر عمر محمد أبو شناح، المشهور بقريميط، من فرع الفراحنة في قبيلة دار حامد وينتمي لأسرة كريمة عرفت بالشهامة والشعر الشعبي؛ وكأن هذه العائلة، ما شاء الله، يجري الشعر في دم أفرادها فما منهم شخص إلا وهو شاعر رجلاً كان أو امرأة، فهل يا ترى يورث الشعر أم ينتقل عن طريق الجينات؟ ولد الشاعر ونشأ في منطقة “الخيران” الواقعة بالقرب من دميرة وشمال بارا. وتربى كغيره من أبناء تلك المنطقة والفترة تربية شبه بدوية فرعى الإبل ومارس الزراعة في السواقي؛ ولذلك حمل قريميط قيم البداوة العربية العريقة والنبيلة وانعكس ذلك في شعره بكل وضوح. وعندما بلغ سن الرجولة بدأ عمنا عمر أبو شناح يشارك في رحلات العمل التي كانت يقوم بها أبناء المنطقة إلى مديرية النيل الأزرق من أجل العمل في إنتاج الصمغ العربي في الدمازين وأبو قرود وقولي وبوط وقد تمتد بهم الرحلة حتى ملكال أو “ملكان” كما يقول هو. خلال تلك الرحلات بدأت موهبة شاعرنا تتفتق ومما قال في تلك الفترة:
برّاق الدبازين الليلة صبّ القايله
خبط ناس رورو والموية جاتكم سايله
يا الحارسين الكلاكع المايله
عودوا بلدكم إن شاء الله الدناقر طايره
ويتضح أن لبيئة الصعيد أثراً في تراكيبه ومفرداته وعباراته، ويظهر ذلك أكثر في أدائه وألحانه؛ لأن طريقة أدائه لشعر الدوبيت المغنى تختلف تماماً عما هو معتاد عند مغنيي الدوبيت في دار الريح. ومن جانب آخر، يغلب على شعر قريميط طابع الوصف والغزل العفيف كما هو في المربوعة التالية:
كيف أمسيتي يا كفْيل البجرجر حبلا
وزي أصبحتي يا عانس الرشيد أم شبلا
السنان فوانيس البقفل الطبلا
واليوم معشوقك مرض واستبلى
الشاعر الكبير عمنا عمر محمد أبو شناح رجل مرهف الإحساس ورقيق المشاعر وصاحب مدرسة متفردة في شعر الدوبيت قولا ونماً، وهو في ذات الوقت، راوية لشعر أعمامنا عبد الرحيم أبو شناح وعيساوي وعبد الرحيم قيناوي أبو أم شيوم رحمهم الله. وكل هؤلاء الرجال هم من كبار شعراء الدوبيت في دار الريح. عمنا عمر قال:
الليلة الصعيد هبهب فروع النيم
وبوجد نفسي في الغرغير مفارق الليم
وين العنقه باهي مكجرو الهضليم
ضقنا ليالي كان الزايلة فيها نعيم
وعندما يستخدم شعراء الدوبيت كلمة الصعيد إنما يعنون بذلك موسم نزول الأمطار في أول فصل الخريف وما يصاحب ذلك من بروق ورعود وسحب تهيج في النفس الشوق إلى الأحبة والديار؛ خاصة في حال البعد عنهم. وما يتضح من صياغ هذه الأبيات أن الشاعر قد شط به البعد عن ديار الحبيب، وحل في منطقة تكثر فيها أشجار النيم، وبلغ به الشوق والفراق درجة جعلته يشعر كأنه قد شارف على الموت حتى شارف على الغرغرة؛ أي صار كمن ” تردَّدت الروح في حَلْقه عند الموت” وهذا لعمري معنى غير مسبوق، كما أن الاشتقاق نفسه يؤكد رأيي بأن شعراء الدوبيت يستخدمون لغة عربية فصيحة في كثير من أشعارهم، وهذا ليس بأمر مستغرب لأن الدوبيت نفسه إنما هو امتداد طبيعي للشعر العربي البدوي وإن كان في قالب سوداني محلي أملته ضرورة الوضع الجغرافي الذي يحدث تغييراً ملحوظاً في مفردات اللغة طالما أنها قد خرجت من موطنها الأصلي، وذلك شايع في كل لغات العالم بما فيها العربية. وهنا يتحسر الشاعر ويتساءل عن مكان المحبوب الذي يكني عنه “بالعنقه باهي” وكل هذه مفردات فصيحة ولا تحتاج منا لكثير شرح، ولكن شاهدنا هنا في قوله “مكجرو الهضليم” فكلمة “مكجرو” مشتقة من “الكجرة” التي هي الخباء يضرب للعروسين، وغالباً ما يكون ظليلاً، ويقصد الشاعر هنا شعر المحبوبة الفاحم السواد وقد تدلى على عنقها الطويل حتى يكاد يضرب عليه خباءً. ومرة أخرى يعبر الشاعر عن تحسره على فراق الحبيب؛ إذ أن الدنيا قد فرقت بينهما؛ لأن نعيمها لا يدوم وكأني به يشير إلى قول أبي البقاء الرندي معبراً عن تقلبات الدهر وأحوال الدنيا في قصيدته ذائعة الصيت التي جاء فيها:
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ فَـلا يُـغَرَّ بِـطِيبِ الْعَيْشِ إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدْتَهَا دُوَلٌ مَـنْ سَـرَّهُ زَمَـنٌ سَـاءَتْهُ أَزْمَانُ
قريميط رجل مرهف الإحساس وانعكس ذلك جلياً في شعره كقوله:
البارح بريقات البطيني بشوفن
هردن قلبي بي نسام نزيلن وفوفن
وين ستات دورنا الكتير معروفن
يا مولاي تطلق لي أمشي أشوفن
وخير شاهد على إجادة هذا الشاعر للوصف الرائع قوله:
الليلة البروق برقن قبل طليانهن
ذكّر عقلي جسيس البميح رويانهن
الخلّاني دون العاشقين أدنالهن
حس الفوم مع قدلة لكيك سيقانهن
ويقول في قصيدة أخرى:
جاتك سكة والمحريب نبع لك ضوه
والخب المتل لعب الكعيكات سوه
يا دوب للجنين الفي ضهورهن نوه
سيدك يوم ملاقاتهن داك مراده وهوه
هذا الشاعر يعيش حالة مستدامة من العشق العفيف؛ ألا تراه يكثر من ذكر البرق والليل والجمال ووصف الحسان والطبيعة؟
ليتك تشرح معاني بعض المفردات الغريبة مثل الكلاكع، أم شبلا، الغرغير ،الليم الخ،،، حتي يفهم القراء.
وين العربي الفصيح ؟ قول كلام سوداني فصيح ما تبخس الشعوب حقها ! قريميط دي شنو ؟ نعلها جاية من قرموط ؟ الزول سوداني اصيل وعاجبنا ما تلصقو في الاغراب ! تعبنا والله من عقد المتثيقفين ديل !
ليتك تشرح معاني بعض المفردات الغريبة مثل الكلاكع، أم شبلا، الغرغير ،الليم الخ،،، حتي يفهم القراء.
وين العربي الفصيح ؟ قول كلام سوداني فصيح ما تبخس الشعوب حقها ! قريميط دي شنو ؟ نعلها جاية من قرموط ؟ الزول سوداني اصيل وعاجبنا ما تلصقو في الاغراب ! تعبنا والله من عقد المتثيقفين ديل !