الكلام المباح عن اجتذاب السياح

يحلو لنا، بعد أن أدمنّا البكاء على أطلال بلادنا، أن نعزي أنفسنا بوفرة مواردنا من أراض خصبة ومياه جارية «نسميها «جائرة» في الخريف»، وصرنا في السنوات الأخيرة شديدي التفاخر بمواقعنا الأثرية، التي تذكرنا بجدودنا «الهزموا الباغي وهدوا قلاع الظلم الطاغي»، وبأن ملوك النوبة حكموا معظم حوض النيل حتى حدود فلسطين
كل ذلك لا يخلو من بعض الصدق، ولكن ما لا أفهمه هو لماذا يتحدث مسؤولون حكوميون عن الدخل الوطني من السياحة؟ بل لماذا عندنا وزارة سياحة أصلا؟ أين وكيف يسيح السائحون في بلادنا؟ بالله عليكم هل من الوارد أن شخصا أجنبيا لديه ذرة من عقل يهبط في مطار الخرطوم، ثم يفكر في الذهاب الى نقطة أبعد منه؟ بمعنى أنه إذا كان حال مطار عمره 80 سنة في عاصمة البلاد، أتعس حالا من موقفي كركر وجاكسون فكيف يكون حال القرى القريبة من المواقع الجاذبة للسياح «نظريا»
لدينا في الخرطوم فندقان فقط يصلحان ل»الاستهلاك الآدمي»، وقول فندقان آخران يمكن لسائح مقطع أن يقيم فيهما. ثم ماذا؟ كيف يصل السائح الى النقعة والمصورات ومروي والبركل وكرمه؟ وهب أنه باصَر ووصل الى واحدة من تلك المناطق: أين يقيم؟ في مهرجان البركل الأول «وتمنيت لو كان الأخير»، لم يجد منظمو المهرجان أماكن لاستضافة الإعلاميين، واضطر المطرب الراقي محمد النصري لاستضافتهم في بيوت أهله، على بعد مسافة من البركل تجيز القصر والجمع بين الصلوات
ولا يجوز لأحد أن يتحدث عن اجتذاب السياح الأجانب، بينما هو عاجز عن اقناع اهل البلد بأن يسيحوا هنا أو هناك، فطالما ليست هناك سياحة داخلية، فليس من الوارد أن يأتي أجانب ليسيح دمهم في بلد كل مرفق فيه يطمم البطن: تخيل أن سائحا أوربيا فدائيا سمع بأهرامات البجراوية، وخرج من مطار الخرطوم شبه سالم، وتوجه الى موقف شندي في مدخل حي كوبر. لن استبعد ان المسكين سيبحث عن تذكرة الى سجن كوبر حتى يرتاح من الدوشة المرورية وصيحات القوموسنجية
هل يستطيع سوداني أن يقنع خواجة بزيارة جبل مرة؟ مستحيل، فالخواجة لا يشتري الكلام المباح، وفي زماننا هذا ف»قوقل» مستشار محايد، وسيلجأ إليه الخواجة فيقدم له معلومات مضطربة، لأن قوقل نفسه مش فاهم حاصل إيه بالضبط في جبل مرة: شي عبد الواحد وشي الدعم السريع وشي اليوناميد وشي معدنين أجانب مسلحين
وليس لوزير السياحة الحالي أو التالي ذنب في عدم وجود أي محفز لأجنبي لزيارة بلادنا، لأمر غير الفوز بصفقة مربحة ماليا، وفي ظل الحكومة المنبرشة المرتقبة، قد يصبح لدينا عدة وزراء للسياحة من أحزاب قاعة الصداقة: واحد لشؤون السياحة القومية وثان للسياحة البرية وثالث للبحر الأحمر ورابع لبحر ابيض، فوجود هذه الوزارة المقصود به أصلا مسح شنبات بعض الطامحين في كراسي السلطة، وتاريخيا كانت وزارة الثروة الحيوانية هي الملطشة بين وزارات الحكومة في السودان، ومع تزايد الحاجة الى المزيد من الكراسي والحقائب الوزارية، تم ترقيه مصلحة السياحة الى وزارة، وكان ذلك ـ يا لسخرية الأقدار ـ مع دق آخر مسمار في نعش حظيرة الدندر، التي كانت تملك كل مقومات «السفاري»، التي صارت مصدرا كبيرا للعملات الصعبة لمعظم دول أفريقيا المدارية والاستوائية.
وقد أبديت تعجبي في مقالاتي الصحفية مرارا من أن بمؤسساتنا الحكومية ولع شديد باستضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية، دون أن يخجل منظمو تلك المؤتمرات من أن يرى ضيوفهم كبرى مدن بلادنا وهي تئن تحت وطأة الزبالة وفوضى التخطيط وحركة المرور، وأقولها للمرة ال98374655 إنه إذا كان «الجواب من عنوانه»، فإن عنوان بلادنا هو مطار الخرطوم، والذي يحسب منه يمر به أول مرة، أنه يسير في جوف خرطوم فيل، يقود حتما الى كرش الفيل، فنظفوا بوابة السودان الكبرى ثم برطموا وارطنوا عن إنعاش السياحة والأحلام كما نعلم ببلاش.
الصحافة

تعليق واحد

  1. لله درك….ومع هذا ما ان تتكلم عن تطور أي دولة في الاقليم ..حتى يبادرك بعض البلهاء بأن ما كان لتلك الدولة أن تقوم لها قاىمة بدون السودانيين …ولا يعلم اؤلىك ان لا نهضة في بلد كان بدون ارادة حقيقية لدى القائمين على الامر في تلك الدولة .

  2. لله درك….ومع هذا ما ان تتكلم عن تطور أي دولة في الاقليم ..حتى يبادرك بعض البلهاء بأن ما كان لتلك الدولة أن تقوم لها قاىمة بدون السودانيين …ولا يعلم اؤلىك ان لا نهضة في بلد كان بدون ارادة حقيقية لدى القائمين على الامر في تلك الدولة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..