أزمة هوية ..!

«لن تمطر السماء أزهاراً أبداً، فإذا أردنا المزيد من الأزهار يجب علينا زراعة المزيد من الأشجار» .. جورج إليوت ..!
مثل سكين الزبد التي تشطر كتلة متجانسة إلى قطعتين متباعدتين، يقطع قرار الاغتراب خارج الوطن الكثير من الأواصر العائلية، ويؤثر سلباً على طبيعة العلاقة بين أبناء الجيل الأول من المغتربين وأسرهم الممتدة في أقاليم السودان المترامية .. شاء المغتربون أم أبوا يبقى فتور العلاقات العاطفية بين آبائهم وإخوانهم وأخواتهم في أرض الوطن وأبنائهم المولودين في بلاد الغربة هو الثمن الباهظ الذي يدفعونه مكرهين لا أبطال مقابلاً لبقائهم الطويل خارج الوطن .. والنتيجة حزمة اتهامات موجهة من جهة وجملة مظالم مرفوعة من جهة أخرى ..!
كثيراً ما يثير المغتربون هذه القضية، لكن حواراً بعينه حولها ? في أحد المواقع الإسفيرية ? استوقفني، وقد خرجت منه بالاقتباسات التالية:
«إن أكبر مشكلة ستواجه المغتربين في المستقبل القريب هي غياب الهوية السودانية عند أغلب الشباب المغتربين، فبعض الشباب، من الجيل الثاني بأرض المهجر في قلب الرحى، فهو مكشوف وعُرضه لاستلاب كامل إذا ما تسللت بعض المفاهيم السالبة وتمكنت من قناعاته وتحكمت في آلياته النفسية، فالاستلاب الثقافي الذي يعيشه الأبناء يتفاقم في ظل انشغالنا نحن الآباء بالعمل ولقمة العيش وجمع المال واقتناء العاديات وبناء العاليات السوامق» ..!
«سيظل سؤال الهوية يتردد في ذهن الأبناء مافتيء التفاعل مع الواقع غير السوداني واقعاً، مع الأخذ في الاعتبار محدودية الأفق وقصور الإحاطة بالمعلومات المطلوبة عن الوطن، وغياب منهج التربية الوطنية التي تضعها الدول ضمن أولوياتها التعليمية لأهميتها وعظيم تأثيرها» ..!
أحد أبناء المغتربين يقول: «تربيت في السعودية واعتبرها وطني الأم كغيري ممن عاشوا بها سنين ونعموا بخيراتها وأمنها وتعاملها الإنساني مع البشر، أما عن مشاعري نحو بلادي فكيف تطلبون الوطنية من أبناء المغتربين الذين دفعوا الكثير والغالي والنفيس من أجل لقمة عيش هانئة بعيداً عن إجحاف قوانين الوطن، كيف للوطنية أن تجد مكاناً في قلوب أبناء المغتربين وهم يجابهون التفرقة العلنية في التقييم الأكاديمي، فضلاً عن ارتفاع رسوم الجامعات والكليات والمعاهد العليا» ..؟!
مغترب يروي حكايته فيقول «دخلت مرة إلى غرفة الأولاد فوجدت الولدين الكبيرين يتحدثان مع بعضهما بلهجة بدوية لم أفهمها، فذهبت فوراً إلى السوق واشتريت طبقا وجهاز استقبال وعدت إلى البيت وقلت لأم العيال لن تشتغل أي قناة في هذا البيت سوى القناة الفضائية السودانية حتى إشعار آخر، وبالفعل بدأنا في تطبيق هذه الخطة وبدأنا نزور السودان سنوياً، وعندما وصل الأبناء المرحلة المتوسطة قمت بتحويلهم إلى التعليم بالسودان وباتوا يأتون فقط في الإجازات خروج وعودة، والآن من يراهم لا يكاد يصدق، أنا اليوم أب لرجال يمكن الاعتماد عليهم في تصريف شئون الحياة، رجال من أبناء المغتربين» ..!
في تقديري يظل السبب الرئيس في تعميق الفجوة الأكاديمية بين أبناء المغتربين ومؤسسات التعليم العالي في السودان هو بعض المسلَّمات الخاطئة، والتي منها أنّ مناهجنا الدراسية هي الأفضل، أو على الأقل هذا ما يردده الذين يتحدثون عن أفضلية المناهج الدراسية السودانية على غيرها من مناهج الدول العربية الأخرى، والحقيقة، أننا لسنا الأفضل ولا هم يحزنون، ومناهج العرب الذين نغترب في بلادهم قوية ودسمة وقطعت شوطاً مقدّراً في الوصول إلى معايير المنهج الدراسي المثالي، بينما لا نريد نحن المتقهقرون أن نفيق من هذا الوهم» ..!
ويبقى الحل لمعظم إشكالات الهوية – التي تقض مضاجع آباء الجيل الثاني من المغتربين ? في تربية الأبناء على قيم الوطنية السودانية الحقة» .. أيها المغتربون .. افتحوا أبواب الأقفاص .. شجعوا أبناءكم على التحليق مع الجماعة .. علِّموهم التغريد داخل السرب ..!
اخر لحظة
وهل هنالك تربية وطنية للشباب الذي لم يغادر السودان يوما” ؟؟ بل هل هنالك تربية وطنية لدينا نحن السودانيين اجمالا” ؟ واذا كان ذلك كذلك : فلماذا نسرق اموال الدولة من اكبر مسئول لاصغر موظف، لماذا لا ننظف شوارعنا المقرفة؟؟ لماذا نسف وبلفظ التمباك على الارض؟ لماذا لا نحترم مواعيدنا؟؟ لماذا لا نهتم بهندامنا؟ لماذا نضرب اطباءنا؟
لماذا نقول :الزارعنا غير الله ال يجي يقلعنا؟؟ لماذا يحكمنا شخص واحد (مواطن عادي جدا” او اقل من عادي) قليل المواهب لمدة ثلاثين عاما”؟؟
عفوا” سيدني نحن شعب موهوم،، وغير متربي وطنيا” وعاطل عن المواهب والابداع في اي مجال،، ولذلك صرنا وسنظل في ذيل القائمة الى يوم الدين.
نحن سيدتي شعب يملك لسانا” طويلا” فقط.
إن مشكلة فقدان الهوية ليست مشكلة خاصة بأبناء المغتربين مائة بالمائة ، وربطها -مشكلة فقدان الهوية- بالإغتراب والمغتربين يضييق من البحث في المشكلة ويغفل آخرين غير مغتربين ينتظرهم مصير فقدان الهوية رغم وجودهم داخل الوطن العزيز.
الثقافة السعودية في حد ذاتها مفقودة عند معظم شبابها ، وتهرع الناشئة السعودية للتأثر بثقافات أخر تظن فيها الثراء التقافي. إذن فهي فاقدة لسحر التأثير والتأثر.
يا أستاذة منى مرجو منك البحث في الموضوع بروية ودقة ، ثم إمتاعنا بما تجدينه من خلال بحثك. مع فائق الإحترام
المشكلة ليست من الاباء، فالاب اما ان يربي الابناء حيث يقيم وحيث ولدوا او يدفع بزوجته الى السودان وهم يفع ليتشربوا ثقافة اهاليهم. كل اب يريد ان تكون اسرته معه ما لم تجبره الظروف على غير ذلك و لا معنى للزواج ان كانت الاسرة بعيدة عن راعيها فقط من اجل ثقافة بلد. واجهتني حالة وقال انه رماهم هنا وهو مروق هناك.
دخول ابناء المغتربين الجامعات السودانية يشعرهم بالهوة بينهم و نظرائهم. . فالحكومة منذ اليوم الاول للتقديم و رسوم الجامعات تشعرهم بالمهانة كما ان استماعهم لشكوى اهاليهم طوال عمرهم من جهاز المغتربين و جباياته كل ذلك يخلق نوعا من الجفوة بين الابن القادم للتعليم و المجتمع ولذلك تجد معظمهم يتجه الى صداقة حاملي الشهادة العربية لتقارب التحديات و المواجهات و الهموم.
علاقة ابن المغترب بالاسرة المحلية ضعيفة لعدة اسباب. العلاقات الاجتماعية في الغربة ليست بذات الحميمة في السودان.كلمة عمو و خالتو يمكن ان يطلقها الطفل لاي شخص من معارف الاسرة في غربته ولكن داخل الحوش السوداني هنالك تواصل اعمق يجب ان يكون داخل الاسرة. مثلا الحبوبات تعودن على او عودن الاجيال في الداخل على الحميمية في التواصل بينما ابن المغترب لم يتربى ان ينام او يلعب في غير حضن امه او ابيه كما انه تعود ان تكون له ممتلكاته الخاصة وهو امر غير شائع كثيرا خاصة في المجتمعات المتوسطة حيث يمكن ان يأتي ضيوف في السودان فيتنازل لهم الصغار عن اماكن نومهم. هذا امر يصعب على ابناء المغتربين تقبله.
اذا كان السودان دولة بلا هوية ، ما معروفين عرب ، افارقة …شنو نحنا.
اذا كان السودان دولة بلا هوية ، ما معروفين عرب ، افارقة …شنو نحنا.