بزهرات الأحفاد فرهدت الحقيبة

حرصت بشغف، على متابعة مهرجان يحمل اسم «روائع الحقيبة»، بدأت فعالياته منذ نحو 5 أيام في ساحة المتحف القومي، وكانت الليلتان الأوليان حسنتي التنظيم: مسرح طويل وعريض بخلفية جميلة، وإن عاب الحفلتين أن بعض من رددوا روائع الحقيبة، لم يكونوا يحفظون الأغاني التي تصدوا لأدائها، وكان مشهدا مؤسفا أن ترى أحدهم يضع أمامه الحامل المخصص للنوتة الموسيقية، وعليه ورقة تحمل كلمات الأغنية، ويحركها الهواء فيكابس كي يثبتها في موضعها، ثم يواصل الغناء وعينه على الورقة في غياب آي «كونتاكت» مع الجمهور
وفي الليلة الثانية أبدعت فرقة موسيقى الشرطة في العزف بالآلات الوترية والنحاسية، وكان نجمها بلا منازع شاب عرفت أنه حفيد الشاعر أبو صلاح، أدى أغنية صعبة «قسم بي محياك البدري» باقتدار، وعزف على العود بمهارة عوض أحمودي
وحسب برنامج المهرجان، فكل ليلة ـ من بين 12 ليلة ـ مخصصة لشاعر من جيل الحقيبة، ولكن وابتداء من ليلة الشاعر علي المساح، بدأ التدهور في التنظيم والإخراج، فقد صار المسرح عبارة عن شيء يشبه تربيزة السفرة التي كان يستخدمها غوردن باشا «اسمه غوردن وليس غردون»، واستوجب ذلك ترشيد الانفاق بتقليص عدد العازفين، والاستعانة بأشخاص عارين من أي موهبة لأداء الأغنيات، وزاد الأمر سوءا ملء الساحة الصغيرة المخصصة للمهرجان ب»كبار الشخصيات»، حملة عكاكيز المنظرة والفنجرة، وهي الفئة التي ترى أن التجاوب مع الغناء لا يليق بها، بل وحتى عندما تصفق تفعل ذلك بنفس الذوق والرقة التي يصفق بها الناس للجرسونات أي بأطراف الأصابع، في المطاعم التي توصف بالرقي «كان الاستثناء البروفسر أحمد إسماعيل».
ثم كانت الأمسية المخصصة لعبد الرحمن الريح، واعتلت المسرح عشر من طالبات جامعة الأحفاد، وبدأ الكورال في الغناء، وأحس كل من استمع اليهن أنهن اضطلعن بالمهمة بمسؤولية ومهنية، فقد كان هناك انسجام تام بين أصواتهن، وفي مظهرهن العام بثيابهن البيضاء، وأحسنَّ اختيار الأغنيات الخوالد، بدرجة أن الصخور التي لم تحركها أغاريد الأمسيات السابقة، صارت «طربا تميل .. وزاد وجْدها»، وما أن اختتمن أغنية «يا حمامة مع السلامة»، معلنين بها نهاية الأمسية، حتى بُثت الروح في الصخور الجلاميد، ووقفوا على الأرجل يصفقون ويتمايلون، بعد أن سحبت روعة أداء الكورال قناع «الشخصنة» عنهم.
لو اضطلعت «أروقة للثقافة والعلوم» بالمهمة لوحدها، دون أن تزج بوزارة الثقافة الولائية فيها، لخرج المهرجان بصورة أروع وأبدع، فالجهات الحكومية بغض النظر عن مسمياتها، تفتقر الى الحس الفني والجمالي، وأنا على يقين بأن مخصصات تلك الوزارة لا تسمح لها بأكثر من توفير رواتب «العاملين عليها». . . مساكين، فطبيعة مهمة الوزارة لا تكفل لها الموارد التي تكفل التجنيب، الذي يوجب الغسل.
أخوض في مجال لست من فرسانه، لأن ما يؤلمني هو أنه على شدة ولعنا بالمهرجانات والمؤتمرات وحفلات التكريم، فإننا لا نحسن التنظيم، فمثل تلك الفعاليات تتسم عندنا بالكلفتة والهرجلة والبرجلة، لأن كل ما يهم القائمين على أمرها، هو أن يصعدوا في مرحلة ما على خشبات المسارح، ليقولوا كلاما سخيفا معاد التدوير recycled ثم يقوموا بتوزيع شهادات بالجملة، حتى لتحسب أنه سيأتي حين قريب من الدهر، يحمل فيه كل سوداني واحدة من تلك الشهادات التي يتم توزيعها بسخاء، وكأنما ذلك جزء من خطة توزيع الثروة.
كورال جامعة الأحفاد، يقف شاهدا على أن تلك الجامعة تعرف أن التعليم العالي لا يقتصر فقط على حشو الرؤوس بالمعلومات الأكاديمية، بل تحرص على رعاية مواهب طالباتها في مختلف مجالات الإبداع، وتخضعهن في نفس الوقت لضوابط أكاديمية صارمة.
الفاتحة على روح الرائد بابكر بدري، والدعاء بالصحة والعافية لحاملي مشعل التنوير من أحفاده.
الصحافة
كيف يا أبو الجعافر لو حضرت ليلة خليل فرح مع كورال كلية الموسيقى…
كيف يا أبو الجعافر لو حضرت ليلة خليل فرح مع كورال كلية الموسيقى…