مقالات سياسية

الايام الاخيرة للدولار

كان ملخص مقالنا السابق ، وفى فقرته الاخيرة عللى النحو التالى :

( هكذا ترى كيف يعمل النظام الراسمالى فى شيخوخته . يبقى على الكبار على حساب الصغار ، الذين يعزون بمزيد من شعارات الديموقراطية وانقاذ الوطن وماشابه ذلك . وعلى اى حال فقد كان لابد من هذه المقدمة الطويلة ، لنصل الى الورطة التى يجد ترامب نفسه فيها ، وذلك لانه أتى فى هذا الوقت الذى تغرب فيه شمس امريكا قائدة النظام الراسمالى . وسنركز فى مقالنا القادم على تفاصيل هذه الورطة ، وما اذا كان من الممكن “المخارجة” منها بنفس الاساليب السابقة ، أم انها ستكون القشة التى ستقصم ظهر البعير الرأسمالى ؟ )

وللاجابة على هذا السؤال ، لابد من سؤال آخر ذى صلة : لماذا فاز ترامب ، بالرغم من معرفة الكل بامكانياته السياسية المحدودة ؟

يقول شاهدين آخرين من أهل النظام ، السادة ديفيدسون ودل الفال ، يقولان :

( أغلب الامريكيين مقتنعون بافتراض خطير ، بأن الولايات المتحدة ستقود العالم دائما .. وانها ستكون دائما الدولة الاعظم فى التاريخ البشرى . وانه ستكون هناك دائما فرصة للفقير ، اذا عمل بجد وكان يحتاج بدرجة كافية ، ليتخلص من سلسلة الفقر وينضم الى الصفوة .

انهم يعتقدون فى هذه الافتراضات بدرجة انهم مستعدون لتجاهل الدين الداخلى البالغ 19 تريليون دولار . وان يتقاضوا عن ان مرتبات الطبقة الوسطى أصبحت تكفى بالكاد ، حيث اصبحت اسعار كل شئ ، من الحليب وحتى السيارات مضاعفة ست مرات عما كانت عليه فى 1970 ..

هم مستعدون لتجاهل ان الشهادة الجامعية ، ابعد من ان تضمن دخلا محترما ، اصبحت لاتضمن حتى وظيفة لبعض الوقت لدى ماكدونالدز بمرتب فى الحد الادنى هذه الايام .

ولكن كما تعلمون ، فان تجاهل المشكلة لايصرفها ! )

لكن ترامب استطاع ابان حملته الانتخابية ان يخاطب هذه المشاكل ، فقد وعد باعادة امريكا عظيمة وقوية ، كما وعد بحل المشاكل الاقتصادية من خلال منع الاجانب من مزاحمة المواطنين على العمل ، ولو ببناء الحائط الفاصل بينهم والمكسيك (!) وبالصرف الكبير على الدفاع لمواجهة الاطماع الصينية ولانعاش الاقتصاد ايضا .

غير ان تركة الديون الكبيرة واستغلال آخر ماتبقى من كروت السياسات المالية والنقدية ، التى مكنت اوباما من البقاء لفترتين ، لم تعد اسلحة فاعلة فى هذه الازمة التى يسمونها مالية واسميها اقتصادية ، لاينفع فى علاجها الاتحولات هيكلية ظلت امريكا تطالب بها الآخرين لتعيش على حسابهم ! ومع ذلك وبالرغم منه ، فان ترامب وعد بحلول لاتخاطب جذور المشكلة ، ولكنها ستساعد فى استمرار النظام من وجهة نظره كراسمالى شخصيا! فما هى هذه الحلول ؟

حلول ترامب تندرج تحت بندين : محاولة تخفيض الانفاق الحكومى واعادة المستثمرين الامريكيين الهاربين الى الخارج بسبب توفر عوامل افضل للاستثمار ولارتفاع الضرائب على ارباحهم فى امريكا، بالاضافة الى زيادة صرف الدولة المباشر على البنية الاساسية “وسائل كينزية “!

فى محاولته الاولى لتخفيض الصرف ، تقدم ببديل لخطة اوباما الصحية ، او مايسمى”أوباما كير ” . وكان هذا اختبار ينتظره الكل ، خصوصا من زاوية انه سيعطى مؤشرا لامكانية انفاذ خططه الاخرى من خلال الكونجرس ذى الاغلبية الجمهورية ، وعلى العكس من ذلك اذا تم رفض خطته . ويبدو ان الاحتمال الاخير كان هو الاوفر حظا ، ولذلك فقد اضطر لسحبها قبل عرضها للتصويت ! وكان الاثر المباشر لذلك هو هبوط مؤشر داو جونز ولو بنسبة ضئيلة .

فاذا نظرنا الى الجوانب الاخرى من خطته ، مثلا فى مجال اعادة المستثمرين الامريكان الى الحظيرة ، فان تخفيض الضرائب قد يكون عاملا مؤثرا فى هذا الشان ، ولكن يبقى تصرفه حيال سعر الفائدة واثره على اضعاف او تقوية الدولار ، اذ ان ذلك هو العنصر الاقوى فعالية فى اعادة المستثمرين الامريكيين وغيرهم . وهذه مشكلة كبرى ايضا لمستقبل الاقتصاد الامريكى . فمن ناحية فان رفع سعر الفائدة على الدولار سيكون له أثر ايجابى على الاستثمار ولكن سيكون له فى نفس الوقت أثر سلبى على الديون البالغة حدا فلكيا ، قلنا فى مقالات سابقة ان الدولة الامريكية نفسها لن يكون فى مقدورها سدادها الا باللجوء الى مصادرة استحقاقات الجمهور المعاشية !

كذلك لاندرى من اين سيحصل السيد ترامب على الترليونات المطلوبة للاستثمار فى البنية التحتية وحال الديون الداخلية كما ذكرنا !

لكل ذلك قال شاهدنا الاول من اهلها : ان الاقتصاد الامريكى قادم الى أزمة ? مالية ? أسوأ من ازمة الكساد العظيم ، وانها قد بدأت بالفعل ، وان آثارها ستكون كارثية على الولايات المتحدة وبقية انحاء العالم . وهو فى هذا لايملك غير تقديم نصائحه للافراد لكيفية تفادى

آثار هذه الازمة على المستوى الشخصى ، لانه يعتقد انه قد فات الاوان على تفاديها بالنسبة للدولة الامريكية نتيجة للتراكمات التى حدثت من جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة ولفترة طويلة من الزمن .

من جانبى أقول ان الازمة ليست مالية وانما هى اقتصادية كاملة الدسم وترجع اسبابها الى طبيعة النظام الراسمالى وهى تثبت بشكل قاطع صحة افكار ماركس فى هذا المجال . وحتى شاهدنا الاول ، الذى لايمكن دمغه بالماركسية أو اليسارية بشكل عام ، قد توصل الى ان امر العلاج يتطلب اجراءات هيكلية . ولكى نؤكد ان افكار ماركس فى هذا المجال تكتسب أدلة جديدة فاننا سنتطرق الى ازمة النظام الصينى ، الذى ظل يؤشر يسارا ويتجه يمينا ، فى مقالاتنا القادمة باذن الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..