أخبار السودان

قصة لحام منتصف الليل،،

· حكومة المؤتمر الوطنى تخوض لعبة الحرب ضد المعارضة المسلحة، وتخوض لعبة القمع ضد المعارضة السلمية. واللعبتان وضعتا البلد فى هذا المحك القاسي

د.الشفيع خضر سعيد

تعرضت بقعة من بقاع بلاد السودان، مأهولة بالناس البسطاء والكادحين الذين يكدون كدا من أجل الأمان والعيش الكريم لهم ولأسرهم، تعرضت لإنفجارات عنيفة هزت ساكن الليل وطردت ظلامه، وأطاحت بأسقف المنازل وحطمت النوافذ والأبواب، وخرج السكان حفاة..عراة..مفزوعين ليحتموا بالنيل الأبيض وبتبادل نظرات الدهشة الممزوجة بالقلق والخوف والتساؤلات. وفى صبيحة اليوم التالى ?شدٌ? الاهالى ?كرامة بليلة? حمدا لله على السلامة، وضحكوا كثيرا على موضوع ? لحام منتصف الليل?، واستغربوا ان يكون الفاعل اسرائيل دون غيرها، ثم تفرقوا لمتابعة تجهيزات العيد. الفعل الحكومى الذى إستدعى اعتداءا سافرا من دولة اخرى، ورد الفعل الحكومى على الحدث نفسه، وكذلك رد الفعل الشعبى، كل ذلك يستدعى التأمل والتفكير وسرعة التدبير.

نحن نعلم تماما أن نظام المؤتمر الوطنى، ومنذ يومه الأول في الحكم، يستمرئ تضييق مساحة الدوائر النافذة التي تتخذ القرارات المصيرية المتعلقة بالوطن. والكل يدرك أن هذه الطريقة بالتحديد هى التى تفرزع مقومات السيادة الوطنية، فما الجديد اذن؟! أما قصة ?لحام منتصف الليل?، ومحاولات الفبركة الأولى عن مصدر وسبب تلك الإنفجارات، فقد أكدت على الضعف المريع الذي يعانيه النظام الحاكم، وكشفت عن مدى إستخفافه بأهل البلاد، وأنه لا يعنيه الانسان السودانى سواء كان هذا الانسان فى كادوقلى أو أم سيالة أو الكرمك أو الكلاكلة أو همشكوريب أو ود الحداد. يقول الناس: إن الإستعجال والعجلة في التصريح بأن الضربة جاءت من إسرائيل، يكشف عن مبلغ الهوان الذى وصل اليه هذا النظام كونه يستجدى التضامن الشعبى والاقليمى بهذا المستوى من الركاكة. ويشير أخرون إلى أن خطاب المؤتمر الوطني حول السياسة الخارجية للنظام مصاب بمرض الفصام. فهو فى الداخل، حامى حمى البلد ورادع المتفلتين والطابور الخامس. وفى الخارج متزعزع لا تعرف له خطا واضحا واحدا: فتحت الضغط الامريكى يطرد بن لادن، وتحت الضغط الفرنسي يسلم كارلوس، وتحت ضغط الجماعات الاسلامية يسمح بادخال السلاح وتهريبه عبر أراضي الوطن إلى حماس، ومؤملا في الدعم الايرانى يستجيب لطلبات طهران، حتى ولو كانت تتعارض مع مصالح البلاد الاستراتيجية، وما بين الصين وروسيا يصل لما يشبع غرور مجموعة لا تعرف غير الصفقات ? الوطنية?!! إن النظام، أي نظام، الذي يحارب بنيه، كما فعل ويفعل النظام السوداني فى الجنوب وفى دارفور وفى جبال النوبة وفي جنوب النيل الازرق، ليس له القدرة على خوض معركة، قتالية أو خطابية، من أجل الوطن والشعب. فالوطنية قيمة لا تستدعى بين ليلة وضحاها، وإنما تغرس غرسا مع التعليم والتربية وتقديم القدوة، كما يستشعرها الفرد فى المؤسسات المختلفة عدالة ومساواة. وثانيا، لأن السيادة الوطنية ليست فرض كفاية تقوم بها فئة دون اخرى، وإنما يتخلقها المتعايشون فى البلد المحدد، ويستمدونها من توحدهم وتفهمهم لمشاكلهم وإستعدادهم لحلها بالتراضي، وهذا غير متوفر لدينا، حتى الآن على الأقل.

حكومة المؤتمر الوطنى تخوض لعبة الحرب ضد المعارضة المسلحة، وتخوض لعبة القمع ضد المعارضة السلمية. واللعبتان وضعتا البلد فى هذا المحك القاسي، وادخلتا الشعب فى حالة من الإلتباس: هل هذا اعتداء على الوطن أم على مملكة الكيزان؟ بالطبع لن نصفق لاسرائيل أو غيرها ونحن نرى ابناء الشعب السودانى يهرعون صوب البحر احتماء من كارثة لا يعرفون حجمها ولا سببها، ولن نقبل بأي إعتداء يمس سيادتنا الوطنية غض النظر عن من يحكم السودان، ولكنا في ذات الوقت نقول بأن الإعتداء غلى السيادة الوطنية لا يأتي من خارج الحدود فقط، وإنما يأتي أيضا من داخل الوطن عندما تؤدي سياسات الحاكم إلى التفريط في السيادة الوطنية.

الشعب السوداني لا يرفض إبراز التعاطف مع القضية الفلسطينية، ولا يعترض على دعم فصائل الثورة الفلسطينية. ولكن، المرفوض هو ان يتلخص دعم الثورة الفلسطينية في علاقة لا يعرفها الشعب السوداني بين حكومة المؤتمر الوطني وفصيل بعينه، هو حركة حماس، علما بأننا لا نعترض على تقديم الدعم لهذا الفصيل. ففي ظل أجواء الحرية والديمقراطية، حيث يزدهر إطلاق المبادرات الشعبية، كما كان الحال بعد ثورة 21 أكتوبر 1964 في السودان، بادر الشعب السوداني بتكوين هيئة الدفاع عن الثورة الفلسطينبة،وذلك بمبادرة من الشيوعيين والقوميين والقوى الديمقراطية. إن طرح التضامن مع الشعوب المستضعفة على المستوى الجماهيري هو الذي يوحد بين الحكومات والشعوب في تحمل نتائج مثل هذه الاختيارات. ولكن إختصار النضال الفلسطيني في حركة حماس وحدها، وقصر الحركة علاقتها مع الحكومة فقط، هو الذي يدفع لحالة الالتباس.

إن موقفنا المناوئ للنظام الاسرائيلي، هو موقف سياسي مبدئي، بعيدا كل البعد عن أي منطلقات عنصرية. بل هو يتأسس من كون إسرائيل دولة مغتصبة لحقوق شعب آخر، ولا تخفي مطامعها الإستعمارية والإستيطانية في المنطقة، مثلما لا تنفي دورها كمخلب قط في خدمة السياسات الإمبريالية. وبذات المنهج، نطرح تساؤلاتنا عن طبيعة علاقة نظام الإنقاذ مع إيران، ولماذا تدار بدون شفافية، وبعيدا عن الشعب السوداني ممثلا في الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني؟ وهل السودان مؤهل للخوض في غمار سياسات المحاور، وهو البلد المنكوب بالحروب الأهلية، والإقتصاده المقعد، ويعتمد بشكل أساسي على العون الاقتصادي الخارجي؟ إن ما حدث في اليرموك هو بعض من تبعات متوقعة، لكون الدولة السودانية تدار بتصورات حزب واحد، وتحت مظلة الاستبداد التي ترزح فيها البلاد. أما رد الفعل الشعبي، فالواضح أن الحكومة فشلت في جعل اليرموك هجليجا أخرى، فلم تنال أي درجة تذكر من التعاطف أو التضامن الشعبي. لكن ذاك ليس ?بشارة خير?. لأن ذلك يعكس عمق المسافة الفاصلة بين المواطنيين والحكم، وحالة الإلتباس التي يعيشها الشعب. وتمكن هذه الحالة وإستمرارها، لا يساعد في خلق جبهة شعبية قوية تقف ضد القوى المتنفذة في الحكم، والتي تفضل إلتزاماتها الآيديولوجية على مصالح البلاد الإستراتيجية. إن الثمن الفادح الذي دفعه، وظل يدفعه، الشعب السوداني بسبب سياسات قلة تستأثر بكل شيء غير عايئة بالحصى الذي ينهال على رؤؤس الشعب، يجب أن يحث الناس لأن تكون اليرموك هي الحدث الذي يصنع التحولات.

الميدان

تعليق واحد

  1. المحترم د/ الشفيع يجب اولأ تحديد مصادر الخطر ولماذا هي (خطر) ولنبدأ باسرائيل
    هل بادرت اسرائيل السودان بالعداء ؟ هل هنالك حدود متنازع عليها بيننا وبين اسرائيل ؟ ماهو سبب (العداء) هل هو عرقي ام ديني ام نحن تبع اذا صالحت مصر صالحنا واذا خاصمت مصر خاصمنا وليس فقط تبع بل صالحت مصر واتخذتنا درقه وامرتنا بعدم الصلح مرة بحجة اطماع لاسرائيل في ماء النيل ومره باسم تشجيع الجنوبيين علي القتال والان =الغرابه = . الم نسلح حماس هل هناك قرار للامم المتحده بالتقسيم بين اليهود والفلسطينيين ؟ الم يقبل عباس بهذا ؟الم يقل ان لا حق له في صفد ؟ أأنت ملكي اكثر من الملك ؟ هاجمنا اسرائيل فردت .
    اذا كان طرح حزبك هكذا فلنترحم علي معارضة انتم فيها . واظن ان كاودا هي الامل ورحم الله الخاتم عدلان

  2. نحن ضد اسرائيل فى كل شىء ولكن ان نجرها الى حربنا وترويعنا فهذا ما نرفضه فلايران مشاكلها مع اسرائيل وقد تندلع الحرب بينهما فى اى لحظة فمالنا نحن ومال ايران علينا ان نعمل من اجل تنمية بلدنا لا حماية الآخرين لقد وصلنا مرحلة من السوء يبكى الاعداء واتمنى ان تجد دعوة السيد / الصادق المهدى استجابة من بقية الاحزاب ولا يغير الله ما بقوم حتى يغبروا ما بانفسهم . التحية لك اخى الشفيع حتى ينبلج الصبح وما هذا ببعيد

  3. أعتقد – مجرد اعتقاد .
    * أن من اسباب اخفاقات الحكومات السودانية المتعاقبة على حكم البلاد
    أنها تهتم بالشأن الخارجى أكثر من اهتمامها بالشأن الداخلى

  4. مشكلتنا في السودان تكمن في الفساد والمحسوبية وعدم العدالة وإليكم هذا الدليل الذي يفيد أن الفساد والمحسوبية وعدم العدالة تهلك الأمم والشعوب :
    عن عائشة . أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي

    سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترىء

    عليه إلا اسامة ، فكلمه أسامة ، فقال الرسول : أتشفع

    في حد من حدود الله ، ثم خطب فقال : إنما أهلك من كان

    قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف

    أقاموا عليه الحد ، وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد

    سرقت لقطعت يدها ، فأمر النبي بقطع يدها .

    رواه البخاري ومسلم

  5. انا حا اقو كلام ما قالو زول قبالي ابدا
    وسوف بلا شك اتهم اما بالجنون او بالتخريف وعدم الادراك للحقائق
    علي التسطيحة
    اسرائيل لم تعترف ابدا وبطريقة واضحة من قبل مسؤول فيها بانها
    وراء ضربة اليرموك
    الناس برضو واعين لمسافة الافين او يزيد بين اسرائيل والسودان
    لدرجة ان البعض حاول اتهام جنوب السودان بالاشتراك مع اسرائيل في هذا العمل
    في نفس الوقت كانت هناك سفن ايرانية في البحر الاحمر فريبة او بعيدة من المياه
    الاقليمية للسودان وبالتالي كان بمقدورها او راداراتها اكتشاف هذه الطائرات الاتية من مسافة الفين كيلومتر ولم تفعل
    اذا لماذا لا تكون ايران هي التي قصفت اليرموك؟
    الاسباب التي تجعل ايران هي التي لها مصلحة في قصف اليرموك كثيرة جدا
    علي راسها اقناع السودان مباشرة بعد الضربة بان ايران هي الدولة الوحيدة التي يمكن ان تكون
    حليفة للسودان ويمكن اقامة اتفاقيات حلف ودفاع مشترك كالذي بين ايران وحزب الله او ايران وسوريا
    ولهذا قامت البوارج الحربية الايرانية مباشرة بعد الضربة بزيارة السودان
    بعدين السرح الذي يمكن لايران قصفه في اليرموك ممكن يكون بحوزة ثرة او اربعة جنود في حزب الله
    يعني ما حسارة سوف تحسب علي ايران
    فهمتو ولا عاوزين فهامة؟

  6. سلام يا زميل

    فلم تنال أي درجة تذكر من التعاطف أو التضامن الشعبي. لكن ذاك ليس ?بشارة خير?.

    لا أوافقك الرأي، إنه بشُارة كُل خير، فهذه الحكومة قد إستغفلت الناس كثيراً بإسم السيادة، وابتزت الحزب الطليعي بإسم الوطنية والثوابت.
    أعتقد أن إسرائيل قدمت درساً مجانياً في كيفية حماية الأمن القومي، ولربما كان ينبغي على الجبهة الثورية أن تقوم بتدمير مصنع الموت الذي تصوب داناته نحو صدور أبناء الوطن في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان.

    البيرقص ما بغطي دقنه.

    مهدي

  7. سادتى ان مفهوم الوطنية ليس هو ارضه وسمائه فقط ولكنه مفهوم اعمق من ذلك ورابطة وجدانية تعنى ذوبان الروح فى الوطن ويماثل حب الوطن عند كثير من الشعوب شرف البنت او الاخت او الزوجة عندما يتعرض للانتهاك فيكون دونه الموت والفناء ..وغرس الحب للوطن لا يتاتى بالشعارات ودعوة الناس هكذا عند كل نازلة تكون الحكومة سببا فيها بان هلموا لحماية وطنكم …ولكن المحزن بعد احداث هجليج واليرموك وغيرها تلاحظ ان الكثير من المواطنين يتصرفون حيال هذه الاحداث كالشامتين وتراهم يفرحون لذلك نكاية فى الحكومة..والسؤال هو ماسبب ذلك؟ والاجابة هو غياب المساواة والعدل بين ابناء الوطن ..والانقاذ عندما اتت للسلطه شردت الكثيرين من وظائفهم وضيقت عليهم فى وسائل كسبهم ليس لجناية ارتكبوها سوى انهم ليسوا من اهل التنظيم واتت باهل الولاء من مؤيديها واغدقت عليهم وهم ليسوا باهل كفاءة او اية ميزة يتميزون بها فعاثوا فسادا ونهبا وطال التردى كافة مرافق الدولة فكانت النتيجة كما نرى اليوم من تمزق وحروب اهلية فصار الناس يكابدون فى معائشهم وكسب قوتهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..