مذكرات امراة سيئة الحظ..!!

كانت بخيتة تجلس القرفصاء في بيت الجالوص متعدد الغرف..تجذب انفاسا عميقة من سيجائر من الماركة الرديئة ..سيدة البيت التي لها خبرة طويلة في العمل تحاول إقناعها ان تتهيأ لوردية المساء.. قبل ان تبارح بخيتة (البنبر) الحديدي بدات السيدة العجوز فاصل من الثرثرة.. لم تعد المدينة كما السابق بعد وصول الحكومة الجديدة..عربات الشرطة يمكن ان تحاصر المكان في اي لحظة..لم تعد الدعارة مهنة محمية بالقانون تحتاج ممارستها لرخصة..هذا البيت قبل سنوات كان يعج بالنشاط ..هنا منضدة لعب الميسر ..في الجهة الاخرى تلفزيون مزود بجهاز فيديو يعرض أفلام جنسية..ثم ترفع السيدة العجوز يدها المكسوة بشحوم كثيفة لتشير للزاوية الجنوبية حيث حانة بلدية لبيع الخمور.
قبل ان تكمل السيدة العجوز روايتها التاريخية ..سمعت طرقا خفيفا على الباب..اغلب الظن ان ثمة زبون محتمل جاء بعد ان غابت الشمس..لم تكن بخيتة التى غيرت اسمها الى نادية تحتاج الى إشارة الاختفاء من المسرح حتى يتم تبين مهمة الزائر..مضت نادية او بخيتة ومن ورائها سحب دخان حتى بدت مثل الطائرة النفاثة المعروفة ب(ام ضنب ) في الأواسط الشعبية..حينما وصلت بخيتة الى المطبخ بدا قلبها يدق بسرعة متناهية..هذا الصوت كانما سمعته من قبل..يبدو مثل صوت شقيقها الأكبر بابكر..شعرت انها باتت في قبضة الاسرة..عشرة سنوات من الهروب تنتهي هكذا..تذكرت الباب السري ..لم يكن بابا بالمعنى المعروف..لكن الحائط الجنوبي المفضي الى بيت العزابة يمكن تسلقه بسهولة..من الافضل لها ان تقع في براثن هؤلاء القساة من ان تعود لأسرتها.
قبل ان تقرر الهروب حاولت ان تتبين ملامح الزائر عبر النافذة الخشبية المهترئة.. حينما ثبتت بصرها على الهدف شعرت ان قواها تخور..كانت ترى منظر قريتها الوادعة في تلك البادية..ارتمت على سرير خشبي متهالك كان به بعض من بقايا اواني منزلية تم غسلها..صوت القطار يسري في دواخلها..كانت دائماً تخاف من القطار..كل كوابيسها بطلها ذاك القطار.
كانت ابنة خمسة عشر عاما..تعيش حياة مستقرة مع اسرتها الممتدة..والدها يجمع بين مهنتي الزراعة وبيع المواشي في الاسواق الطرفية..جدتها لأبيها تمتلك نفوذا كبيرا على البيت..حينما هم والدها بإرسالها الى داخلية المدرسة الثانوية جاء صوت الاحتجاج قويا من حبوبة ام الحسين..كان عليها ان تنظر ابن الحلال اوالاعتناء ببعض الأغنام التي تمتلكها حبوبة ام الحسين.
لم تنتظر بخيتة كثيرا وجاء عيد الأضحى ..مضي والدها وإخوتها الى محطة القطار.. ابن عمها عيد الذي يعمل في الجيش سيقضي عطلة العيد معهم..وصل عيد وكان يمتشق زيا عسكريا لفت أنظار كل سكان القرية..اغلب الظن انه فعل ذلك ليثبت للقرية ان التمرد على الاعراف ليس سيئا..هرب عيد من القرية حينما اجبر على مغادرة مقاعد الدراسة وطلب منه ان يسرح بابقار الاسرة.. منذ ان وقعت اعين المراهقة على الضيف حتى هامت به حبا..لم يكن هنالك من سبيل غير ان تلتقي الاعين خلسة..رغم انه لم يقل كلمة واحدة الا ان بخيتة تاكدت ان اوان مفارقة القرية قد اقترب..حينما ودعها عيد في اليوم الخامس شعرت انه ربما يفاتح والدها في امر الزواج.
بعد ثلاثة اشهر فاغت الريفية المراهقة من الصدمة..حبوبة ام الحسين نادتها الى غرفتها الطينية..من شنطة حديدية محكمة الاغلاق اخرجت خاتم الجنيه الذهبي وضعته باحكام على بنان الصبية التي كانت في حالة اندهاش ..بعدها نقلت لها الخبر..”فضل الله ود حمد سيعقد قرانه عليك في صلاة الجمعة” ..”لكن يا حبوبة فضل الله متزوج من ثلاث سيدات وابنته كانت زميلتي” .. قبل ان تكمل بخيتة مرافعتها طلبت منها حبوبة ام الحسين الانصراف لان الامر بات في حكم المقضي ..خرجت بخيتة وعيناها تفيض من الدمع..ذات الأخبار جاءت مؤكدة من والدها حميدة ود الريح..وحدها والدتها التي تعاطفت معها ..لكنها لم تكن تملك صوتا في المنزل الذي تسيطر على أركانه حبوبة ام الحسين.
منذ اليوم التالي بات البيت الصغير يفيض بالمهنئين..نساء تفرغن لصناعة عطور الزواج..أخريات من كبار السن كن مشغولات بشرب القهوة في مجلس حبوبة.. رغم الحزن رات بخيتة ان تتظاهر بالاستسلام.. كان قرارها النهائي ان تهرب من القرية الظالمة اَهلها ..كل ما تعرفه ان قطار الأربعاء المتجه نحو الخرطوم يتوقف في محطة القرية فجرا..ان تمكنت من ولوج ذاك القطار ستنجح في الوصول الى ديار ابن عمها عيد الذي يعمل بالقوات المسلحة .
وجهها الصبوح كان يفتح لها الطريق ..لكن منذ اللحظة الاولى تاكد لها ان الرحلة ليست بذاك اليسر..المفتش الذي يقترب من عمر والدها عرض عليها غرفة خاصة في نهاية القطار ..تعاملت معه بذكاء طالبا تأجيل العرض لحين الوصول للخرطوم ..بعد رحلة يومين وجدت بخيتة نفسها هائمة في مدينة مزدحمة..لم تجد سبيلا لفارس الأحلام.. كانت ساذجة في بلد مزدحم بالاتقياء والأنقياء والبخلاء واصحاب الغرض والمرض..انتهت رحلتها الى هذا البيت المتعدد الغرف والمحاط بالمخاطر ..ليس لها شيء تخسره بعد ان خسرت شرفها..رغم ذلك كانت تخاف من القطار الذي يحملها في رحلة العودة الى القرية.
الظافر (الصيحة).

تعليق واحد

  1. معقولة بت قبيلة الاسد النتار تعلب بالقمار والدعارة
    خليك واضح بدلاً من الإبهام
    بأن يعود إلي دياره كل من أتي علي ظهر القطار وسكن العاصمة …….!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..