ويسألونك عن الحركة الإسلامية

صديقي المصرفي كغيره من الإقتصاديين يميزهم المنهاج الرياضي في قراءاتهم لمجمل المشهد الراهن ـ لاـ الإقتصادي منه فحسب وبذلك دوما تشتكل عليه بعض مايكتنف سياسات وتصريحات الساسة من غموض ، وهو انبهام عام يكاد لا يستثني المراقب الحصيف في ذلك ولذلك دائما ما يفجر صديقي المصرفي تساؤلات اجاباتها تبدو عصية بفضل افتقار المنظومة الحاكمة لمنهجية واضحة تتيح التحليل المنطقي وما عداه محض اجتهادات وتكهنات تفضي الى ـ سراب بقيعة ـ يحسبه الظمآن ماء، ولعل آخر تساؤلات الصديق حول أسباب فشل الحركة الإسلامية بالبلاد عندي بمثابة الاب الشرعي لمقال اليوم وقد وجدت نفسي مرغما على تتبع نشوء وتطور الحركة الاسلامية، ومجرد الحديث عن الحركات الإسلامية يلزم الباحث بمسلمات وإفتراضات عدة، تبدأ من قبول الوصف الذاتي لهذه الحركات بأنها إسلامية، وتمر عبر رسم الحدود بين إسلامية هذه الحركات ولاإسلامية غيرها. فلا بد إذا قبل أن نبتدر موضوعنا أن نتوقف قليلا عند المفاهيم والمصطلحات
مصطلح “الحركات الإسلامية” بينما يفضل البعض مصطلح “الأصولية”
Fundamentalism وهو ترجمة للمصطلح الإنجليزي
وهو ما خلصت اليه معظم الدراسات المعنية بالشأن، غير ان الأمر عندي في الحالة السودانية فقد جاءت الحركة الاسلامية كتنظيم يظهر الدين غطاء لما يضمر من ميكيافلية مطلبها ـ دنيا و ليس ديناً، وهو ليس مكمن المشكل، مشكلة الحركة الإسلامية في انها إتخذت من التيار الشيوعي منبرا رفعت عليه شعاراتها، وكمبرر موضوعي لحتمية وجودها دفاعاً عن الإسلام ،وفي رأيي هو نجاح للحركة في بناء قاعدة عريضة بفضل العاطفة الدينية ومن ثم إستمالة وإستقطاب الطلاب بالثانويات والجامعات إرتكزت عليهم كمعين وكوادر قامت على مجاهداتهم ركائزها ،الا ان فشل الحركة الذريع مرجعه الى سياسة التمكين الذي إشترت بها بخسا ولاء الطامعين وبذلك إنتفى الجانب العقدي عندهم، وقد بدلوه بالمال والجاه ،ولعمري تلك فكرة تحمل مواتها في جيناتها ، جيش محمد الذي رفعه الجماعة شعارا في وجه امريكا من قبل ،لم يمتلك صواريخ بعيدة المدى ولا حتى مضادات طائرات أو أسلحة ذكية، بل إمتلك أقوى سلاح ألا وهوـ العقيدة القتالية، ولأن الأمر قد يطول ويتطاول نلج مباشرة لأس الفشل فبإنهيار الإتحاد السوفيتي إنهارت الفكرة الشيوعية وبديهي إعلان الموات الإكلينيكي للحركة الإسلامية بالبلاد بفقدان مبرر بقائها كحركة إسلاميةـ ظهرت أول ما ظهرت كواجهة سياسية مع شيوع التقدمية بالمنطقة العربية والإسلامية في تبني النخبة والمستنيرين للفكر الإشتراكي بمضامين العدالة الاجتماعية ومحاربة الاقطاعية وكل الذي نادت به الشيوعية ،وقد صادفت هوى لدى التيارات التحررية بالمنطقة إبان الإستعمار. وما نشهده اليوم حشرجات وسكرات الموت لمن يعض بالنواجذ على الاسلاموية منهم الى يوم الفشل هذا ولا احسبهم كثر بعد ان فرقت بينهم صراعات الثروة والسلطة وبعد ان كفر العقائديين منهم بالفكرة بعد بروز وجهها الحقيقي فمنهم من قضى نحبه ومنهم من هاجر الى بلاد الله الواسعة بعد ان إختار أولي العصبة والقوة الهجرة الى الله، فارين من عظم المسؤولية وقد أهدوا الشعب السوداني الفضل رائعة ـ عصام محمد نورـ (أصلي من دنياك مهاجر لمواني بعاد ضفافها) ومنهم من طش شبكة ـ فمضى يناجي أشباحه والظلالا ، ولا غرابة في مسرح العبث الراهن الذي يسمونه تشبثاً بكراسي السلطة سياسة ..مثل هذه المنظومةالهشة مصيرها الحتمي الفشل في إدارة دولة في فقرها الأنيمي لرجال دولة.
اما المشهد الراهن للبلاد فهو نتاج طبيعي لفاقد الشيء فلا تنتظر من إقتصاد مأزوم إنجاب ميزانية سليمة ، وهنا يتجلى الوجه الحقيقي لممتطي الدين وقد قايضوه بدنيا ومشاريع طفيلية تتغذى على جسد البلاد والعباد وراهن بئيس في واقعه ـ بئر معطلة وقصر مشيد،
وحبنا الله ونعم الوكيل
الفاضل حسن عوض الله