أحلام العصافير…!ا

أحلام العصافير…!!
د.مرتضى الغالي

السوادن وطنٌ كبير… أكبر مما يتصوّر بعض المتصورّين.. وهو بلدٌ شاسع وغنيٌ وواسع، وجلدٌ صبور، وصاحب ثراء عريض، ومتخمٌ ومفعم بالموارد.. وهو من جهة أخرى بلدٌ عريق ومكين، وله حضارات باذخة، وتعدّدية عريضة، لا تستطيع ان تلمّها أو تكاورها (جرابات مهترئة).. وله تاريخ انساني ضارب في القِدم، وفيه مجمع

البحرين و(انسان سنجة) وبشارات القرون، وبدايات الحضارة الأولى، ومعابر الأنبياء والفلاسفة والرحّالة والصالحين.. هو مفاعل المذاهب والتيارات والهجرات، وهو ابن حضارات صنعت الحديد (قبل لانكشير ويوركشير) وهو مهاد كوش ونبتة، وعلوة والمغرة، ومروي والبجراوية، وحفرة النحاس ومجرى السوباط، والسلطنات والمشيخات، ومن اوائل حواضن المنجزات المعمارية والمعاهد التعليمية في طرق القوافل، االتي تمثّلها النقعة والمصورات، وهو من أصحاب البرنجية بين المجموعات السكانية التي عرفت الرموز والأبجدية المكتوبة قبل لغة شكسبير..!!

وللسودان من التواصل الجغرافي والثقافي والسكاني ما يجعل الجنوب شمالاً والشمال جنوباً، وهو معروفٌ أيضا بإيقاف مد الامبراطوريات القديمة على أسوار حدوده، كما خرج ملوك وساسة السودان خارج الحدود حماة ومعلمين، هذا علاوة على شهرة مجالدته للغزاة المدجّجين، بأيدي ابنائه العارية، وبعبقريتهم المحلية التي قهرت الغاصبين، ومرّغت أنوفهم في الرغام.. وهو كذلك عظيم المجالدة للطغاة المحليين.. فلا يمكن بعد ذلك ان أن يدار أمر السودان بالهمم الصغيرة، و(المواعين الضيّقة) والنفوس الشحيحة.. وما تراه يا صديقي لا يعدو ان يكون بعض (الأوشاب الطافية) في مجرى النهر العظيم.. انها (فقّاعات رهيفة) و(دوّامات صغيرة) ما تلبث ان تنحلّ في التيار، ويحملها الريح مثل أوراق الأشجار الجافة إلي مهودها القاتمة… كما يقول شاعر الانجليز شيللي في نداء الرياح الغربية…!!

لا يغرّنك استئساد البغاث وهزيل الطير، وطنينها على الدوحة الشارفة القنواء.. هذه أرض دينق واحمد وادروب وابكر بابكر، وأرض ميري وبخيتة وعائشة… انها ارض الفنون والأدب والحياء، وأرض الانسان المبدع، والنساء صانعات الحياة من تحت ركام البيوت الطينية المتماسكة، والرواكيب المتداعية..ولن تستطيع القرارات الهوجاء ولا الاتحادات والنقابات المزيّفة اللكعاء، ولا الثلة الانكشارية ان تذيب وطن بهذا الحجم، وتجعل عاليه أسافله… هذه مهمة مستحيلة… السودان وطن كبير… ولا تحدثني عن الفقاقيع والطفابيع، ولا عن الفطريات التي تتسلق أسفل الجرة ولا تستطيع ان تصل الي الماء…!!

هذا الذي تراه يا صديقي سطرٌ صغير في تاريخ السودان الناصع.. حتى اذا أضفت الي السنوات الأخيرة البائسة أعواماً اخرى من عمر(الغباوات) التي حاولت اعتراض مجري الحياة الحرة الكريمة… وقد يحسب الطغاة انهم وقعوا على بستان الثمر، ولكن ما ذا عسى ان تحمل بطونهم المكتظة اكثر من ملء (المصران الغليظ) سوف يشبعون من خير السودان و(يرخّمون) في الظل.. وينظرون فيجدون انهم لم يستطيعوا ان يواصلوا الأكل رغم سورة الشَرَه التي تراها عليهم.. لأن ثروات السودان أكبر من (معدة الجشع)… وهذه هي التعاسة التي يستشعرها الجشعون؛ عندما يشبعون ولا تزال في الأطباق بقية …!!

هذه السودان وطن كبير أكبر من الههم الصغيرة، والالاعيب العارضة، التي لن تغني في موازين التاريخ شئيا… ولك ان تزغردي يا فتاة الوطن بالغد الواعد الزاهي، بعد ان تزول هذه البثور والقشور والدمامل عن وجه السودان الذي يحاول بعض ابنائه ان يتجشأوا على طست تسامحه الجميل…!!

اجراس الحرية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..