الرأي الآخر غير المشروع

وجود أكثر من وجهة نظر حول أية مسألة أمر مفروغ منه، ومع ذلك وجد «الرأي الآخر» مشقة بالغة، حتى تمكن من إيجاد مساحة لنفسه في ساحة الحوار.. فقد ظل مبعداً بدعاوى ثبت فيما بعد خطلها، مثل: توحيد رؤية الأمة، وعدم تشتيت الجهود، وبعد أن ثبت أن هذا الزعم مقدمة للتسلّط والطغيان، وضحت الحاجة للرأي الآخر، فتبنت جل المجتمعات مبدأ تعدد الآراء، في إطار المبدأ العام المتمثل في حق حرية التعبير؛ إلا أن بعضاً ممن اكتوى بنار الكبت اندفع في اتجاه تعزيز الرأي الآخر بطريقة فجة، فابتذلوا المبدأ، وقد يلوحون أحياناً بسيف معاداة «سامية» الديمقراطية الشبيه بسيف معاداة السامية المرفوع ضد كل من ينتقد انتهاكات إسرائيل للحقوق الفلسطينية، وعليه لا بد من الإقرار بأن للرأي الآخر حدوداً حتى لا تبتذل ديمقراطية الرأي الآخر، فيصبح معيقاً لقرارات اتخذت «بعد» أن وجد الرأي الآخر حظه من النقاش.
في ذهني معارك طويلة حول قرارات انحازت لخيار دون آخر، مع الإقرار بأن للآخر حججاً، لكن لا بد في النهاية من اتخاذ قرار واحد، حيث يستحيل تطبيق كل الرؤى في آن واحد.
الإصرار على إبقاء الرأي الآخر حاضراً، حتى بعد اتخاذ القرار، هو الذي يفسر طول المعارك في أمور يفترض أن تكون قد حُسمت بإجراء بسيط، لينصرف القوم لمسائل أخرى من هموم الوطن الكثيرة، وإذا تعلمنا في أبجديات الاجتماعات ألا نقاش بعد الشروع في التصويت، ومن ثم لا نقاش ولا اعتراض على قرار تمّت إجازته، يفترض أن نعي في الحياة العامة ضرورة احترام قرار تمت إجازته، ولو كنا معترضين عليه في مرحلة المداولة، ولولا هذا الضابط لاستمر النقاش إلى يوم القيامة، بدعوى حرية الرأي وإعطاء الفرصة الكافية للرأي الآخر، ولو ظل أصحاب الرأي الآخر متمسكين برأيهم حتى بعد اتخاذ القرار لما سارت الحياة.
الفهم الخاطئ للرأي الآخر هو أحد النماذج التي يفترض نقاشها بموضوعية قبل الولوج إلى تجربة الديمقراطية الكاملة في السودان، وأعني بهذه النماذج الأخطاء الخطيرة والممارسات الخاطئة التي لا صلة لها بأداء السلطة الحاكمة الحالية، يمكن أن تنظم جهة أكاديمية أو تنظيم سياسي منتدى للتفريق بين الأخطاء الناتجة عن سياسات خاطئة للنظام القائم، وأخرى هي نتاج للذهنية السياسية السودانية حتى لا تعالج قضية السودان بطريقة التعميم السهلة، التي يمكن أن تلقي بلا جهد فكري أو سياسي كل الأخطاء على عاتق النظام القائم.
الرأي الآخر المفترى عليه وُجِدَ لإثراء النقاش وزيادة الخيارات والبدائل «قبل» اتخاذ القرار النهائي، ولم يوجد للإعاقة بالحضور «بعد» إجازة القرار.;

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..