سلسلة مقالات الحركة الشعبية – الدية عجاجية 5-5

السودان وطن واعد، حباه الله بموارد غير محدودة على سطحه وباطنه، من مياه وأرض خصبة وقطاع حيواني وغطاء نباتي، وفي باطنه معادن من بترول وذهب وحديد ويورانيوم، وعبقرية موقع جغرافي استراتيجي، كان يحادد ثمانية دول بمساحة مليون متر مربع، وطن بكل هذه النعم والموارد مسيرته السياسية الوطنية منذ الاستقلال متعسرة، السؤال لماذا هذا التعسر والتخلف الذي تعيشه البلاد ؟؟؟؟؟ البعض يجيب و يقول، وطن عملاق قزمته نخبته.
فقد خرج الاستعمار منذ ما يزيد عن نصف قرن، ولم نتمكن من تفكيك بنية التبعية، و لا تحقيق الاستقرار و التنمية المستدامة، ولم نتمكن من تحقيق عدالة اجتماعية تقود كل شرائح الشعب للكفاية من الطعام والشراب والسكن والتعليم والصحة بالمعايير الدولية ومازال الثلاثي (الجوع ـ الفقرـ المرض ) سيد الموقف في كل أجزاء الوطن ، وما زلنا فاشلين في إدارة التنوع الوطني فشلا أورثنا الحروب الأهلية في اتجاهات السودان الأربعة ، الثابت الوحيد في البلاد هو التدهور بلغة الرندوك ( البلد داقة ورا ، ما راضية ترمي قدام ) تخرج من نُقرة تقع في دوحديرة .
هذه حيثيات كافية ، لضرورة نقد الماضي ودراسته وطرح سلبياته البائنة واستنهاض الحكمة منة بتفكير جديد ، لا يمكن أن نستمر بذات الطريقة التي سرنا عليها منذ الاستقلال ونتوقع نتيجة مختلفة..
ما هي العقبات أمام الاستقرار في السودان؟
هذه هي الملامح الرئيسية للأزمة الوطنية:-
? عدم القدرة على استيعاب التنوع، وإدارته، هذا الفشل كانت نتيجته وما زالت الحروب المنتشرة بطول البلاد وعرضها.
? الفشل في التنمية المستدامة وغير المتوازنة.
? اعتماد الديمقراطية المعيارية كآلية لحل صراع السلطة (أغلبية تحكم وأقلية تعارض) في مجتمع غير مكتمل التكوين القومي فيه.
? غياب النظرة الاستراتيجية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
? عدم التوافق الوطني، وصرف كل الجهد في تكتيكات الوصول للسلطة، والهيمنة علي مقدرات المجتمع والإقصاء العلني والخفي، لمكونات فاعلة في المجتمع مما يصرفها عن معركة تنمية الديمقراطية إلي التآمر عليها .
? الانصراف الكلي لبذل الجهد في معارك الثنائيات (اشتراكي ـ رأسمالي ـ إسلامي ـ علماني ـ حداثوي ـ تقليدي ـ ختمي ـ أنصاري) فأصبحت كل صراعات القوي الوطنية التي تستهلك جهدها حول هذه الثنائيات ، ويبقي سؤال؛ هل هذه الثنائيات حسمها شرط لازم للتطور؟ أم أنها تخيلات وهمية يمكن للمجتمع أن يتطور متجاوزاً لها، أو يمكن ان يجد موقف وسطي حولها؟ ثم لماذا الحرص علي المعادلات الصفرية Take it all or leave it allوالمعادلات الربحية ممكنة حول هذه الثنائيات ؟؟؟
مــــــــــا الـــعــمــــــــــــــــل؟
نستلف هذا العنوان من تاريخ الثورة البلشفية في روسيا، عندما احتدت التناقضات أمام الثوار، و اختلط التفكير التكتيكي بالاستراتيجي، فقد طرح لينين قائد الثورة كُراسة ما العمل؟ ليقول هذا هو الطريق، الذي يجيب على تساؤلات المرحلة ويحل تناقضاتها ويقود للنصر.
العمل، هو إعادة البلاد لمنصة التكوين؟ تفكيكها وإعادة تركيبها، بعقد اجتماعي جديد، في مؤتمر جامع، تجري فيه مساومة تاريخية.
لتجديد عقد التعايش المشترك، بشروط مجمع عليها، من كل فعاليات البلاد الاجتماعية وحساسياتها الثقافية المتنوعة وقواه السياسية، كيف نصل لهذا المؤتمر والتخلف يسد الطريق؟
الإجابة هي إعادة بناء الكتلة التاريخية، كتلة السودان الجديد، السودان العريض المتجدد التي تقوم على أساس (السوداناوية) أو السودان العريض لكل السودانيين بكل محمولاتهم وتاريخهم الممتد، كتلة تاريخية واسعة وحاسمة تتجاوز الجهويات والقبائل والإثنايات والانتماءات الضيقة الطائفية والعرقية تنطلق للسودان العريض، الجامع بمشروع وطني متكامل.
ما هو هدف الكتلة التاريخية وبرنامجها ؟؟؟
الكتلة التاريخية يقتضيها برنامج تاريخي، يعالج قضايا ويزيل معيقات جوهرية أمام مسيرة شعبنا، ويخلق حلم وطني عام، تلتف حولة أوسع الجماهير صاحبة القدرة الحاسمة لتحقيق النتائج، ولذلك مؤشرات المشروع الوطني الشامل الآتي:-
? تحقيق الديمقراطية المستدامة كهدف ووسيلة للحكم والمجتمع بمعني أن تكون القوي المكونة للكتلة التاريخية ديمقراطية في ذاتها ، وتستهدف الديمقراطية في الدولة والمجتمع ، فالديمقراطية منتج يصنعه الديمقراطيون فقط، وما غير ذلك بيع للوهم، فلا يمكن لمجتمع من غير مكونات ديمقراطية(أحزاب – نقابات مؤسسات مجتمع مدني ) أن ينتج ديمقراطية للدولة، دمقرطة المجتمع هدف أساسي للكتلة التاريخية تراقبه وتنتقده وترعاه تزجر المقصر ،وتشكر المثابر من خلال الدراسات ، التي تحدد المؤشرات للأحزاب الديمقراطية، والتكوينات المجتمعية الأخرى.
? تجاوز صيغة الديمقراطية المعيارية، التي تقسم المجتمع لأغلبية وأقلية ، والنهوض بمقاييس ومعايير للديمقراطية التوافقية ،التي تمكن كل قوي المجتمع الحية ، من الوصول لمواقع التعبير الرسمي من خلال الدستور و القانون، الذي يمّكن الشرائح الضعيفة من توصيل صوتها لمؤسسات الدولة وتضمن صيانة مصالحها .
? إنهاء التبعية، وتأثيرات العولمة السالبة، وتعزيز استقلالية الدولة والمجتمع بما ينمي خصوصيته، ويحافظ على قيمه وينقله من المستهلك للحضارة الإنسانية إلي مساهم فيها.
? الاعتراف بالتنوع وإدراجه ضمن عناصر القوة لا الضعف والعمل علي إدارته وتنميته.
? تحييد الملاسنات الأيدولوجية التي تجادل بدوغمائية إقصائية و تعيد صراع الثنائيات، والعمل علي دعم وتقوية ركائز الدولة المدنية الديمقراطية ، التي تقوم علي كل ميراث الديمقراطيات الغربية ، في الثوابت للدولة الديمقراطية ، التي تحافظ علي حقوق كل شرائح المجتمع ، وتوفر الإطار الضروري له للمساهمة في الإنجاز طيلة فترة حكم الكتلة التاريخية
? تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، من خلال تخصيص الموارد وتنميتها لمعالجة التشوهات، واستهداف الشرائح الضعيفة، من خلال العدالة الاجتماعية، على المستوي العاجل والمتوسط ـ والطويل الذي يستهدف القضاء علي الفقر.
? عقد المؤتمر القومي الجامع كمنبر للمساومة التاريخية، للتصدي الجماعي والإجابة الحاسمة، لكل أسباب الحروب والنزاعات الحادة ـ وصياغة توازن عادل، يعالج التشوهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ويضع الأساس لإنهاء الحروب وتحقيق السلام العادل والدائم.
? التأكيد علي سلمية الصراعات والنزاعات، وإدارتها ديمقراطياً وتحريم حمل السلاح الفتاك لغير القوات النظامية، والأجهزة الأمنية، لا يمكن إقامة نظام سياسي ديمقراطي مدني معافي وجزء من القوي الديمقراطية تحتفظ بمليشيات مسلحة، التجريد من السلاح والاستيعاب وفقاً للمعايير القومية هي الأساس للديمقراطية التوافقية السلمية.
? إقامة انتخابات ديمقراطية توافقية من خلال قانون التمثيل النسبي تضمن المنافسة والتوازن، لتمكين كل مكونات الكتلة التاريخية خاصة الضعيفة منها (المثقفين ـ الشباب ـ المرأة ـ الأحزاب الصغيرة) للتواجد بنسب معقولة في مواقع اتخاذ القرار.
هذه هي المؤشرات الأساسية لبرنامج الكتلة التاريخية التي يجب أن تقود المجتمع والدولة لمرحلة طويلة نسبياً، بدل مراحل الانتقال العجولة السابقة التي تعيدنا للدائرة الشريرة بأسرع مما نتوقع.
نتطلع أن نري الحركة الشعبية في مقدمة قوي الكتلة التاريخية، التي هي الإجابة الصحيحة لأزمة السودان الراهنة، وأن يكون إطار نداء السودان هو نواة الكتلة التاريخية، التي لن تولد وتري النور دون عرق ودموع وعطاء أبناء وبنات السودان الحادبين، الذين يحلمون بسودان جديد، لهم ولمن يأتي من بعدهم من مواليد.
صلاح جلال
[email][email protected][/email]