قناة المقرن .. السودانية حتى النخاع

فى كثير من كتاباتى السياسية ، تمنيت وجود قناة للمعارضة .. كنت اقول باختصار : لوانها وجدت ابان انتفاضة 2013 لما فشلت . اليوم نحظى بقناة لاتقف عند هذا الحد .. وماادراك به من حد ! ولكنى من القليل الذى رأيته ، وجدت مايعبر عن مستقبل السودان باكمله . لاتندهشوا ، فالذى عرض على قلته يعبر عن روح مفقودة فى كل القنوات التى تدعى السودانية .

فى اليوم التجريبى الاول رأينا صور ، مجرد صور ثابتة ولكنها موحية بشكل لايتصور . صور لاشخاص يجمعون ولايفرقون ، صورة لقطار السودان القديم ، القطار المر ،الذى كان يحمل فى جوفه الفوراوى مع البقارى مع الجامعى والشايقى والجعلى وهم يتقاسمون القصص والدوبيت والاغانى والزاد .. كان خميس طويرة .. جداد تمت نربيته فى البيت لمثل هذه الاغراض .. وربما قليل من جبنة الدويم او ام كويكة .. ويغسلون اياديهم بصابونة جاء بها احدهم كجزء من قفة الزوادة . ثم صورة جامعة الخرطوم العتيقة ، التى كانت تضم الاذكياء ابناء الفقراء القادمين اليها من وادى سيدنا وحنتوب وخور طقت ، أولئك الذين ملأوا السودان طبا وادبا وشعرا وتمثيلا ، الذين خرجوا بصدورهم العارية ضد المستعمر وضد الديكتاتوريين من ابناء البلد ومن اجل السودان .

ثم جاء مشروع الجزيرة الذى كان ، فأصبح رواية تروى .. كان لايكفى نفسه وانما يجود على بقية السودان بالعملات الاجنبية وبالتعليم والصحة .. وجاء التتار .. وبدأت خطة لم تنتهى فصولها .. توقفت زراعة القطن تحت شعار نأكل ممانزرع .. وبالتالى لم تعد هناك حوجة للمحالج .. ولالسكة حديد الجزيرة .. ولا ..ولا .. واخيرا لم تعد هناك حوجة للمزارع نفسه .. أصبح يذهب الى السجن بدل الحواشة .. والخطة تمضى الى غاياتها .. مثلها مثل خطة حرق نخيل الشمالية تمهيدا لزراعة نخيل انتاج السكر .. وايضا لم تعد هناك حوجة لوجود صاحب النخيل فجاء التتار بحاويات الاشعاع .. ومثلها مثل اراضى دارفور ، التى شاهدنا نموذجا لها فى صور جبل مرة .. تلك الصور التى ربما يراها البعض للمرة الاولى ولايصدق انها من السودان .. غير ان التتار يرون ان سكانها ، خصوصا من ” الزرقة ” لا يستحقون العيش فى مثل هذا الجمال . بدأوا بعشرة الآف فى رواية وبأكثر من نصف مليون فى رواية أكثر صدقا وتصديقا! ولكن ذلك لم يكن كافيا فى نظر التتار ، فجاءوا بالاسلحة

الكيماوية .. مات من مات .. واطلقت المليشيات لطرد الباقى ..حتى يخلو المكان لمن يستحق !

وهكذا فى مجرد ثلاثة ايام استطاعت المقرن السودانية ان تنكأ جراح الماضى الجميل الذى ذهب .. ولكنها تبشرنا بعودته ، ليس بمجرد الكلام او الشعارات البراقة .. وانما بما قدمت . جبل مرة بجماله وقسوة ماحدث فيه .. وجامعة الخرطوم التى لابد ان تعود قائدة للمجتمع فى كل مجالات الحياة .. والجزيرة التى لابد ان تقاوم الاحتلال وكذلك شمال النخيل الذى قاوم زراعة الشتول الجالبة لامراض النخيل المجربة .. وقاوم انشاء السدود وقاوم مصانع الذهب القاتلة .

وأكثر من ذلك فان المقرن تدعونا للبدء فى كتابة المستقبل الذى اطل .. قدمت رواية بسيطة للفتاة التى قاومت الانحراف .. تمثيل ليس كالتمثيل .. وثصوير وموسيقى تصويرية .. تحدث عن مستقبل هذا الفن .. كذلك الاغنية الشعبية . . الجنيات يابقارة ..

ذكرنى ماقدمته قناة المقرن فى هذا البث التجريبى القصير بمقولة من رد على القاضى الذى سيحكم عليه بالاعدام بعد دقائق ، والذى سأله : ماذا قدمت للشعب السودانى ؟ ” الوعى، بقدر ما استطعت ” .. عبدالخالق .. حيث قال مخاطبا اعضاء حزبه : افتحوا نوافذ على الاشتراكية ، ليرى الشعب نماذج مما ستقدمه حين تأتى ”

وهذا مافعلته قناة المقرن : انها تفتح نوافذ على ماسيكون عليه حال النظام الديموقراطى