جرثومة الإفراط في الدبلوماسية..!

تُرى ما الذي يجعل الحكومة تمارس كل هذا الصمت الغريب والعجيب، بينما يتحدث اللسان المصري بكل ما هو مستفز ومُحقِّر للشأن السوداني. وما الذي يجعلها ? أي حكومتنا المبجّلة – تغض البصر عن المواقف المصرية التي لا تخلو من تسخيف للسودان، وتتفيه لتاريخه بكل نصاعته وبيانه..!
أتُراها لا تملك أدوات الرد، أم إن الحكومة السودانية تعوّدت على المهانة، ولذلك انتهجت سياسة السكوت في أزمنة الحديث الواجب والحتمي..!
لكن، وأياً ما يكون المبرر، وأياً ما تكون المسببات، فإن موقف الحكومة وتعليتها لخيار الرد الدبلوماسي، أصبح لا يطاق عند أكثرية السودانيين، بعدما تجاوز كل حدود الاحتمال. فما الذي تخشاه الحكومة السودانية بحيث تميل إلى التهدئة بينما الجانب المصري ماضٍ في التصعيد، للدرجة التي يطالب فيها نائب المندوب المصري الدائم في مجلس الأمن بإبقاء العقوبات على السودان..!
وهنا ينبغي أن نسأل أنفسنا، ما الذي يجعل الحكومة السودانية تكتفي باستفسار الحكومة المصرية عن فحوى ودواعي الحديث الذي جرى على لسان نائب المندوب الدائم، في واحدة من اجتماعات مجلس الأمن، دون أن يكون ردها على قدر الموقف المصري الذي وصفته بـ”الشاذ”..! خاصة أن الرأي الذي جهر به نائب المندوب الدائم يعني أن مصر تقف الآن في مربع العداء المعلن للسودان والسودانيين، وليس للحكومة، ذلك أن العقوبات الأمريكية ثبت أن تأثيرها ليس على حكام السودان المرفّهين والمنعمين بالمال الخاص وبالمال العام، وإنما على الشعب السوداني..!
قناعتي أنه يتوجب على الحكومة السودانية تغيير رؤيتها للأمور كلياً، وأن تتحرك من مربع التعامل الدبلوماسي الناعم، وأن ترفع من خطواتها الداعية إلى صون كرامة الوطن والمواطنين.
عفواً، فنحن لا ندق طبول الحرب، لأن الجانب المصري أصلاً يمضي في هذه النواحي، بحسب ما كشفه وزير الدفاع في جلسة مغلقة أمام البرلمان، وذلك حينما قال إنهم يتعرضون لاستفزاز عسكري من الجيش المصري في حلايب. وإنما ندعو لسد الباب على الاستفزاز المصري بخطوات سياسية ودبلوماسية فعالة، وخاصة بعدما قامت عدد من القنوات أمس بنقل صلاة الجمعة من حلايب.
والخطوات السياسية والدبلوماسية الفعالة التي عنيتها، هي أن تتحدث الحكومة إلى وزير الخارجية المصري سامح شكري، حينما يزور الخرطوم الأسبوع المقبل، بلغة غير التي كانت تدير بها العلاقة مع القاهرة، وذلك بأن يتم وضع قضية حلايب في صدارة الأجندة التي ستناقشها الزيارة، بعدما ظلت الحكومة تتهيّب ذلك طوال السنوات الماضية، بدلاً من الانجرار وراء الأجندة المترفة التي يطمح الوزير المصري لمناقشتها، لأنها لا تصوِّب مباشرة على الهدف، وخاصة فكرة ميثاق الشرف الإعلامي بين البلدين، ببساطة لأن هذا الميثاق عديم الفائدة والجدوى لجهة أن الإعلام المصري لن يتقيّد أو يلتزم به، لأنه إعلام منفلت، أضف إلى ذلك أن الميثاق ? حال توقيعه ? فإنه يساوي بين الضحية والجلاد، لأن الإعلام السوداني لم تسجل ضده أي تجاوزات أو خروقات، بينما تورّطت غالبية المناصب الإعلامية المصرية في انتقاص قدر السودان.
ظني، أنه ما لم تكن قضية حلايب حاضرة في أجندة الزيارة المقبلة، فإن الاستفزاز المصري سيتواصل، خاصة أن الخيارات التي تطرحها الخرطوم لحل الأزمة تخلو من الخيار العسكري، وهو ? للأسف ? يبدو خياراً غير مستبعد، بل وراجح عند المصريين.
الصيحة